الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الشروط الخاصة / شروط المضاربة / كتاب المضاربة

 

الشرط الرابع: تعيين الحصة في الربح

من جملة الشروط التي تحدث الفقهاء عنها هو جعله المحقق اليزدي قدس سره شرطا سادساً حيث قال: "تعيين حصة كل منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك إلا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق"[1] .

كما هو معروف وقد تكرر الحديث عنه بأن هذه الشروط إما أن مرجعها إلى المتعارف بين الناس، إذ لم يتعارف بينهم عقدٌ بدونها، وإما يكون المرجع في إعتبارها إلى أن بعضها يمنع من التورط بالربا المحرم، أو الغرر المنهي عنه في مطلق المعاملات بحسب الخبر المجبور بعمل الأصحاب، وإما لوجود نصٍ خاص.

وفي باب المضاربة نجد أن النصوص الخاصة محدودة وأغلبها مع محدوديتها تبين واقعاً معيناً دون بيان الحكم العام والمطلق.

ومن هنا فإن إعتبار هذا الشرط قد أعتبروه منعاً من الغرر المنهي عنه، إذا قبلنا سنده خصوصاً بعد إعتماد الفقهاء عليه في مختلف الأبواب، كما لو قال صاحب المال للعامل: اعمل بمالي وأعطيك شيئاً. فهذا لا يصح لتأديته إلى الغرر الذي نتحاشاه في المعاملات اللازمة بخلاف الصلح الذي يستامح بالغرر فيه غالباً، إذ في العقد اللازم قد يؤول الأمر إلى النزاع وبالتالي إلى القضاء، فلا يجوز الغرر.

نعم؛ لو كان هناك إطلاق في المجتمع بتعيين حصةٍ محددة للعامل كالثلث أو النصف مما ينصرف إليه لفظ (أعطيك شيئا) أي أعطيك ما تعارف عليه في المجتمع من حصة، جاز، أو يقول له أعطيك كما يعطي سائر التجار عمالهم، فيحيل مقدار الربح إلى معلومٍ في الواقع وإن كان مجهولاً لدى الطرفين، أو يحيله إلى ما يفرضه القانون من كيفية تقسيم الحصص.

ولكن هل تصح المضاربة بقول المضارب: أعطيك الفاً للمضاربة وتعطيني مائة شهرياً وما زاد فهو لك؟

قالوا لا تصح، لإحتمال إنتهائه إلى الربا وفيه رواية، ولكن إختلفوا فيما لو كان الأمر من باب الحث والتحفيز للعامل، كما في بعض الشركات التي يريد فيها المالك شيئاً من المال والباقي يكون للموظفين، فقال بعضٌ بعدم الجواز لعدم كونه مضاربة، وآخرون بالجواز إن لم يكن فيه شبهة الربا أو الغرر، كما لو قال صاحب المال لعامله أعمل في أموالي ومازاد عن الألف فهو لك، بأن تكون حصة العامل متحركة تحفيزاً له لإكتساب المزيد من الربح.

وفي هذا المجال ننقل كلمات السيد الشيرازي رضوان الله عليه حيث يذكر صور الإبهام في الحصة قال: "إن يقول لك جزءٌ أو حظٌ أو نصيب وهذا لا يصح، لأنه خلاف أدلة المضاربة عرفاً وشرعاً ويشمله دليل نهي النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر"[2] .

ثم قال قدس سره:

"الثالث: أن يقول لك ثلث أو ربع مثلاً بأن جعل له الشيء المردد، وهذا لايصح لأنه غرر...

الرابع: أن يقول لك بالنسبة العادلة حيث لا يعلمانها هل هي الثلث أو الربع أو أقل أو أكثر، فما إذا كان في الواقع مقداراً خاصاً .."[3] ، فمادام المجتمع يعرفه فهو جائز، وكذا فيما لو قال له أعطيك مثل ما يعطي التجار في معاملاتهم صح أيضاً، فينقل السيد الشيرازي عن السيد الحكيم قدس سرهما قوله: " لو قال: لك مثل ما شرط فلان، فدليل بطلانه غير ظاهر"[4] .

أما الصورة السادسة التي يذكرها السيد الشيرازي فهي صورة تحديد نسبة مرددة بحسب مقدار الربح فقال: "السادس أن يردد في الأمر بأن يقول: إن ربحت فوق الألف فلك الثلث وإن ربحت دون الألف فلك النصف (كي يشجعه على العمل فربما إمتنع العامل إن كانت حصته قليلة) سواء كان ذلك شرط المالك على العامل أو بالعكس، ومقتضى القاعدة الصحة، لأنه شرط عقلائي فالعامل مثلاً حيث تكون أجرته في الشهر خمسمائة لا يستعد أن يأخذ أقل بالمضاربة، ولذا يجعل الشرط بحيث لا يكون أقل"[5] .

نحن نقول: بجواز ذلك شريطة أن لا يؤدي إلى الغرر، وإلا شمله النهي، إلا أن المتعاقدان يعرفان في بعض الأحيان حدود الربح والخسارة، أما إذا قال له: أعطني مائة والباقي لك فهذا هو الربا وهو المعمول بين الناس مع الأسف، وفي ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام: "فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ مَالًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ رِبْحاً مَقْطُوعاً قَالَ هَذَا الرِّبَا مَحْضاً"[6] .

