آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط عقد الضمان / كتاب الضمان

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على اشرف الانبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اهل بيته الهداة الميامين.

في سياق الحديث عن الضمان هناك موضوعان طرحنا أحدهما في البحث السابق ونحاول أن نبلوره هذا اليوم قليلاً ثم نشرع في الموضوع الثاني.

 

لا غرر في المعاملات

أما فيما يتصل بالأمر الأول فقد ذكرنا سابقاً أن الغرر منهي عنه في الدين، وبالرغم من أن الرواية النبوية[1] مرسلة وعامية، ولكنها وقعت موضع إعتماد الفقهاء في أغلب العقود والأحكام، وعملهم جابرٌ لضعفها، وكأن المعاملة الغررية يرفضها العقل أيضاً.

وبينّا فيما سبق أن أحد أهداف المكاتبة في العقود ـ ومنها الدين ـ هو منع الريب والخلاف اللاحق، وأساس تقنين المعاملات لهذا الغرض وإلا لعمت الفوضى بين الناس.

أما ما يرتبط بعقد الضمان، سواء فيما يتعلق بقيمة الدين المضمون أو الضامن أو المضمون عنه أو المضمون له، إذا وصلت المعاملة ـ في أيٍ منها ـ إلى حد الغرر ففي المعاملة إشكال، كأن يكون الضامن مردداً بين اثنين، أو أن يضمن الضامن أحد شخصين، أو يضمن دين رجلٍ لأحد الدائنين وهكذا، الأمر الذي يرفضه العقلاء أيضاً في تعاملاتهم المختلفة.

نعم، يبقى الكلام في تحديد تعريف الغرر، فيما لو شك في كون الغرر الموجود في المعاملة مخلاً بها أو لا، فكيف السبيل ذلك؟

نحن نقول كما ذكرنا سابقاً: أن للفقه جانبين، جانب فتوائي وجانب قضائي، ومعنى ذلك أن المفردات تختلف من حالة إلى حالة، فالغرر ليس حقيقة واحدة في جميع العقود، فالناس يتساهلون في الغرر الموجود في المعاملات الحقيرة، كتساهلهم في نوعية الكيلو من السكّر الذي يشتروه مثلاً، ولكنهم لا يتساهلون بالغرر الموجود في المعاملات الخطيرة، ولذلك لا يمكن أن نعطي فتوى عامة فيما يرتبط بالغرر.

 

أطراف الضمان

أما الأمر الثاني فهو يتعلق بأطراف المعاملة، وقبل الدخول في الموضوع نتسائل، هل الضمان عقدٌ أم إيقاع أم هو برزخٌ بينهما؟

 

ماهية الضمان

ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الضمان عقد، وهذا ما يظهر من كلماتهم في تعريف الضمان، قال المحقق: "الضمان وهو عقد شرّع للتعهد بالمال أو نفس"[2] ، يبدو من صاحب الجواهر أنه أرسل الموضوع إرسال المسلمات، وبما أنه عقد فلابد من توفر كل شروط العقد فيه، من الإيجاب والقبول والتنجيز والصيغة بالعربية والماضوية وغير ذلك من الشروط.

ولكن بعض الفقهاء كالمحقق الأردبيلي والسيد اليزدي[3] وغيرهما خالفوا في ذلك ويظهر ذلك من عدم اشتراطهم لجميع شروط العقد في الضمان.

والذي ينبغي أن يقال أنه لا دليل على عقدية الضمان ولا أصل بعدمه ومن هنا فإن المهم هو البحث عن الدليل لكل شرط من الشروط وهل يجب أن تتوفر في الضمان أم لا؟ فلو دل الدليل على شرطٍ ما فنأخذ به وإلا فننفي وجوبه بالأصل.

فعلى سبيل المثال فلو دل الدليل على إشتراط الإيجاب والقبول في الضمان فنشترطه وإلا فالاصل صحة الضمان من دونه.

وبالعودة الى نصوص الباب فجميع الروايات المتسدل بها ـ كما سبق وأن ذكرنا ـ متعارضة في نفسها ويصعب الإستدال بها من حيث أنها حكاية فعل فتكون مجملة الدلالة أيضاً فهي اقصى ما تفيد صحة أصل الضمان لا شروطه.

فتحصل أنه ليس لدينا دليل صريح على أن الضمان عقد ولأنه عقد يجب ان تتوفر فيه كل الشروط، نعم؛ بالمقدار الذي نعرفه أن الضمان لا يتحقق عرفا وعقلاً إلا أن يكون أطرافه معروفين ولو بصفة ما.

