الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نفقات العامل في السفر / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

"إستحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه فلو سافر من غير إذن أو في غير الجهة المأذون فيه أو مع التعدي عما أذن فيه ليس له أن يأخذ من مال التجارة‌"[1] .

 

كان حديثنا في نفقة العامل في السفر وقلنا أن السفر إن كان من أجل التجارة والإسترباح فإن النفقة تكون على رأس المال لأن الربح إنما يحسب بعد إحتساب جميع النفقات ومنها ما يرتبط بالإستثمار.

ولكن في هذه المسألة فروعٌ بحثها الفقهاء نذكرها تباعاً:

 

مرض العامل في السفر

هل تحتسب أيام مرض العامل ونفقة علاجه من مال المضاربة أم لا؟

إختلفوا في ذلك فقيل بالإحتساب وقيل بعدمه، وفصّل البعض بين ما لو كان المرض مزمناً لا علاقة له بالسفر فلا يكون على المال كما لو كان يحتاج إلى غسيل كليته أو العلاج بالإشعاع، وبين ما إذا كان السفر سبباً في المرض فتكون نفقة العلاج من المال، وهذا التفصيل حسنٌ لإرتباطه بسفر الإستثمار أيضاً.

وسنقرأ لاحقاً متن العروة في هذا المجال.

 

تبدل القصد من السفر

إذا سافر العامل للمضاربة وكانت فترة العمل أسبوعاً فرأى أن يبقى فترة أخرى للتفرّج أو الزيارة أو ما أشبه، فلا تحتسب مؤونة الفترة الزائدة من المال.

أما إذا كانت سفرته منذ البدء بقصدين هما العمل والنزهة، فينظر إن كان الهدف الثاني هامشياً إحتسبت النفقة من المال، والعكس بالعكس، فالحكم يرجع إلى قصد العامل ونيته.

 

العمل بمالين أو أكثر

إذا حمل العامل مالين للمضاربة في سفرٍ واحد – كما يحدث غالباً - فحينئذ تقسم النفقة على مختلف التجارات التي يمارسها، وهذا أمر طبيعي لكونه عاملاً لمالكين وفي مالين، ويتفرع على هذا الفرع كيفية تقسيم النفقة على المالين، فهل تقسّم النفقة على أساس مقدار المال أم على أساس العمل؟

يبدو أن التقسيم يكون على أساس العمل، فلو كان بيده مالين أحدهما ألف والثاني ألفين، ولكن عمله في الألف كان أكثر من الألفين أو مساوياً له، أخذ النفقة بحسب عمله فإن كان العمل متساوياً أخذ بالسوية وإلا أخذ من الزائد بقدره.

 

معنى السفر في المضاربة

قالوا أن المراد من السفر هنا هو السفر العرفي لا الشرعي، فالخروج من المدينة بمقدار فرسخ أو فرسخين عدّ سفراً للصدق العرفي، وإن لم يسمى في الشرع سفرا، ونحن أضفنا إلى هذا القول بأن الإنتقال في داخل المدينة أيضاً إن كان للتجارة كانت النفقة فيه على المال.

وكذا يشترط في إحتساب النفقة من أصل المال أن يكون السفر مأذوناً، فلو لم يأذن (بالإذن المباشر أو العام كالشرط الضمني) كانت النفقة من ماله الخاص، ومن هنا قال السيد قدس سره: "إستحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه فلو سافر من غير إذن أو في غير الجهة المأذون فيه أو مع التعدي عما أذن فيه ليس له أن يأخذ من مال التجارة‌"[2] .

وقال السيد قدس سره في مسألة العمل لأكثر من مالك: "لو تعدد أرباب المال كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد‌أو عاملا لنفسه و غيره توزع النفقة و هل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين قولان"[3] .

وقد ذكرنا بأن النفقة تحتسب وفقاً لمقدار العمل الذي بذله العامل في المضاربة.