 

الشرط الخامس: الربح بين المتعاقدين

من الشروط المذكورة في المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والعامل وليس لأجنبي، فإذا قال له: بيني وبينك وبين الفقراء، لم يجز، وعلل ذلك بأن الأساس في المضاربة في أن يكون الربح بينهما لا بادخال أجنبي في الإنتفاع.

نحن نقول: هل يسبب إدخال الأجنبي غرراً؟ أم هل يخالف العرف؟ بل نحن نجد وجود ذلك في العرف أحياناً، فكثيرٌ من التجار يشترطون جزءاً من الربح لأعمالٍ خيرية ولا يرى العرف به بأساً، و لا يخفى أن هذا الشرط وإن خالف إطلاق عقد المضاربة إلا أنه ليس مخالفاً لمقتضاه، ولا بأس بإشتراط خلاف الإطلاق دون المقتضى، ولذلك استثنوا صورة وردت فيها رواية بإشتراط جزءٍ من الربح لغلام أحدهما، فقد يكون الغلام عاملاً أيضاً فطبيعي أستحقاقه وقد لا يكون، فالرواية تجوز حصوله على الربح وقال به الفقهاء، الأمر الذي فتح المجال لبحث عن ملكية الغلام، فإذا قلنا بملكيته فهو ثالثٌ أجنبي عن المعاملة، أما إذا قلنا بعدم ملكه فهذا كما لو اشترط لنفسه حصةً إضافية.

ويحسم السيد اليزدي قدس سره النزاع بعد بيانه لهذا الشرط ببيانه حيث يقول:" أن يكون الربح بين المالك والعامل فلو شرطا جزء منه لأجنبي عنهما لم يصح إلا أن يشترط عليه عمل متعلق بالتجارة نعم ذكروا أنه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صح و لا بأس به خصوصا على القول بأن العبد لا يملك لأنه يرجع إلى مولاه و على القول الآخر يشكل إلا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحة الشرط حتى للأجنبي و القدرالمتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاما لأحدهما فالأقوى الصحة مطلقا بل لا يبعد القول به في الأجنبي أيضا و إن لم يكن عاملا لعموم الأدلة"[7] .

ويبدو أن هذا الشرط ورد لأسبابٍ تاريخية وإجتماعية معينة، ولابد لنا أن ندرس ظروف المجتمعات التي حكم فيها الفقهاء ببعض الأحكام التي تتغير بتغيرر الظروف، فلعل إعتبارهم لهذا الشرط كان مبرراً حينذاك، وشخصياً حين أحقق في بعض الفتاوى أجدها صدرت بسبب وجود ظرفٍ معين، وهكذا نعرف أن الإجماع في الفروع الدقيقة غير واضح، إذ لا يتعرض الكثير من الفقهاء لكل الفروع، والإجماع بحاجة إلى أن يكون الموضوع شائعاً ذائعاً بحيث يبحثه الجميع.

الشرط السادس: أن يكون المال بيد العامل

قال السيد اليزدي قدس سره: "ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح لكن لا دليل عليه"[8] .

لعدم ثقة المالك بالعامل في بعض الأحيان يمتنع عن إعطاءه مال المضاربة برضاه، مع إمكان تصرف العامل بها، فما المانع من ذلك؟

يبدو أنه لا مانع من ذلك في الأمر، ومن هنا قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة: "هذا شرطه المصنّف في «التحرير» أيضاً والشافعية. و قد يلوح من الإيضاح اختياره. وفي «جامع المقاصد» أنّه أولى و أبعد عن الريب . وقرّب في «التذكرة» عدم اشتراطه وقد خلت عنه كتب الأصحاب قاطبة من المقنع و المقنعة إلى الرياض، بل ظاهر أكثرها عدمه حيث يذكرون سائر الشرائط و يتركونه"[9] .

واستقرب السيد اليزدي قدس سره عدم البطلان لعدم الدليل عليه ولذا قال: "فلا مانع أن يتصدى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك كما عن التذكرة"[10] .

واستشكل السيد الحكيم في المستمسك[11] حيث ذهب إلى كفاية الشك في كون العقد بدون هذا الشرط لبطلانه للشك في كونه مضاربة، وفيه:

أولاً: لا نشك في كونه من المضاربة مادام العرف يعتبره كذلك.

ثانياً: أنّا نرجع في حال الشك إلى الإطلاقات بناءاً ما اخترناه من أصالة الصحة في العقود، بخلاف من كان مبناه أصالة الفساد فيها، وكلٌ إلى مبناه.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، جامعة المدرسين.
[2] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص158.
[3] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص158.
[4] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص159.
[5] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص159.
[6] دعائم الإسلام، قاضي نعمان مغربي، ج2، ص86.
[7] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط جامعة المدرسين.
[8] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط -جامعة المدرسين.
[9] مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، السيد جواد الحسيني العاملي، ج20، ص491.
[10] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[11] المستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج12، ص252. قال في المستمسك : " أن الشك في اعتباره عرفاً في مفهوم المضاربة كاف في اعتباره لما عرفت من أصالة عدم ترتب الأثر، و لا عموم يقتضي صحته مضاربة و الإطلاقات المقامية لا مجال لها مع الشك في الموضوع العرفي، كما سبق في نظيره". [[المقرر]