الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالات المستحدثة 4 / كتاب الحوالة

 

لا زلنا في باب الحوالة ومن المسائل الملحقة بهذا الباب مسألة حبس المبيع أو الثمن.

حبس المبيع

الحبس في البيع كما في غيره من العقود أصلٌ معتمد، ومؤداه جواز حبس أحد الطرفين ما عليه أن يؤديه من ثمن أو بضاعة أو عين حتى يؤدي الآخر ما عليه، وذلك لعدم ثقته بالطرف الآخر، فهل يسري هذا الأصل في الحوالة أيضاً؟

بمعنى أنه إذا أحال أحد شخصاً إلى ثالث فهل يعد قابضاً وعليه فلا يجوز للمحال أن يحبس ما كان عليه، وإلا جاز له الإستمرار في الحبس؟

مثلا لو باع البائع وأحال شخصاً على المشتري بثمن المبيع فصار المشتري محالاً عليه، فهنا أصبحت الحوالة ذمة للمشتري لشخصٍ ثالث، فهل للمشتري (المحال عليه) أن يطالب بالمبيع، بإعتبار تمامية الحوالة وانتقال الذمة، وكذلك العكس لو كان المحيل هو المشتري.

بعض الفقهاء ومنهم العلامة [1] في التذكرة [2] ذهب إلى كفاية قبول المحال عليه للحوالة وأنزله منزلة القبض، وما دام الأمر كذلك فلا يجوز للبائع أن يمنع المشتري من المثمن أو المشتري بالثمن.

والحق أن في هذا الكلام نظر، لأن المال في الواقع لا زال بيد المشتري ولم يخرج من عنده، وما دامه لم يؤد المال إلى المحال فكيف ننزل مجرد الحوالة بمنزلة القبض؟

وما دام لم يعتبر اداءاً فيحق للبائع أن يحبس المبيع حتى يؤدي المشتري ما عليه للمحال، إلا في حالة إعتبار العرف مجرد الحوالة إيصالاً وأداءاً، مثل الحوالة عبر الكمبيالة أو الحوالة عبر الصك، فالحوالة بالصك يعدّه العرف أداءاً لأن المصرف مكلّف بتسديد مبلغه، وكذا لو كان المشتري قد أحال من يتمكن من قبض الثمن من المشتري – كالحكومة – فلعدم إحتمال تخلّف المشتري (المحال عليه) عن الأداء يعد ذلك أداءاً وإقباضاً بمجرد الحوالة و تحقق أركانها.

وذلك أن الحبس إنما جاء امتناناً لغاية وهي منع وقوع الخلاف، فيحبس أحد الطرفين ما عليه حتى يقبض ما له، لكيلا يخسر ماله بالتسليم قبل التسلّم، وهذه الحكمة موجودة في الحوالة فمجردها – في بعض الأحيان – لا يمنع من وجود حالة عدم الثقة بين الطرفين للإستلام والتسليم.

 

ترامي الحوالة

في تضاعيف حديثنا عن الحوالة تحدثنا عن ترامي الحوالات، وهنا سنشير إلى ذلك إشارةً.

ونعني بالترامي في الحوالة أن المحال عليه يقوم بإحالة المحال على محال عليه آخر وهو على آخر وهكذا.. وربما كان ذلك غريباً بعض الشيء سابقاً ولكن اليوم زالت الغرابة بظهور الصكوك والتعامل بها، فالمشتري يقوم بإعطاء الصك (أو الكمبيالة) والبائع يقوم بشراء بضاعة بنفس الصك أو الكمبيالة بعد التوقيع عليه وهكذا يمكن أن تتداول الكثير من الأيدي هذا الصك.

ولا إشكال في صحة الترامي في الحوالة أو ما يسمى بالتسلسل أيضاً، بل ذلك يعدّ تسهيلاً لمعاملات الناس.

 

الدور في الحوالة

كما في الضمان تحدثوا عن جواز الدور في الحوالة، وذلك بأن يحيل المحيل أحدا على ثالث والمحال عليه يحيله على المحيل الأول مجدداً، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بوسائط.

إن كان الدور في الحوالة أمراً عبثياً فلا يصح، وإن لم يكن كذلك بأن كانت الثقة معدومة لدى المحال ـ مثلاً ـ صحت، خصوصاً في الحوالات المؤجلة.

 

حوالة الراهن

إذا عقد أحدٌ الرهن بأعطاء السيارة في مقابل ألف دينار، ثم أحال الراهن على غيره قبل تسليم الرهينة، فهل تبطل الرهينة بإعتبار الحوالة على غيره، أم لا بأن يكون عقد الرهن في محله ويضاف عليه إحالة المديون دائنه على غيره؟

الظاهر أن الرهينة لا تبطل قبل قبول المحال عليه مطلقاً لإحتمال عدم قبوله، وبعد قبوله إن لم يكن المرتهن يثق بالمحال عليه، وإن كان يثق به تبطل الرهينة، لأن الهدف من الرهن أن يكون وثيقةً لإيجاد الثقة بعدم ذهاب ماله.

قال بعض الفقهاء ببطلان عقد الرهن بمجرد الحوالة، لأن الحوالة كالقبض، بينما حقيقة الأمر ليس كذلك، فنحن أمام دائنٍ يحتاج الرهينة ليستوثق على ماله، فلو لم تكن هناك ثقة لدى المحال (المرتهن) تجاه المحال عليه لم تبطل الرهينة، ولو كانت الثقة موجودة تبطل، كما لو أحاله المدين على عالم المدينة، ويقبل عالم المدينة الحوالة، فلا حاجة إلى الرهن.

وبكلمة نحن نرى أن الرهن شيء والحوالة شيء آخر ولكل من العقدين حكمه، فإذا كان المقرض واثقاً من المحال عليه قد لا يحتاج إلى رهينة وقد يحتاج مع عدم الثقة وهذا الأمر عائد إليه.

وماذا عن العقد، بإعتبار الإلتزام بالعقد الذي دل على إعطاء المدين سيارته كرهينة للدائن، والعقد لازمٌ فكيف بطل؟

بطل العقد بالإقالة بإعتبار المقرض (صاحب المال) أبطل الرهينة حين استوثق على ماله لإحالته على عالم المدينة – مثلاً-، فنحن لا ندعي بطلان الرهن بصورة طبيعية، بل تفسخ الرهينة أو يقال الراهن منها برضا المقرض.

وعموماً مسائل الحوالة هي مسائل مرتبطة بأحكام مختلف العقود، فالحوالة لو دخلت في بيع أو شراء أو مهر أو دينٍ أو أي عقد آخر فلكلٍ حكمه، وكأنه عقدان في عقدٍ واحد ولكل منهما حكمه ولا ننهي أحدهما، إلا إذا أنهت الحوالة موضوع الحكم الآخر، مثل مسألة حبس أحد المتبايعين ما عليه حتى يعطي الآخر إذا كانت الحوالة بمثابة القبض، حيث يعتبر ذلك انتفاءاً للموضوع.

ومن هنا؛ يجب في كل مسألة أن نفصل بين العقدين، لنعرف حكم كل واحدٍ منهما على حدة، ومن ثم ندمج بينهما لنعرف طبيعة العلاقة بينهما، والله العالم.

 


[1] الغريب أن العلامة بيّن الكثير من مسائل الحوالة التي لم نجد غيره قد تعرّض لها من الفقهاء.
[2] التذكرة الفقهاء، العلامة الحلی، ج14، ص493.، "لو أحال البائع غريماً له على المشتري حوالةً مقيّدةً بالثمن، لم يبق للبائع حقُّ الحبس". [المقرر]