 

إحتساب النفقة

هل تؤخذ النفقة من الربح المتحصل أم من رأس المال؟ إذا قلنا بالأول فذلك يعني خسران العامل لجزءٍ من حصته من الربح فيكون شريكاً للمالك في نفقة سفره، أما إذا قلنا بالثاني فسوف تكون النفقة كلها على المالك ولا يخسر العامل شيئاً، ومن هنا قال السيد قدس سره: "لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح‌ بل ينفق من أصل المال و إن لم يحصل ربح أصلا نعم لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح و يعطى المالك رأس ماله ثمَّ يقسم بينهما"[4] .

ولنا إشكالٌ على ما أنهى به السيد جملته من حسابها من الربح، مع كون الأصل إحتسابها من رأس المال، لأن سفره مرتبطٌ بالتجارة فلابد أن يكون من أصل المال مع عدم إشتراط العكس.

وقد أجاد بعض المعلقين والشراح في كون هذه المسائل عائدة إلى العرف والزمان والمكان ونوع التجارة، ونحن قد ذكرنا أن هذه المسائل ترتبط غالباً بالمضاربات الفردية، لا المؤسسات المالية والشركات القابضة التي يكون حساب النفقة والأرباح مبنياً على توافقات واضحة.

 

عن التوافق مع الشركات والحكومات

ولفقهاء القانون نقاشٌ في عدم إمكان توافقات حقيقية بين إنسانٍ لا يملك من أمره شيئاً من جهة وبين شركات كبرى من جهة أخرى، كالتوافق بينه وبين شركات توزيع الكهرباء والماء والغاز، وكذا شركات الطيران، فالمواطن لا يملك من أمره شيئاً ليضع شروطاً أو يخالف ما تفرضه تلكم الشركات، وقد قال البعض بصحة هذه التوافقات لإقدام الفرد عليها بإرادته وإن كان مضطراً لإمكان تركه التوافق، ولكنه كلامٌ غير معقول لأن رفضه للشروط يعني خروجٌ عن دائرة الإنتفاع بخدماتها والذي يؤدي إلى الحرج.

ومن هنا قام البعض بتأسيس جمعيات حماية المستهلكين وهي محاولة لردم هذه الفجوة بالدفاع عن المواطن، ولكن ذلك لم يجد نفعاً، وهذه الفجوة هي التي تحمل الناس على المظاهرات والثورات رفضاً لما يعانوه منهم.

وقد أخذ هذا البحث حيزاً هاماً في عالم اليوم مع تنامي الشركات القابضة والبنوك الإستثمارية، فهل ما يجري هو توافق أم هو لونٌ من ألوان الظلم، ولابد أن يناقش هذا الموضوع في أروقة القانون والسياسة.

 

مرض العامل في رأي السيد اليزدي

أما عن مرض العامل في السفر فقال السيد قدس سره: "لو مرض في أثناء السفر‌فإن كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة و إن منعه ليس له و على الأول لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض‌"[5] .

فمادام المرض لا يؤثر على عمله أخذ نفقته من رأس المال، ولكن لا يأخذ ثمن العلاج منها، إلا أن هناك قولاً آخر حاصله: إن منعه المرض من العمل، يُنظر هل كان المرض بسبب السفر أم لا، فإن كان بسببه كانت النفقة من المال، لأن من له الغنم فعليه الغرم، ولعل قاعدة لا ضرر ولا ضرار تشمل المقام.

أما إذا كان المرض لا بسبب السفر، كانت النفقات محتسبة من ماله الخاص.

 

موت العامل

وألحق بهذا الفرع صورة موت العامل، فهل تكون نفقة تجهيزه من رأس المال؟

قال أكثر الفقهاء بأن الموت ينهي المضاربة وبذلك لا يستحق من رأس المال شيئاً ليصرف فيه تجهيزه، وقال بعضٌ بكونه على رأس المال أيضاً.

والحق: لا يمكننا أن نقول بكون نفقة تجهيز العامل الميت على المال إلا إذا كان موته بسبب السفر كحادثٍ أو غرق أو شبهه، فتشمله قاعدة لا ضرر، أما إذا مات حتف أنفه فلا دليل على كون نفقة التجهيز على المالك، بل يكون من تركته أو على المؤمنين مع قصورها، والله العالم.


[1] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص172.
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص172.
[3] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص172.
[4] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص173.
[5] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص173.