الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل 5-8 /كتاب الحوالة

 

الوفاء بالدين

الدين عقدٌ بين الدائن والمدين، والوفاء بالدين من توابع العقد بالرغم من كونه إيقاعاً وليس عقداً، فبالتالي بعدما يقترض الشخص سيكون مطالباً بالوفاء بما يرتبط بالدين، ومن هنا؛ فإن الوفاء – كما أصل الدين – يجب أن يخضع للأعراف[1] بإعتبارها المرجع في المعاملات وإعتماد المتعاقدان عليه، وكأن العرف بمثابة الشرط الضمني للمعاملة، فمن باع أو اشترى ولم يحدد ميزاناً معيناً أو طريقةً للتسليم أو نقدا محدداً، فمعنى ذلك أنه يعتمد على العرف في كل ذلك.

والدَيْن كذلك، يعتمد فيه المتعاقدان – حال الإطلاق- على العرف سواء في نفس الدين أو توابعه – الوفاء به -، فبعد ثبوت الدين يرجع المدين في طريقة الوفاء إلى العرف، هل يكون نقداً أم بالصك، هل يعطي بعد المطالبة أم قبلها بمجرد حلول الأجل، هل يذهب إلى الدائن أم يأتيه الدائن و..

هذا إن لم يتفقا على تفاصيل معينة معتمدين على العرف، وهكذا هي سيرة العقلاء في إلاعتماد في ما يجري بينهم على العرف لتعسر إتفاقهم على التفاصيل في كل عقد، فإرجاعنا إلى العرف إنما هو بسبب أن قصد المتعاملين كان الإعتماد عليه.

وعن الدين؛ كيف يكون الدفع بعد الإستدانة؟

يعتمد ذلك على طبيعة العرف، فمثلاً لو قال العرف بأن الوفاء يعني الأداء المباشر – دون الإحالة – فنلتزم بها، أما العرف ذاته – كما هو حال الأعراف اليوم – إن ارتأى أن يعتبر الدفع عبر بطاقات الإئتمان أو عبر الصكوك وفاءاً للدين، كان ذلك صحيحاً، وليس للدائن أن يرفض أخذ الصك مثلاً – إن لم يشترط ذلك -.

والحوالة هي الأخرى قد تكون حالة طبيعية للوفاء بالدين لدى عرفٍ من الإعراف مثل الإحالة على المصرف حيث لا يمكن للدائن أن يرفض ذلك.

ومن هنا؛ فإذا حدث خلافٌ في صحة حوالة أو عدم صحتها فالإختلافات تحل بالبحث عن قصد المتعاقدين منذ البدء، فإن عرفنا قصدهما أخذنا به وإلا أحلنا الأمر إلى العرف لكون الإلتزام به على نحو التباني، وهذا البحث يشمل كتاب الضمان أيضاً.

قال السيد اليزدي قدس سره: "الأقوى جواز الحوالة على البري‌ء‌ ولا يكون داخلا في الضمان‌"[2] ، فكما مر تجوز الحوالة على البريء، وهو من لم تشتغل ذمته للمحيل بدينٍ، كما لو أحال الولد الدائن إلى والده أو الوالد أحال الدين إلى ولده وهو يعلم بإعطاءه للدين.

فهل يجوز للمحال في هذه الحالة أن يرفض الحوالة؟

ذلك راجع إلى العرف، فإن كان العرف يرى جواز ذلك كان له الرفض، أما إذا اعتبر العرف تلك الحوالة صحيحة وتامة فليس للمحال الرفض إلا إذا كان هناك سبب عقلائي يمنعه من الرجوع على المحال عليه، كما لو كان بعيداً او مماطلاً او..

قال البعض بعدم الجواز في الحوالة على البريء، لأن المعروف كونها على من اشتغلت ذمته للمحيل، وفيه أن هذا نوعٌ من الحوالة كما أن الحوالة على غير البريء نوع منها.

وإن تنزلنا وقلنا بأن الحوالة العرفية ليست إلا على من كان مديوناً للمحيل، قلنا بجواز هذه المعاملة وإن لم نسمها حوالةً، لأنها معاملة عرفية أسميناها حوالة أو لم نسمها، كما لو قال الولد للدائن: خذ دينك من والدي.

ومن هنا يرى السيد قدس سره أن الحوالة على البريء ليست من باب الضمان رداً على من اعتبره كذلك، ولابد لنا أن نفرق بين الحوالة والضمان، في أن الضمان يبدأ من الضامن وبه تكون بدأ حركة العقد، أما الحوالة فتبدأ من المحيل.

نعم؛ في الحوالة على البريء يشترط رضا المحال عليه لصحة المعاملة.

 

جواز إشتراط الخيار

قال السيد اليزدي قدس سره: "يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة‌"[3] .

أي المحيل والمحال والمحال عليه، حتى بالقول بلزوم عقد الحوالة، فإن وجود شرطٍ كهذا يحوّل العقد اللازم إلى متزلزل.

