آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

38/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط في الضمان / كتاب الضمان / الدرس التاسع

 

"يجوز اشتراط الخيار في الضمان‌ للضامن و المضمون له لعموم أدلة الشروط "[1]

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد المصطفى وعلى أهل بيته الهداة الميامين.

في كتاب الضمان – كما في سائر أبواب العقود – بحوثٌ متشابهة لوحدة أصول العقود جميعاً إلا ما استثني، ولكن يتم إيرادها وبحثها في كل باب لإختلاف ظروفها أو إختلاف تحققاتها في كل عقد من العقود.

 

الشرط في الضمان

ومن جملة تلكم البحوث هو الحديث عن الشرط في الضمان، وبعبارة أوضح هل يجوز اشتراط الشروط في عقد الضمان أم لا؟ وهل سيؤدي تخلّف الشرط إلى بطلان الضمان أم إلى الخيار؟

وقبل توضيح المسألة والحديث عنها، لابد من العودة إلى ما سبق وأن بينّاه بأن العقود تتبع القصود، وبالرغم من أن الشرع – كما القانون الوضعي لكل بلد- له رأي واضح في بعض العقود جعلاً واشتراطاً وفسخاً، لعدم كون العلاقة في العقد هي بين المتعاقدين فحسب بل لما لها من تأثير في المجتمع عموماً، بالرغم من ذلك، إلا أن جوهر العقد يبقى بالتالي هو التراضي لقوله سبحانه: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض‌﴾[2] ومعنى ذلك وقوع رضا الطرفين على محل واحد.

إلا أن هنا حديث عما نسميه "هندسة الإرادة" وقد لا يكون التعبير دقيقاً إلا أنا نورده من جهة التوضيح، فما تعني هندسة الإرادة؟

إرادة الإنسان ليست مطلقة وفضفاضة، فنيته أو مشيئته وقصده أو ما أشبه يحددها الإنسان في كل عقد من عقوده، فلو أراد شراء دارٍ فإنه سيقصد شراء دارٍ في منطقة محددة وبسعر معيّن وفي بلدٍ محدد وبمواصفات مقصودة.

فهذه الهندسة في النية هي التي تترجم على الأرض بطبيعة الفعل الذي يقوم به الإنسان، وبعبارة أخرى ما يقوم به الإنسان من أفعال إنما هو ترجمة لتلك النية القلبية والمشيئة الداخلية، وفي النبوي الشريف: ﴿إِنَّمَا الْأَعْمَالُ‌ بِالنِّيَّاتِ وَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى[3] .

وكلما تعمقنا في النية وفي أصولها وحدودها وشرائطها عرفنا العقد وحدوده بصورة أدق، وقد ذكرنا في البحث السابق أن الخيارات تتصل في نهاية المطاف بنقص أو عيب النية أو بالشرط الضمني في الإرادة، فالمشتري يشتري البضاعة على أن لا تكون معيباً وإن كانت كذلك كان له الخيار، وكذا خيار الشرط وسائر الخيارات باستثناء بعض الخيارات التي أضافها الشرع كخياري المجلس والحيوان.

إذاً؛ فأساس العقد هو النية والأساس في الخيارات هو نقص النية ومحاولة إتمامها عبرها، ومادام الأمر كذلك لم لا يجوز الإشتراط في عقد الضمان؟

فلابد من القول بجواز الإشتراط في الضمان و"المؤمنون عند شروطهم"[4] كما في النبوي المشهور، والقدر المتيقن من النبوي هو أن العقد يصاغ ويبنى بحسب ما اشترط فيه، أما مع القول بأن الحديث يشمل حتى الشروط الإبتدائية فالأمر أسهل.

وبذلك يتبين جواز الشرط في العقد، وقد يكون الشرط – كما قلنا – لفظياً أو ضمنياً أو بنائياً، ولكن ينبغي أن يستثنى من جواز الإشتراط أي شرطٍ أدّى إلى الربا، للنهي عن العقود الربوية، ومثاله ما لو قبل المضمون له بالضمان شريطة أن يحصل على منفعة خارج إطار الدين المضمون، سواء كانت الإضافة عينية كمبلغ أو حكمية كعمل، وهذا لا يجوز، لأن كل دين جرّ منفعةً تحول إلى ربا وهذا العقد سيجر منفعةً للمضمون له مضافاً لدينه.

وفي الحديث الشريف (ان الله لم يحرم الربا لإسمه وإنما حرمه لما فيه من فساد المال) ، فالتسمية ليست مهمة سواء قلنا ربا أو فائدة أو بدل عمل أو.. لا تؤثر في رفع حرمة الربا لأن الجوهر يبقى ربا.

وفعلاً نجد صدق الحديث، فما نراه يجري في العالم من مفاسد اقتصادية من التضخم والتلاعب في أموال الناس وسقوط العملات و.. كل ذلك يعود السبب الأساس فيها إلى الربا والتعاملات الربوية.

يقول صاحب العروة قدس سره في هذا الإطار: "يجوز اشتراط الخيار في الضمان‌ للضامن والمضمون له لعموم أدلة الشروط"[5] ومنها النبوي المذكور "المؤمنون عند شروطهم".

ومثاله ما لو ضمن عامر لعليٍ مالاً على عبد الله، واشترط المضون له (علي) أن يتم تسديد الدين بعملة أخرى أو في بلد معين فيجوز ذلك، وكذا لو اشترط الضامن (عامر) أن يحضر المضمون له لإستلام الدين أو.. وهذا يجوز أيضاً.

