الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإحالة على الضامن/ الحوالات المستحدثة/ كتاب الحوالة

 

ذكرنا بعضاً من الحوالات المستحدثة في البحث السابق وسنتحدث إن شاء الله عن بعضها الآخر في هذا البحث ومنها الحوالة إلى الضامن.

 

الحوالة على الضامن

بإعتبار أن الحوالة تكون على المديون عادةً وقد تكون على البريء – حسب رأي بعض الفقهاء – والمديون قد تنشغل ذمته أصالةً وقد تكون مشتغلة بطريقة أخرى والضامن من ذلك، فحين يضمن الضامن تشتغل ذمته للمضمون له وعليه أن يؤدي ما ضمنه له.

وبذلك يمكن أن يحيل المحيل (وهو المضمون له) على الضامن، كما لو كان لزيد مال في ذمة عمرو فضمنه بكر، فبإمكان زيد أن يحيل دائنه على بكر الذي اشتغلت ذمته له بدين عمرو.

ومن الطبيعي أن الضامن في مثل هذه الحالة يرجع إلى المضمون عنه بعد الأداء ولكن قد يكون الضمان تضامنياً – كما قد تكون الحوالة كذلك – بمعنى أن يكون المضمون له مخيّراً في مطالبة حقه من الضامن والمضمون عنه على نحو سواء، وهذا في قبال الضمان العادي التي تبرء ذمة المضمون عنه بالضمان.

وفي مثل الضمان التضامني، إذا أحال المحيل دائنه على الضامن، فهل للمحال أن يرجع على المضمون عنه أيضاً؟

قالوا لأ، لأن الحوالة عقدٌ بين المحيل والمحال والمحال عليه، وفيما نحن فيه لا دخل للمضمون عنه في العقد، وإن كان بإمكان المضمون له (المحيل في الفرض) أن يرجع عليه في الضمان، نعم؛ يمكن ذلك إذا كان مشروطاً في بداية العقد بأن يكون المحال مخيّراً في الرجوع على المحال عليه أو ضامنه تخييراً أو ترتبياً، أما إن لم يشترطا ذلك أو لم يبيناه في العقد لم يكن للمحال أن يرجع على من لم يدخل في إطار العقد.

وبهذه الصورة يتداخل عقدا الضمان والحوالة في إطار واحد، فالضامن يكون ضامناً في عقد ومحال عليه في عقد آخر، والمضمون له يكون محيلاً.

 

الحوالة والفضولي

وهناك أيضاً تداخل بين الحوالة وباب الفضولي، أو بينها وبين باب الإكراه، وقبلئذ لابد من السؤال عن عقد الفضولي أو المكره هل هو باطلٌ من رأسه أم هو عقدٌ ولكن غير نافذ فإن لحقه الرضا أصبح نافذاً؟

فهنا مصطلحان، البطلان والنفاذ (المتوقف)، قال بعضٌ ببطلان عقد المكره وإن لحقه الرضا وكذلك الحال في العقد الفضولي، ولكن المشهور أن العلاقة بين العقد وبين الرضا كالعلاقة بين الصلاة والنية، فالصلاة شيء والنية شيء آخر لإمكان وجود إحداهما دون الأخرى، نعم الصلاة بلا نية لا تصح، كذلك العقد شيء والرضا شيء آخر، فقد يكون صحيحاً من كل الجهات سوى الرضا، فيكون غير نافذ فإذا لحقه الرضا نفذ.

وهناك بحوثٌ في العقد الفضولي قد بينت في بابه، وأغلب الفقهاء على إمكان تصحيح عقد الفضولي إذا لحقه رضا المالك وإجازته وكذلك عقد المكره، وفي المكره روايات كثيرة بالنسبة إلى صحة عقده إن لحقه الرضا، ولعلنا نستفيد هذه البصيرة من قوله سبحانه: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌﴾[1] ، فالتجارة شيء والتراض شيءٌ آخر، والأول يثبت القواعد والثاني يجعلها نافذة، وبعبارة أخرى التجارة هي الصورة والرضا هو حقيقة العقد.

إذاً تجوز حوالة المكره إن لحقه الرضا، ولا يجب أن يكون الرضا من حين العقد، وكذلك تجوز حوالة الفضولي إن لحقها رضا المدين، خصوصاً على القول بكاشفية الإجازة، وتظهر الثمرة فيما لو حدثت بعض الفجوات كما لو أحال الفضولي فمات المدين و رضي ورثته صحت الحوالة، وهكذا لو أفلس.

ولا بأس هنا ببيان أن الفضولي ليس على نوعٍ واحد، فتارة يكون عقد الفضولي تفضلاً – كما هو الغالب وهو المستفاد من كلمة الفضولي – كما لو باع بيت المالك عنه لإيصال المنفعة له، وقد يكون الفضول متطفل لا يريد إيصال المنفعة للمالك.

ونحن نعتمد في إمضاء عقد الفضولي بعد الإجازة – مضافاً إلى الروايات الخاصة – على قوله سبحانه: ﴿ما عَلَى الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيل‌﴾[2] .

 

الحوالة من البريء

المعروف عندنا أن الحوالة تكون من شخصٍ مديون يحيل دينه إلى مديونٍ له بمثل ثمن الدين، ولكن أن يحيل البريء شخصاً على آخر، كما لو طلب صاحب حاجةٍ مالاً من شخص فأحاله على آخر ليأخذ منه، فهل تصح الحوالة؟

بلى؛ تصح الحوالة من البريء كما مرّ، ولكن قال بعضٌ بأن هذا ليس سوى وكالةً في الإستيفاء من المحال عليه، وكأنه بإحالته على الآخر أوكله في الاستيفاء.

وإذا قلنا بأنها وكالة في الاستيفاء لابد من إضافة قيد وهو التملك بعد الاستيفاء، أي يوكله في أن يستوفي الدين عن موكله ثم يملك نفسه المال.

والحق أنه لا حاجة إلى هذا التكلف، بل يكفي في الصحة مجرد الأمر بالأخذ من المحال عليه، بل الأقرب أنها حوالة، إذ ليس لدينا دليلٌ على أن الحوالة لا تكون إلا من مشتغل الذمة، ولو تنزلنا لقلنا أنها معاملة عرفية قائمة لم ينه عنها الشارع المقدس.

 

حوالة المتبرع

المتبرع هو من يتبرع بالحوالة دون أن يكون من أطرافها، كما لو أحال مديون دائنه على محال عليه، ولم يكن للمحال عليه مالٌ فتبرع شخصٌ بأن يكون هو المحال عليه في الدين، فهل يصح ذلك؟

نقول: إن لم يكن هناك ضررٌ يلحق أحد الأطراف جاز، وهو كالتبرع في الوفاء بدين المديون ولا إشكال في التبرع، ولكن ذكرنا في باب الدين أن استيفاء الدين والوفاء به يجب أن يخضع للرضا أيضاً أو العرف الشائع، وإلا قد يتسبب بالضرر أو الحرج لأحد الأطراف (المديون أو الدائن) كما لو كان المتبرع بالوفاء وضيعاً والمديون أو الدائن شريف، أو يؤدي التبرع إلى لحوق الضرر بالمستوفي كما لو كان المال في مكانٍ بعيد.

فالوفاء يعود – كما مرّ – إلى العرف أو إلى إختيار المديون نفسه ولا يلزمه شيء خارجي، وكذلك الحال بالنسبة للمستوفي، فله أن يرفض وفاء المديون أو المتبرع إن كان فيه ضرراً أو حرجاً عليه، والله العالم.

 


[1] النساء/السورة4، الآية29.
[2] التوبة/السورة9، الآية91.