الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالة المطلقة والمقيدة/الحوالات المستحدثة 5/ كتاب الحوالة

 

الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة

قسم الفقهاء الحوالة إلى نوعين هما الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة، والمطلقة منها تعني إحالة الإنسان غيره إلى ثالث دون أن يحدد للمحال عليه إحالته على أي مالٍ بذمته، والحوالة المقيدة تعني أن يقيد المحيل ما بذمة المحال عليه له ويعينه لتتحول ذمة المحال عليه في هذا المال المعين إلى المحال.

ولا فرق بينهما ظاهراً، إلا في أنه ليس للمحال في الحوالة المطلقة أن يفسخ إذا أدعى المحال عليه برائة ذمته تجاه المحيل، بينما لو تبين عدم اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل في الحوالة المقيدة كان للمحال أن يفسخ العقد، كما لو أحاله على حسابٍ فبان خلوّه من المال، فبناءاً على ذلك بإعتبار تقييد الحوالة بحساب معين تكون الحوالة باطلة.

وهذا واضح بأعتبار مع حذف القيد يحذف المقيد، ولكن الحديث في الحوالة المطلقة وجواز الفسخ، فقال بعضٌ بأن الحوالة بالرغم من أنها مطلقة عند المحيل ولكن المحال قبل بالحوالة بإعتبار أشتغال ذمة المحال عليه عادةً، وبتعبير آخر: الحوالة العادية في العالم بين الناس هي الحوالة بين المحيل المطلوب من قبل المحال والطالب للمحال عليه، وهذا هو الفرد الأكمل والأتم للحوالة، وإطلاق لفظ الحوالة ينصرف إلى هذا النوع من الحوالة، أي الحوالة التي يكون المحال عليه فيها مديوناً للمحيل وعليه أن يؤدي دينه، فإذا بان غير مديون، فالحوالة تصبح متزلزلة ويحق للمحال فسخ الحوالة.

 

الشروط الضمنية في العقود

وهنا يفتح باب البحث عن الشروط الضمنية في الحوالة، والشروط الضمنية مشروعةٌ في كل العقود ومعناها: إعتماد المتعاقدين على ماهو ثابتٌ عند العرف، فلا يشترطون الشروط بالألفاظ ولكن معاملتهم قائمة على أساس العرف السائد، فإذا تخلف كان لأحدهما خيار الفسخ، كما لو قال البائع بعتك بألف والعرف يرى أن الالف دينار، فأراد المشتري أن يدفع الف دولار، فللبائع أن يفسخ.

نحن نعتقد أن الشرط الضمني لا يقل قوة وشرعية من الشرط اللفظي، بل الشرط الضمني أقوى دلالة من الشرط اللفظي بإعتبار كون الثاني غير ثابتٍ إلا بالإشتراط، بينما يعدّ الأول من المسلمات عند العرف، فلابد إذاً من إعتبارها.

والحوالة هي الاخرى إذا كانت حوالة على المديون، فهي تكون مقيدة ولو لم يقيدها المحيل، لأن العرف يرى أن الحوالة لابد أن تكون على المديون، نعم في بعض الأحيان تكون هناك تجارة حاضرة يديرها الناس فيما بينهم – حسب التعبير القرآني - وفي هذه الحالة لا فرق عند هؤلاء أن تكون الحوالة على مديونٍ أو بريء، وبعبارة أخرى تكون الحوالة المطلقة شائعة عندهم.

ولكن إن كان الأصل عند العرف أن الحوالة تكون على من اشتغلت ذمته، وقام المحيل بالحوالة المطلقة، وتبين للمحال عدم اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل كان له فسخ الحوالة، لإعتماده على كون المحال عليه مشغول الذمة للمحيل.