ويبقى الكلام في الشرط المؤدي إلى جرّ منفعة – كما بينّا -، قال صاحب العروة: "والظاهر جواز اشتراط شي‌ء لكل منهما كما إذا قال الضامن أنا ضامن بشرط أن تخيط لي ثوبا أو قال المضمون له أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا"[6] .

واستشكل بعض المعلقّين على الجواز، وأولهم السيد جمال الدين الكلبايكاني[7] ـ وهو الذي علق على العروة في زمن السيد اليزدي رحمهما الله ـ استشكل في العقد الذي يجرّ فائدةً دون مقابل فتكون معاملة ربوية.

قال العلامة في التذكرة: "لو ضمن رجل عن غيره ألفاً و شرط المضمون له أن يدفع إليه الضامن أو المضمون عنه كلّ شهر درهماً لا يحسبه من مال الضمان، بطل الشرط إجماعاً"[8] ، فالإجماع على حرمة الربا، وقد اعتبر العلامة رضوان الله عليه هذا الشرط ربوياً.

 

تخلف الشرط في العقد

وفي حال تخلّف الشرط، هل سيكون للمقابل الخيار أم يبطل العقد من رأس؟

وهنا نكرر ما ذكرناه مراراً، أن الشروط على نوعين، فشرطٌ يبنى عليه العقد ولولاه لما قامت للعقد قائمة، وبتخلفه يبطل العقد كإشتراط البكارة في الزواج فلو بانت ثيّباً بطل العقد، فهذا شرط يعد ركناً في العقد، وكذا لو اشترط المشتري أن يكون الكتاب مخطوطاً – لبحثه عن المخطوطات مثلاً - بحيث لولا ذلك لما أقدم على شراء الكتاب، ففي حال تخلف الشرط يبطل البيع.

والنوع الثاني من الشروط، هي الشروط التي لا تعتبر أساسا في العقد، كأن يشتري الكتاب مشترطاً طباعته في القاهرة فبان أنه من طباعة بيروت فلا يبطل العقد لتخلف الشرط لأن المشتري لا يريد من شرطه مقوّماً للعقد.

 

الدين الحال والضمان المؤجل والعكس

ومن الشروط ما لو شرط الضامن أو المضمون له التعجيل أو التأجيل، فقد يكون الدين حالّاً وقد يكون مؤجلاً، وكذلك يمكن أن يكون الضمان حالاً ومؤجلاً، فلو كان الدين حالاً جاز ضمانه بأجل، كما يجوز ضمان دينٍ مؤجل حالاً.

ولكن لو ضمن ديناً مؤجلاً بضمان حال، ثم فسخ العقد – لأي سبب- هل سيكون الدين معجلاً – كالضمان – أم يعود إلى أجله السابق؟

الظاهر بقاء الدين على ما كان عليه قبل الضمان، لأن الضمان لا يغير جوهر الدين، فهو أمرٌ خارجٌ عنه ومضافٌ عليه، ومثله ما لو مات الضامن وحلّت ديونه بموته، فهل الدين الأصلي (المضمون) يصير معجّلاً؟ كلا يبقى الدين على أجله.

فالضمان لا يقدم ولا يؤخر أصل الدين، قال المحقق اليزدي قدس سره: "يجوز ضمان الدين الحال حالا ومؤجلا وكذا ضمان المؤجل حالا و مؤجلا بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص والقول بعدم صحة الضمان إلا مؤجلا وأنه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف كالقول بعدم صحة ضمان الدين المؤجل حالا أو بأنقص ودعوى أنه من ضمان ما لم يجب كما ترى‌"[9] .

فلا دليل يدل على إشتراط كون الضمان مؤجلاً، فقد يكون معجلاً لمصلحةٍ ما وإن كان أصل الضمان للإرفاق[10] وقد الحق البعض هذا النوع من الضمان بضمان ما لم يجب.

 

ضمان ما لم يجب

تطرقنا في بداية باب الضمان إلى الحديث عن ضمان ما لم يجب في سياق الحديث عن قوله سبحانه: ﴿وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعيم‌[11] ، واعتبار ذلك ضمانٌ دون وجود ذمة مشتغلة بدين، كما لو قال القائل: "من بنى على هذا النهر قنطرة فأنا أضمن له ما خسره".

وقد بحثنا هناك أن الأصل هو صحة مثل هذا النوع من الضمان، لأنه عقد التزامٍ بين إنسان وآخر، وهو يشبه الجعالة، وقد تعارف بين الناس مثل هذا النوع من الضمان، خصوصاً ما نراه من الضمانات التي تصدرها البنوك والمصارف.

وبالرغم من ذلك، فما نحن فيه ضمان لعقد لازمٍ قد تم، غاية الأمر المراد هو تأجيل أو تقديم زمانه، فهناك شيء وجب ولزم، فليس تأجيل الضمان أو تعجيله من ضمان ما لم يجب، فتأمل.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص408، ط المحشی.
[2] النساء/السورة4، الآية29.
[3] تهذيب الأحكام، الشیخ الطائفة، ج4، ص186.
[4] تهذيب الأحكام، الشیخ الطائفة، ج7، ص371.
[5] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص408، ط المحشى.
[6] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص408، ط المحشى.
[7] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص414، ط المحشى.
[8] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلی، ج14، ص290.
[9] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص408، ط المحشی.
[10] قد يقال بأن الإرفاق يخالف التعجيل، إلا انك خبير بأن الإرفاق في الضمان هو للمضمون عليه لا الضامن فلا تعارض بين تعجيل الدين على الضامن و الإرفاق على المضمون عليه فتدبر [المقرر].
[11] يوسف/السورة12، الآية72.