الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الشروط الخاصة / شروط المضاربة / كتاب المضاربة

 

"الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة بأن يكون درهما أو دينارا فلا تصح بالفلوس و لا بالعروض بلا خلاف بينهم "[1] .

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

كان الحديث عن شروط المضاربة، والتي قد تكون في حقيقتها شروطاً عرفية، بمعنى إلزام العرفه نفسه بها كيلا يتجاوز الناس على بعضهم البعض ويتخذوا من هذه المعاملة الموضوعة لمنفعتهم وسيلة لظلم بعضهم، إلا أنه أحياناً وبسبب من الأسباب لا يلتزم المتعاقدان ببعض هذه الشروط، فإن كان بعد علمهم بها وإختيارهم عدمها لتسهيل إستمرار التعاون في المضاربة مثلاً، صح عملهم وإن لم يسمى مضاربةً بل ليكن عقداً مفيد فائدة المضاربة.

ومن هنا فإن العرف ليس مصدر تشريع ملزم، بل هو مفيد حال إعتماده من قبل الناس في تعاملاتهم، بإعتبار أن الناس ليسوا سواء في المعرفة والخبرة فيما يتصل بالتجارة، فالعرف يضع – بسبب تجاربه ومعرفته- حدوداً لكل معاملة، فيعتمدها الناس ولا بأس به.

ومن الشروط التي ذكرها السيد اليزدي قدس سره وتحدثنا عنها، هو إعتبار كون مال المضاربة عيناً، فلا تصح بالدين أو المنفعة، وقلنا أن الدين يمكن أن يكون مورداً للمضاربة بشرط تحوله إلى عين بمعنى أن يوكل المالك المديون في القبض عنه وإجراء المضاربة، وللفقهاء كلامٌ وبينهم أختلافٌ في ما يتحقق به أداء الدين، هل هو بالقبض أم يكفي التحديد، وعلى أي حالٍ متى تحول الدين إلى نض ومن المديون إلى الدائن كان للعامل (المديون سابقا) أن يتصرف به ويجعله مال مضاربة.

هذا فيما يرتبط بالدين، أما فيما يرتبط بالمنفعة فلم نجد سبباً معقولاً للمنع، إلا إذا قلنا بإجمال المنفعة بما يؤدي إلى الغرر، فإذا قلنا بمانعية الغرر مطلقاً وفي جميع المعاملات قلنا بالبطلان لكن من جهة الغرر لا إشتراط العينية، أما إذا قلنا بأن الغرر المنهي عنه خاصٌ بالبيع أو قلنا بأن العرف يتسامح في بعض مستويات الغرر فنقول بالصحة.

 

الشرط الثاني: أن يكون مال المضاربة من الذهب والفضة

قال السيد اليزدي قدس سره: "الثاني أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة بأن يكون درهما أو دينارا فلا تصح بالفلوس (النحاس) و لا بالعروض (الأعيان كطن من الحنطة) بلا خلاف بينهم "[2] .

وفي دعوى عدم الخلاف نظر، إذ لم يورد بعضٌ هذا الشرط أصلاً كما قال البعض بإمكان كون مال المضاربة من العروض، إلا أن صاحب الجواهر قد أدعى الإجماع بقسيمه على المسألة[3] ، ولكن ماهو مستند هذا الإعتبار؟

قال السيد قدس سره: "و إن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع، نعم؛ تأمل فيه بعضهم (وهو خادش بالإجماع ولعله من صاحب الحدائق[4] ) و هو في محله لشمول العمومات (عمومات المضاربة وعمومات العقود) إلا أن يتحقق الإجماع و ليس ببعيد فلا يترك الاحتياط"[5] .

أما المستند في المسألة فمضافاً إلى الإجماع وجود بعض الروايات التي ذكرت الدينار والدرهم كمال للمضاربة كخبر علي بن عبد الحكم عن عبد الملك بن عتبة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالًا فَأَقُولُ لَهُ إِذَا دَفَعْتُ الْمَالَ وَ هُوَ خَمْسُونَ أَلْفاً عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَرْضٌ وَ الْبَاقِي لِي مَعَكَ تَشْتَرِي لِي بِهَا مَا رَأَيْتَ هَلْ يَسْتَقِيمُ هَذَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ أَسْتَأْجِرُهُ فِي مَالٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ قَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ"[6] .

وسنفصل لاحقاً القول في رواية عبد الملك في ربط المضاربة بالقرض، ولكن في المقام نقول أن ذكر الرواية للدرهم أو الدينار وما أشبه لا يدل على المنع من غيره، إذ لا مفهوم في اللقب.

نقول: إذا قلنا بأن الأصل في المضاربة الحرمة (الفساد) إلا ما خرج بالدليل فقد نقول بإعتبار هذا الشرط، أما إذا قلنا بأن المضاربة عقد عرفي مشمولٌ بعمومات العقود فلا.