ومن هنا ذهب السيد اليزدي في العروة إلى كفاية المعلومية الإجمالية لأطراف الضمان والرضا منهم، قال: "امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن‌ على وجه يصح معه القصد إلى الضمان و يكفي التميز الواقعي و إن لم يعلمه الضامن فالمضر هو الإبهام و الترديد"[4] .

ولا يمكن أن ننكر اشتراط رضا المضمون له، وربما حتى المضمون عنه، لأن الإنسان حينما يكون مسلطاً على نفسه وماله، وبالتالي تكون له شخصيته، فمن أبعاد شخصيته تسلطه على ذمته، فربما لا يكون الضامن أهلاً للضمان عن المديون ولائقاً به، فقد يكون في ضمانه منقصة لشأن المضمون عنه.

ولذلك فالقول بأن الضامن يضمن بدون إذن المضمون عنه أو علمه خرقٌ لقاعدة السلطنة. فما دام الإنسان مسلطٌ على نفسه وبالتالي على ذمته وعلى شخصيته، فالقول بصحة الضمان حتى من دون رضا المضمون نه مشكل.

ويبقى أن الرضا وإن كان شرطاً ولكن هل يحتاج إلى إظهار فيشترط القبول أم لا؟ وجهان إختار صاحب الجواهر الأول والأظهر الثاني كما اختاره الأردبيلي وغيره لجملة من النصوص المعتضدة بالأصل.

منها: موثقة الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مَاتَ‌ وَ لَهُ‌ عَلَيَ‌ دَيْنٌ‌ وَ خَلَّفَ وُلْداً رِجَالًا وَ نِسَاءً وَ صِبْيَاناً فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا لِأَبِي عَلَيْكَ مِنْ حِصَّتِي وَ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا لِإِخْوَتِي وَ أَخَوَاتِي وَ أَنَا ضَامِنٌ لِرِضَاهُمْ عَنْكَ قَالَ تَكُونُ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَ حِلٍّ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِمْ قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي عُنُقِهِ قُلْتُ فَإِنْ رَجَعَ الْوَرَثَةُ عَلَيَّ فَقَالُوا أَعْطِنَا حَقَّنَا فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ فَأَمَّا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَنْتَ مِنْهَا فِي حِلٍّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي أَحَلَّ لَكَ يَضْمَنُ لَكَ عَنْهُمْ رِضَاهُمْ فَيَحْتَمِلُ الضَّامِنُ لَكَ قُلْتُ فَمَا تَقُولُ فِي الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ أَنْ تُحَلِّلَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَانَ لَهَا مَا تُرْضِيهِ أَوْ تُعْطِيهِ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَالَ فَلَا قُلْتُ فَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ إِنَّهُ يَجُوزُ تَحْلِيلُهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَعْنِي بِذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ..)"[5] .

في هذه الرواية أبعاد، وكأن احد الورثة قال للمديون انك في حلٍّ عما في ذمتك، والإمام قال بكفاية ذلك، فهل هذا ضمن المال لهم ام ضمن ترضيتهم؟ وفي الرواية نوع من التردد، ففي مكان كأنه ضمن رضاهم وفي آخر حديثٌ عن الإعطاء، فإذا كان اعطائهم فهو موضوعنا والا فهو ليس ضماناً بالموضوع المبحوث هنا.

ومنها:(عَنْ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ‌ قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ‌ يَكُونُ‌ عِنْدَهُ‌ الْمَالُ وَدِيعَةً يَأْخُذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ قَالَ: "لَا يَأْخُذْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَفَاءٌ" وَقَالَ: قُلْتُ أَ رَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ مَنْ يَضْمَنُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ الَّذِي يَضْمَنُهُ يَأْخُذُ مِنْهُ ؟ قَالَ: "نَعَمْ).[6]

في هذا النص بحثٌ عن الوديعة وحديث عن الضمان، بأن يضمن احدهم الأمين بأن يسدد عنه في حال عجزه عن التسديد، فأجاز الإمام ذلك، وهذا دليل على أن الرضا ليس بشرط أساساً أو لا أقل حتى يكون الرضا شرط فالعقد ليس كذلك. وهذا ما سنبحثه بصورة تفصيلية لاحقاً إن شاء الله.


[1] " نهى‌ صلّى اللّه عليه و آله عن‌ الغرر".
[2] الشرائع، ج2، ص88.
[3] العروة الوثقى، السید کاظم الطباطبائی، ج2، ص759.
[4] العروة الوثقى، السید کاظم الطباطبائی، ج2، ص763.
[5] الكافي، الشیخ الکلینی، ج7، ص25، ح7.
[6] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج26، ص12.