آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط التاسع خلو ذمة الضامن / شروط الضمان/كتاب الضمان

 

" التاسع أن لا يكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون عنه‌ بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعم حيث قالوا إنه بمعنى التعهد بمال أو نفس فالثاني الكفالة و الأول إن كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة و إن لم يكن فضمان بالمعنى الأخص.."[1] [2]

 

الشرط التاسع: خلو ذمة الضامن للمضمون عنه

وقعت جملة من الشروط موقع خلاف بين الفقهاء ومنها شرط خلو ذمة الضامن للمضمون عنه حيث اشترط المشهور ذلك خلافاً لجمع من الأعلام، وتنقيح المناط يقتضي بيان مقدمة.

 

الفرق بين الضمان والحوالة

تختلف الحوالة عن الضمان في جهات عدة، أهمها أن الضمان يقع من قبل ضامنٍ ليست في ذمته تجاه المضمون عنه شيء، بأن يكون متبرعاً أو بإذن المضمون له لتفريغ ذمة المضمون عنه، بينما الحوالة تعني تحويل ما في ذمة المحيل إلى المحيل إليه لاشتغاله سابقاً بدينٍ للمحيل سواء كانت ذمته بدين مساوي لمبلغ الحوالة أو أقل أو أكثر، فلو كان في ذمة زيد مالٌ لعمر فأحالها على بكر الذي اشتغلت ذمته بمالٍ لزيد، لم يكن ذلك ضماناً بل حوالة.

وبناءً على هذا التفريق هل يطلق على ضمان ضامنٍ اشتغلت ذمته للمضمون عنه ضماناً أم أنه نوعُ حوالة؟

مثال: لو اشترى أحدٌ بضاعةً ولم يدفع الثمن واشتغلت ذمته بهذا الثمن فجاء آخر وضمنه وكان هذا الآخر في ذمته للأول دين فهل يقع الضمان صحيحاً أم لا؟

قال الفقهاء أن هذا ليس من الضمان بل هو حوالة، وقد خالف السيد اليزدي رحمه الله في ذلك حيث قال أن كل من العنوانين صادق في هذه المعاملة فيمكن إطلاق الضمان عليها ويمكن إطلاق الحوالة، وما ذكره ليس بعزيزٍ في الواقع.

التحديد بين العرف والخبراء

من أجل توضيح الفكرة لابد من بيان نقطة هامة والتي ذكرناها في أكثر من موضع في أحاديثنا والتي نرجو أن تكون قاعدة للرجوع إليها، وهي عن حدود تدخل الفقهاء في الأمور العرفية، فإلى أي حد يقوم الفقيه بالتدخل في تعيين الموضوعات – الموكلة إلى العرف - وتحديدها؟

فلو قال الشارع المقدس مثلاً ﴿أوفوا بالعقود[3] ، وقال الناس بعقدية معاملةٍ ما وتعارفوا عليها وبالتالي شملها الأمر بالوفاء، هل على الفقهاء أن يدققوا في المسألة لتعيين نوعية هذا العقد وتمييزه عن العقود الأخرى أم أن الفقيه يوكل الأمر إلى العرف مادامه لا يملك نصاً شرعياً بحرمة العقد سواء فيما يرتبط بمتعلق العقد وهو موضوعه مثل بيع المخدرات و.. أو فيما يرتبط بنفس طريقة التعامل كأن يكون العقد غرري أو ربوي، فيكون في العقد إشكال شرعي فينفى، فلو لم يكن العقد منهياً لا في أصله ولا في متعلقه، فهل يتدخل الفقيه في تسمية العقود وتمييزها وتحديد حدودها أم لا؟

الجواب: نعم؛ يتدخل الفقيه في حالة، ولا يتدخل في حالة، إذ لابد من التفصيل بين ما لو أحال العرف أمر التحديد إلى الفقيه بإعتباره خبيراً من الخبراء، كأن يقول العرف أنه لا يعرف ماهية الضمان وشروطه وتفاصيله ويحيل أمر تبيينها للفقهاء، ففي هذه الحالة يتدخل الفقيه ويبين ذلك ليكون مرجعاً في حالات النزاع والتخاصم، كما يعتمد العرف على الخبراء في مسائلهم المختلفة على القضاة والخبراء في الفقه الدستوري والفقه القانوني وما أشبه، أما لو أراد العرف أن يستقل في ذلك ويتفقوا فيما بينهم في تعاملاتهم فليس للفقيه حملهم على نوعٍ معين ما داموا لم يخالفوا الشرع، فللعرف أن يتعامل فيما بينها بالصلح والهبة المعوضة و..

