الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

36/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول \ الأمر بالأمر

النواهي
نسب للقدماء تعريف النهي بما يشبه تعريف الأمر فالأمر هو طلب الفعل والنهي هو طلب الترك وخالف علماؤنا المعاصرون لبداهة ظهور النهي في الكراهة لا في الرغبة وتفسير النهي بالطلب رغبة كما إختلفوا أيضا في حقيقة المراد من النهي هل هو الكف النفساني كما ذهب الأكثر إلى ذلك وذهب جماعة منهم صاحب المعالم وغيره الى ان النهي يراد منه نفس الترك وعلى أي حال ظهرت بين هذا وذاك نظريات لبيان المغايرة بين الأمر وبين النهي نذكر منها :
النظرية الأولى : ما نسب الى جمع من الأصوليين بان الأمر هو بعث نحو الطبيعة وان النهي هو زجر وردع عن الطبيعة وليس مفادها الطلب , وقد إعترض بعضهم على تفسير النهي بالزجر قائلا أن الزجر يتحقق بالتكوين والمنع المباشر ويتحقق أيضا من خلال صيغة النهي ثم عقَّب أن صيغة النهي هي زجر تشريعي فكيف تكون دالة على الزجر ومثَّل لذلك بلفظة زيد فإنها لا تدل على الصوت لأنها مصداق للصوت وفي كلامه نظر بين إذ لا مانع من إنطباق عنوان الزجر على جملة لا تضرب بل بما لها من دلالة على الردع سميت زجر وإلا لبقيت بلا دلالة .
النظرية الثانية : ما ذكره السيد الخوئي تبعا لمبناه من أن الوضع يفيد دلالة تصديقية لأن الواضع له غرض وهو الإفهام للآخرين فكلمة الأرض وضعت لقصد إفهام معناها لا للصورة وإنما تحصل الصورة نتيجة الأنس الذهني ولا علاقة لها بالوضع وبناء عليه فإن جملة لا تضرب موضوعة لمعنى تصديقي وهو إبراز المولى للإرادته وإعتباره في ذمة الملكف كالصد عن الفعل .
ويرد على ما ذكره قدس سره :
أولا: أن ما إختاره مبناً وهو مخالف للواقع لأن الواضع كما له هدف في التصديق له هدف في الصورة ولذا قد يطلق كلاما لا يقصده جديا كالمازح وقد يكون القصد التصديق الجدي ولذا يستعمل الإنسان صيغة النهي في الدعاء ونحو ذلك .
ثانيا: إن ربط الأمر والنهي بالمصالح والمفاسد من مسائل علم الكلام ولا علاقة لها هنا بالوضع إذ قد يكون الواضع ملحدا .
ثالثا: أن ما ذكره من الإعتبار وهو معنى إسمي يحتاج الى رابط بين الضرب وبين الإعتبار ولذا لا بد من بيان معنى حرفي يربط بين معنى هذه الجملة .
النظرية الثالثة : وهي التي إختارها الشهيد الصدر رحمه الله بأن الفارق بينهما ليس بلحاظ المتعلق وليس لجهة التصديق كما ذكره السيد الخوئي لما تقدم من ان الوضع قد يراد منه إحداث التصور فقط كآلة للوصول الى المراد وأن الجمل معان حرفية لا تفهم إلا بتصور طرفين أو أكثر وههنا في قولنا لا تضرب يوجد مخاطَب وهو أنت ويوجد مصدر ويوجد زجر من خلال حرف لا بين الضرب وبين أنت والخلاصة أنها دالة على نسبة بين الضرب وبين المخاطَب نسبة زجرية وهذا ظاهر من الهيئة لا من المادة الإسمية وأشكل عليه بأن النهي لو دل على الإعتبار وهو وجودي والنهي عدمي فكيف يعتبر العدم في ذمة المكلف ؟ ويمكن الجواب بأن الإعتبار هو نحو من مساءلة ومسؤلية ولا فرق عرفا بين المسؤلية عن التحرك وبين المسؤلية عن عدم التحرك ويؤيد هذا الإتجاه أن العرف لا يفهم من جملة لا تضرب لا الإعتبار ولا الطلب بل يفهم نسبة بين المخاطَب وبين الضرب نسبة ردعية من خلال حرف لا نعم قد يفهم الإعتبار والمسؤولية من كون الناهي أعلى .