الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع على ملكية الدرج والممرات المشتركة /كتاب نزاعات الملك

 

"إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى و لآخر بيوته العليا و تداعيا الدرجة قضى بها لصاحب العلو مع يمينه‌"[1] .

 

من جملة المسائل التي يذكرها المحقق الحلي قدس سره في سياق الحديث عن النزاعات في الملك أو الحقوق المشتركة وعلاقات الناس فيما بينهم، هي مسألة الخلاف حول الدرج في البيوت متعددة الطوابق، فمن هو صاحب اليد عليها ليكون مالكاً لها؟

هل اليد لصاحب الطابق الأسفل بإعتبار أسس الدرج عنده أم مالك الطابق الأعلى هو صاحب اليد لإنتفاعه بالدرج ؟ وتمييز ذي اليد يهم القاضي الذي يكلّف المدعي البينة و مع عدمها يرجع إلى المنكر – وهو صاحب اليد – ويطالبه باليمين.

وقبل الحديث عن تحديد صاحب اليد نكرر ما قلناه سابقاً: أن لكل زمان ومكان عرفه الخاص، وعلى القاضي أن يأخذ بعين الإعتبار إختلاف الأعراف لتشخيص ذي اليد، وفي مثل مسألة الدرج وما أشبه الظاهر يغلب على الأصل، فنبحث عن الظاهر، وقد مرّ في تعارض الظاهر والأصل يرجّح الظاهر إن كان أقوى من الأصل، وقد رجحّت بعض النصوص الظاهر على الأصل لقوته وشدة ظهوره.

واليوم في الحديث حول المرتفقات المشتركة في العمارات ذات الطوابق المتعددة سواء كانت سكنية أم تجارية أو ما أشبه، فيحدد العرف مجموعة من المرتفقات المشتركة ويعتبرها ملكاً للجميع، كالسطح والبهو الأصلي ومواقف السيارات والمصاعد وما أشبه، فهي جميعاً مشتركة وبحسب حاجة الناس إليها، فمع حدوث نزاعٍ يرجع إلى العرف السائد إلا إذا دلّ دليل على الخروج من المتعارف.

وفي مثل هذه الأمور لسنا بحاجة إلى البحث عمن يملك الدرج، لأنه للجميع، فصاحب الشقة العليا بحاجة إليه للوصول إلى شقته، وكذا يحتاج صاحب الشقة السفلى إليه للصعود إلى السطح المشترك.

وإذا قيل أن إستعمال صاحب الشقة العليا أكثر من صاحب الشقة السفلى، وحاجته أكثر فيكون هو صاحب اليد، يجاب بأنه لا إعتبار في مسألة اليد بين الأكثر إستعمالاً والأقل، بل أصل الإستعمال المشترك يكفي للإشتراك في اليد، كما في المحل المشترك الذي يستعمله أحد الشريكين لساعة والآخر لخمسة ساعات، فالقضاء يقضي لكل منهما باليد لصدق الاستحواذ واليد.

ومن هنا فإن صاحب الطابق الأعلى ومالك الطابق الأسفل يشتركان في ملك الدرج، حتى لو كان أحدهما أكثر إستعمالاً له من الآخر.

ومثل ذلك إشتراك الناس في المواقف المرتبطة بالدوائر الحكومية مع عدم تخصيصها بموظفٍ من الموظفين، و إلا أختص به، و كذا في السبق إلى الوقف، إن كان هناك من إختص بالموقوف عرفاً – كإمام المسجد أو الإمام في الصحن الحسيني الشريف- فلا يسبق إلى موقعه، أما مع عدم التخصص فهو سواء مع الآخرين.

أما الفقهاء فقد اختلفوا في هذه المسألة، فقال بعضٌ بأن الدرج ملكٌ لصاحب السفل لملكه الأرض وما أنشئ عليها، وقال بعضٌ أنها لصاحب العلو لإحتياجه إلى الدرج.

ويمكن أن يحل هذا الإختلاف بإرجاعه إلى أختلاف الأعراف بين زمان الشيخ الطوسي وزمان المحقق، وقد حكم كلٌ بعرف زمانه.

 

الخانات المشتركة

وكما في الدرج كذلك الخلاف في الخانات المشتركة والتي كانت تشبه العمارات اليوم، حيث يملك كلٌ بيتاً فيها مع وجود مرتفقات وممرات مشتركة، فلو تنازع صاحب السفل وصاحب العلو على الممر المؤدي إلى الأعلى، فقالوا أن المقدار الموصل إلى الأعلى والذي يستفيده صاحب العلو للوصول إلى بيته مشتركٌ بينهما، وسواه لصاحب السفل.

وقال بعضهم بعدم إمكان ذلك، لأن صاحب العلو لا يسير في خطٍ مستقيم للوصول إلى بيته، بل ربما سار في أكثر من موضع، أو توقف للإستراحة أو كان معه حمل إلى الأعلى، فلا يمكن تحديد متراً أو مترين كممر مشترك بينهما.