وبينّا سابقاً أن الحوالة ليست قسماً واحداً، فمنها ما هو لازم ومنها ما هو جائز.. منها ما يكون تحويل ذمة إلى ذمة ومنها ما يكون إنضمام ذمة إلى أخرى، فلابد أن تدرس الأقسام كلها ونعم بالحوالة بحسب ما إتفقا عليه، وهذا يكون ضمن الأعراف الموجودة عندهم عادةً.

 

الدور والترامي في الحوالة

الدور يعني أن يعيد المحال عليه، المحال على المحيل الأول، فيكون هو محيلاً والمحيل محال عليه، أما الترامي فيكون بإحالة المحال عليه المحال على شخصٍ آخر، قال السيد قدس سره: "يجوز الدور في الحوالة‌ و كذا يجوز الترامي بتعدد المحال عليه و اتحاد المحتال أو بتعدد المحتال و اتحاد المحال عليه‌"[4] .

فالدور يجوز في الحوالة، إن فرض له فائدة عقلائية، كما لو أعسر المحال عليه بعد الحوالة فيحيل المحال على الأول مرةً أخرى، وإن كان ذلك قليل الحدوث، أما إذا كان عبثياً فيبطل.

أما الترامي – وهو الأكثر حدوثاً – كما لو أحال المحيل دائنه على مصرفٍ ثم يحيله المصرف على ثانٍ وثالث وهكذا..

هذا كله فيما إذا رضي المحال، وبعدم رضاه يرجع على المحيل الأول.

وكما يجوز تعدد المحيل والمحال عليه، يجوز أن يتعدد المحال، وذلك في مثل ما لو أحال المحال شخصاً آخر على المحال عليه.

 

التبرع في الحوالة

قال السيد اليزدي قدس سره: "لو تبرع اجنبي عن المحال عليه برئت ذمته"[5] .

كما لو أحال زيدٌ دائنه على عمرو وتبرع شخصٌ عن عمرو في الوفاء، فهل يجوز ذلك؟ بلى يجوز في الجملة، فيجوز ذلك بشرط أن لا يكون هناك ضرر معنوي أو مادي على المحال.

فإن كان هناك ضررٌ على الدائن (المحال) سواء مادي أو معنوي، فينفى بلا ضرر.

 

الجمع بين الحوالة والضمان

يجوز أن يجتمع الضمان مع الحوالة، وذلك بأن يقوم شخصٌ بضمان المحال عليه للمحال، فيكون المحال مضمون له والمحال عليه مضمون عنه، قال السيد قدس سره: "لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال وكذا لو تبرع المحيل عنه"[6] . وكذلك يجوز إن كان المتبرع عن المحال عليه هو المحيل.

 

الخلاف في اشتغال ذمة المحال عليه

قال السيد قدس سره: "لو أحال فقبل و أدى ثمَّ طالب المحيل بما أداه فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه"[7] .

قلنا فيما سبق أن الحوالة قد تكون على البريء وهي جائزة، وبعد أن قبل المحال عليه وأوفى للمحال، طالبه بما بذل فأدعى المحيل أنه كان مشتغل الذمة له بدين، ففي هذه الحالة القول قول المحال عليه مع يمينه لأن الأصل هو عدم الدين، أي الأصل عدم طلب المحيل للمحال عليه.

لكن هناك كلمة:

إن قلنا ان الحوالة لا تكون على البريء أو كان هناك عرف يرى أن الحوالة لا تكون إلا على المديون – وهذا ما نجده عند البنوك اليوم حيث لا يصدر البنك صكاً إلا لمن كان لديه رصيد عندهم – فالقول قول المحيل، لأن العرف يرى أن البنك في مثالنا (وهو المحال عليه) لا يقبل الحوالة ممن لم تشتغل ذمته له بالرصيد.

والظاهر في هذه المسألة يغلب الأصل، وقد سبق وأن بينا أن الفقهاء في باب القضاء قدموا الظاهر في بعض الأحيان – مثل أصل الصحة – على الأصل.

ولكن قالوا في بعض المسائل – كما قال السيد فيما نحن فيه – أن الظاهر لا يغلب الأصل، بينما غلّب بعض الفقهاء الظاهر هنا، كما يرى العرف أن لا حوالة إلا على البريء، أما إذا لم يكن العرف يرى ذلك فالأصل هو المقدم، فنحن نقول بالتفصيل بين ما لو كان الظاهر قوياً بحيث يعتد به عرفاً – كما في مثال من تزوج واختلى – فيقدم على الأصل، وبين ما لو كان الظاهر ضعيفاً فلا يقدم، ومن هنا نجد أن الفقهاء قدموا الظاهر تارةً والأصل أخرى، والله العالم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] . في حالة الإطلاق. [المقرر].
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص458.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص458.
[4] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، 459.
[5] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، 459.
[6] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، 459.
[7] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، 459.