 

حوالة الراهن

كما ذكرنا في البحث السابق في حوالة الراهن أن الراهن لو أحال المرتهن على شخص ثالث، وقبل المحال عليه الحوالة،كان له رد الرهينة إن كان المحال عليه موثقاً إلى درجة لا يحتاج المرتهن إلى رهينته فينسفخ العقد، لأن عقد الرهن جاء للاستيثاق وبوجود المحال عليه الثقة يحصل الاستيثاق.

 

الحوالة على الضامن

كما سبق وأن بينا في كتاب الضمان، لو كان الضامن عليه دينٌ للمضمون له، فهل يجوز أن يحيل المضمون له دائنه على الضامن؟

لا إشكال في الحوالة، ولكن لا يحق للضامن في هذه الحالة أن يطالب المضمون عنه إلا بعد الأداء، فمجرد قبول الحوالة لا يعني اشتغال ذمة المضمون عنه له، لأنا قلنا في باب الضمان أن الضامن إنما يطالب المضمون عنه بالمال بعد ما أدى للمضمون له، إلا إذا كان هناك شرطٌ بينهما بأن يدفع المضمون عنه للضامن قبل الأداء، وقد ذكرنا في محلّه ذهاب العلامة اليزدي قدس سره إلى جواز هكذا شروط في الضمان وبالتبع في الحوالة على الضامن، فعدم جواز الرجوع مبنيٌ على الإطلاق والجواز راجع إلى حالة الإشتراط.

وبإختلاف الإطلاق لإختلاف الأعراف، فالمرجع هو العرف الأقرب إلى المتعاقدين، كما لو كان هناك عرفان أحدهما يعم العراق والآخر يخصّ مدينة كربلاء، يعتمد الثاني، وكذا لو كانت ثمة أعراف بين العلماء والتجار و.. فيؤخذ بالأقرب منها إلى المتعاقدين.

فالعرف ليس إلا توافق الناس على شيء معين، فشرعيته ليست شرعية دينية، بل شرعية قائمة على أساس التوافق بإعتبار الميثاق والعهد المفروض على الإنسان الوفاء به، فالقرآن الكريم أمر بالوفاء بالعهد للمشركين بإتمام عدتهم[1] ، ویعیب القرآن الكريم على اولئك الذين لا يعرفون إلّا ولا ذمة[2] ، فالذمة أمرٌ هامٌ عند الدين الإسلامي الحنيف ويبين الإمام علي عليه السلام، في عهده لمالك الأشتر ضرورة الإلتزام بالعهد.

فالعهد إذاً أمرٌ جعله الله سبحانه بين البشر وربما نقول أمرٌ جعله بينه وبين البشر، والقرآن الكريم حين يحدثنا عن رفض السماوات والأرض والجبال تحمل الأمانة وقبول الإنسان لها يعني ذلك أن الإنسان هو الذي أقرّ على نفسه بالقبول، وكذلك في عالم الذر أقرّ على نفسه والأنبياء يقومون بإستئداء الميثاق السابق.

ومن هنا فإن الناس حين يتعاهد بعضهم مع بعض في العقود والأعراف وشروط الحياة المشتركة، فإن ذلك يعد مواثيق لابد من الإلتزام بها إن لم تكن مخالفة للنصوص والأحكام الشرعية.

وقد تختلف المواثيق والأعراف هذه تبعاً لاختلاف الحاجات والظروف، فتطور قوانين المرور من مرور المركبات إلى مرور المشاة دليلٌ على تطور الأعراف تبعاً لتطور الحاجات، وكلها – إن لم تكن مخالفة للشرع – لابد من الإلتزام بها، ومن أبى الالتزام كان عليه أن يخرج من إطار العرف والتعاملات العرفية.

وحقيقة قدرة الاسلام على التكيف مع الأزمنة والأمكنة المختلفة والامزجة المتنوعة دليلٌ على أن ثوابت الإسلام مفروضة وغيرها هي توصيات غير ملزمة، والله العالم.


[1] سورة التوبة، الآية 4.
[2] سورة التوبة، الآية 10.