وهذه المسألة ترتبط بكل مسائل العقود، إذ ان هناك فرق بين كلام الشرع باعتباره حكم الهي لا شبهة فيه وبين كلام الفقيه باعتباره الفقيه بالموضوعات وتحديدها، فيبينها الفقيه لا لكونها من الحدود الشرعية بل باعتبارها حدود للموضوعات درءاً للنزاع المحتمل، فيتدخل كخبير في الشريعة وفي المعاملات، مثل تحديد الدار في عقد البيع هل تدخل الأشجار ضمنه وهل الحريم يعد من الدار وكذا عن المفاتيح والطاحونة و..

أما إذا أراد العرف أن يعتمد على نفسه فله ذلك، والعرف يختلف من مكان إلى آخر، فيكون العقد في كل مكان بحسب عرفهم، فاستئجار البيت في العراق يستدعي تسليم البيت خالياً من الأثاث عرفاً، بينما في دول أخرى تعارفوا على تسليم البيت بأثاثه للمستأجر، ولو تدخل الفقيه في مثل هذه الحالات وذكر رأياً إنما يذكر ذلك للرجوع إليه عند النزاع ولا يكون قوله بمثابة الحد الشرعي.

 

السيد اليزدي واشتراط خلو ذمة الضامن

ذكر السيد اليزدي قدس سره الشرط التاسع وهو شرط عدم اشتغال ذمة الضامن للمضمون عنه حال الضمان وإلا لكان ذلك حوالة فيكون الضمان في قبال دين آخر فيتهاتر ويتساقط، قال قدس سره: ) التاسع أن لا يكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون عنه‌ بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعم حيث قالوا إنه بمعنى التعهد بمال أو نفس فالثاني الكفالة والأول إن كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة و إن لم يكن فضمان بالمعنى الأخص..([4] [5]

لكنه ـ كما ذكرنا ـ لم يرتضي ذلك، لعدم الدليل عليه، فلو كانت ذمة الضامن مشتغلة للمضمون عنه وكان ضمانه بإذن المضمون عنه حدث التهاتر، وإن كان متبرعاً في ضمانه فسيكون ضماناً مستقلاً عن الدين السابق الذي في ذمته، ولا يكون حوالةً، لأن المضمون عنه لم يحل مديونه على الضامن فلا تصدق الحوالة، لعدم وجود احالة من المحيل إلى المحال إليه.

ومع الإغماض عن ذلك فالمعاملة صحيحة سواء أطلقنا عليها ضماناً أو حوالة، قال قدس سره: " لكن لا دليل على هذا الشرط فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ما له عليه يكون‌ ضمانا فإن كان بإذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان و إلا فيبقى الذي للمضمون عنه عليه و تفرغ ذمته مما عليه بضمان الضامن تبرعا و ليس من الحوالة لأن المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتى تكون حوالة و مع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أنه يكون داخلا في كلا العنوانين فيترتب عليه ما يختص بكل منهما مضافا إلى ما يكون مشتركا"[6] .[7]

أقول: لا نحتاج إلى مثل هذه التدقيقات ما دام العرف لم يرجع فيها إلينا للبت فيها، لأن أهل العرف أحرارٌ فيما يتعاملون به بينهم ضمن إطار الشرع المقدس، وضمن إطار قوله سبحانه ﴿أوفوا بالعقود[8] .

 


[1] العروة الوثقى، السید کاظم الطباطبائی، ج2، ص762.
[2] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص403، ط جماعة المدرسین.
[3] سورة المائدة، الآية 1.
[4] العروة الوثقى، السید الکاظم الطباطبائی، ج2، ص762.
[5] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص403، ط جماعة المدرسین.
[6] العروة الوثقى، السید الکاظم الطباطبائی، ج2، ص762-763.
[7] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص403، ط جماعة المدرسین.
[8] سورة المائدة، الآية 1.