وهذا الاختلاف هو الآخر نابعٌ من الإختلاف في الأعراف، والتي ينبغي الأخذ بها لأنها تشكل ظواهراً معتمدة.

قال المحقق الحلي قدس سره في هذا الصدد: "إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى و لآخر بيوته العليا و تداعيا الدرجة قضى بها لصاحب العلو مع يمينه‌"[2] ، وهذا بإعتبار حاجة صاحب الأعلى إلى الدرج لا صاحب الأسفل.

ثم قال قدس سره: "ولو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواها سواء"[3] .

العرف السائد اليوم في العمارات أن كل شقة لها مخزنٌ خاصٌ بها، أما إذا كان الخلاف والتشاح حيث لا إتفاق وكان تحت الدرج خزانة، فقد يدعي صاحب اليد على المخزن (صاحب السفل) بأن الدرج الذي تحته المخزن أيضاً له، وقد يدعي صاحب العلو أنه صاحب المخزن لأنه صاحب اليد على الدرج.

ويعتبر المحقق حدوث تداعي بينهما، فلا يكون لهذا أو ذاك.

وتعليقنا على ذلك: أن مجرد وجود مخزن تحت الدرج لا يشكل قرينة للحكم، فقد يكون الدرج تابعاً للمخزن كما لو بناها صاحب السفل للوصول إلى السطح قبل تملّك صاحب العلو أو قبل بناءه، وقد يكون إحداث المخزن متأخراً، فلابد من الرجوع إلى العرف وما يعتبره ظاهراً.

وكذا لو كان هناك سلم متحرك واختلفا فيمن صنعه، فلا يمكن أن نحكم لأحدهما لإمكان استعمال كلهما.

أما فيما يرتبط بالصحن والممر قال المحقق قدس سره: "ولو تداعيا الصحن قضى منه بما يسلك فيه إلى العلو بينهما و ما خرج عنه لصاحب السفل"[4] .

نقول: هذا فيما لو كان صاحب العلو يستفيد من الصحن للوصول إلى داره فقط، أما إذا أراد وضع متاعه أو لعب أطفاله فيه أو ما أشبه، فيكون هو شريكاً في الباقي أيضاً.

ويبدو أن هذه المسائل كانت للواقع المعاش في عصرهم، ونحن نسير وفق عرف عصرنا.

النزاع بين اليدين على الشيء الواحد

ذكرنا سابقاً الإختلاف الحاصل بين راكب السيارة وبين مالك سندها القانوني، وقلنا حينئذ بأن العرف هو الذي يحدد من هو صاحب اليد، قال المحقق قدس سره: "‌إذا تنازع راكب الدابة و قابض لجامها قضى للراكب مع يمينه و قيل هما سواء في الدعوى و الأول أقوى"[5] .

وفي إطلاق الحكم نظرٌ لاختلاف الظروف، نعم؛ في الحالات الطبيعية الراكب هو الأكثر سيطرةً على الدابة فهو صاحب اليد، ولكن قد تكون هناك مناطق تؤجر فيها البغال – كالمناطق الجبلية – فيأخذ مالكها بلجامها، والعرف يرى أن من بيده اللجام هو المالك لا الراكب – لكونه مستأجراً عادةً-.

ومن هنا، نحن نحكم بما هو أقوى عند العرف، فاليوم يرى العرف الأوراق القانونية أقوى من مجرد الجلوس في السيارة أو سكنى البيت فتكون هي المتبعة.

القوانين الوضعية

وبهذه المناسبة نذكّر بما قلناه سابقاً بأن القوانين الوضعية الحاكمة في العالم اليوم لا تعنينا شيئاً، بل وقد لا تكون مقبولة عندنا، ولكن قد تشكل هذه القوانين عرفاً يمكن الإعتماد عليه، لكونها تعكس عرف الناس، ومثلها مثل الأحكام العشائرية التي قد تظهر العرف السائد في العشيرة.

ومن هنا لابد من إحترام قوانين الآخرين وأعرافهم إذا أرد الإنسان العيش معهم وتعهد بالإلتزام بها قبل الإختلاط معهم.

 

التنازع في الثوب

أما لو حدث النزاع في ثوبٍ بينهما، فقد قال المحقق قدس سره: "أما لو تنازعا ثوبا و في يد أحدهما أكثره فهما سواء و كذا لو تنازعا عبدا و لأحدهما عليه ثياب"[6] .

وذلك لأن الظاهر يقضي بكون اليد على الشيء يد شرعية لا غاصبة أو مستعيرة، ولا فرق في هذا الظهور بين الأكثر والأقل، ففي مسألة اليد لا إعتبار لمقدار الهيمنة – كما مرّ-.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.
[2] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.
[3] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.
[4] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.
[5] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.
[6] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص104.