وقد أدعي على المسألة بمنع العرف من المضاربة على العروض، وقوبل بقول من قال بالعكس، أي بحكم العرف على صحة العقد على العروض، ويبدو أن الإختلاف في القولين راجع إلى الإختلاف في الأعراف في ألاعصار والأمصار المختلفة.

والسيد اليزدي قدس سره بالغرم من إستحسانه التأمل في المسألة إلا أنه عاد ليقول بإعتبار هذا الشرط موافقةً للإجماع والإحتياط.

إلا أنه قد إستدل على عدمه، بعقود المضاربة التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه وآله، دون أن تكون من النقدين وإمضاء النبي صلى الله عليه وآله، لها، خصوصاً إذا علم أن النقدين كانتا عملة صعبة في تلك الأزمان فكانت الكثير من العقود تتم لا بها، بل بالمهاترة.

 

العملة المغشوشة

ثم يتعرض السيد قدس سره إلى المضاربة على العملة المغشوشة التي يتم مداولتها في الأسواق، فقال: "و لا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميات والقمري ونحوها نعم لو كان مغشوشا يجب كسره بأن كان قلبا لم يصح و إن كان له قيمة فهو مثل الفلوس"[7] .

أما وجوب كسر المغشوش فمستنده روايةٌ إستشكل عليها صاحب الجواهر لإحتمال كونها قضية في واقعة، وهي المروية عن المفضل بن عمر الجعفي قال: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَأُلْقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ دَرَاهِمُ فَأَلْقَى إِلَيَّ دِرْهَماً مِنْهَا فَقَالَ أَيْشٍ هَذَا؟ فَقُلْتُ: سَتُّوقٌ فَقَالَ وَ مَا السَّتُّوقُ؟

فَقُلْتُ: طَبَقَتَيْنِ فِضَّةً وَ طَبَقَةً مِنْ نُحَاسٍ وَ طَبَقَةً مِنْ فِضَّةٍ.

فَقَالَ: "اكْسِرْهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ هَذَا وَ لَا إِنْفَاقُهُ"[8] .

 

جعل ثمن المبيع قراضاً

قال السيد قدس سره: "و لو قال للعامل بع هذه السلعة و خذ ثمنها قراضا لم يصح ‌إلا أن يوكله في تجديد العقد عليه بعد أن نض ثمنه."[9]

فكأن المضاربة وقعت على العين لا النقد، إلا إذا وكّله في تجديد العقد بعد الحصول على النقد، وهذا صحيح مع القول بحاجة الوكالة إلى إيجاب وقبول مستقلين، ولكن يبدو أن هذه الدقة غير ضرورية في الوكالة، والله العالم.

 

الشرط الثالث: معلومية مال المضاربة

أشترطوا معلومية مال المضاربة قدراً ووصفاً، فإذا ورث أحدهم مالاً مجملاً أو وهب له، فضارب عليه قبل العلم بمقداره لم يجز، لأنه يؤدي إلى الغرر، مع القول به في غير البيع إستناداً إلى رواية ضعيفة مجبورة بالعمل بها، إلا أن البعض قال بأن العرف يعتبر هذا المقدار من الغرر في المضاربة مغتفر، لأن المضاربة مبنيةٌ أصلاً على الغرر وعدم معلومية الربح أو الخسارة بالعمل.

ومن هنا فرّق بعض الفقهاء في مسألة الغرر في العقود بين العقود التي أخذ الغرر في موضوعها نوعاً، فلا يبطلها الغرر القليل فيها.

قال السيد اليزدي قدس سره: "الثالث أن يكون معلوما قدرا و وصفا و لا يكفي المشاهدة و إن زال به معظم الغرر[10] .

فالسيد يذهب إلى البطلان حتى لو زال معظم الغرر بالمشاهدة، ولنا أن نتسائل: هل كل غررٍ مبطلٌ للمعاملة مهما كان ضئيلاً؟ خصوصاً أن العرف لا يرى إيجاب كل غررٍ إلى الجهالة المخلًة، وإنما المضر بالمعاملة هو الغرر الغير متسامح فيه، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[3] انظر : جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ج26، ص356.
[4] الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني، ج21، ص218. قال في الحدائق: "و أما اشتراط كونه دراهم أو دنانير فقد اعترف جملة من الأصحاب بأنهم لم يقفوا له على دليل غير الإجماع المدعى في المقام، و الظاهر أنه كذلك، حيث انا لم نقف بعد الفحص و التتبع على دليل من النصوص على ذلك". [ المقرر]
[5] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[6] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج7، ص189، باب18 الشركة والمضاربة ح20.
[7] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[8] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج7، ص109.
[9] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.
[10] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص146، ط-جامعة المدرسين.