الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

34/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول \ التعارض والروايات الخاصة
  والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
 روايات الترجيح
  كان الكلام في التعارض المستقر حيث قلنا ان القاعدة على مستوى الدليل العام للحجية " خذ بخبر الثقة " هي التساقط واما الأدلة الخاصة فهل يمكن مخالفة هذه القاعدة لتمامية في سند ودلالة لرواية ما ذكرنا فيما سبق ادلة التخيير وقلنا انه لا شيء تاما فيها لأنها اما ضعيفة واما ناظرة لبيان الواقع في الفتوى وانه التخيير لا التخيير في الحجية عند التعارض واما روايات الترجيح فقد صنفها شيخنا الانصاري الى ثلاثة اصناف :
  1. ما ورد بلسان الترجيح الصدوري كالترجيح بالشهرة على ما ليس بمشهور
  2. ما ورد بلسان الترجيح بالجهة اي جهة الصدور فيرجح ما كانت جهته جدية على ما فيه جهة تقية كمرجح المخالفة مع العامة
  3. ما ورد بلسان الترجيح بلحاظ المضمون بمعنى ان يرجح مثلا ما وافق الكتاب عند التعارض
  ذهب شيخنا الوحيد البهبهاني الى القول بالترتيب فرجح اولا الجهة ولعل ذلك لجهة الغلبة آنذاك .
  وما ذكره وان صحّ موردا ولكن لا يقاوم هذا المرجح الترجيح بالشهرة لأنه يوجب القطع بصحة احدهما وبطلان الآخر بل قد يناقش في تقديمه على مرجح المضمون القرآني لوضوح تقدم ما يرجحه الكتاب على غيره فانا قائلون بالطريقية في الحجية وطريقية الموافق اقوى من المخالف وان علمنا اجمالا بتخصيص مطلقات القرآن لأن الموافق للكتاب والمخالف له كلاهما مخصص .
 وذهب الميرزا النائني رحمه الله الى الترجيح بالصدور كمرجح الشهرة اولا ووجهه واضح لأنه معه يقطع او يطمئن على الأقل بصحة احدهما مقابل الآخر هذا وقد رأى شيخنا الاخند رحمه الله بأن الروايات لم تأتي للتقسيم والترتيب بين المرجحات وانما هي لبيان اصل الترجيح لئلا تلجأ الى التساقط ولعل وجهه وجوب التضارب كما ستعرف وما ذكره اشار اليه شيخنا الانصاري رحمه الله فخلص الى نتيجة مفادها انه عند التعارض يمكن الأخذ بالمرجح مطلقا لأن الهدف من الترجيح الاخذ بالأقرب للواقع فالميزان في الترجيح وجود مرجح ما يقوي طريقية احدهما .
 اما الروايات :
  1. منها ما رواه عبد الرحمن ابن ابي عبد الله صحيحا عن الصادق عليه السلام : اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه والرواية صحيحة سندا وفيها مرجحان الاول مرجح مضموني بموافقة الكتاب والثاني مرجح جهتي اي مخالفة العامة والتقية وهذه الرواية عمل بها الاصحاب في الجملة ولكنها واردة في اخبار العامة وقد وسع العلماء وفي محله المخالفة مع الاخبار الى المخالفة مع الفتاوى وان لم تستند الى الاخبار كالفتوى المعتمدة على القياس والاستحسان والمصالح المرسلة الى آخره من البدع فالإمضاء لنكتة الترجيح وهي الأقوائية في الكشف وبذلك نرفع اليد عن القاعدة السابقة وهي التساقط .
  2. ومنها مقبولة عمر ابن حنظلة الطويلة وقد عبّر عنها الاصحاب بالمقبولة لتلقيهم لها بالقبول ولكن عرفت اشكالنا سابقا فيه وحاصلها عدم وجود توثيق لابن حنظلة الا ما رواه يزيد ابن خليفة في قصة الرواية الوقت جاء فيها " اذا لا يكذب علينا " حيث استدل بها على وثاقته وقد عرفت ان العبارة على العكس من ذلك لاحتمال التصديق في هذه الرواية مقابل المعروف عنه مضافا لعدم قبولنا وثاقة من يروي عنه احد الثلاثة كيونس الراوي عن يزيد ابن خليفة .
 اما الاشكال الدلالي فالرواية واردة في المنازعة والقضاء والحكم اذ ورد فيها " الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما " ... ما كان من روايتهما المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ... فينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف ... ان كان ذلك فأرجئه حتى تلقى امامك .
 ويمكن ان يستشكل على دلالة الرواية بما يلي:
  1. انها ناظرة لعصر الحضور للقرينة الأخيرة فيها ويمكن ان يجاب بأن لا خصوصية للتمكن من الامام في التعارض وفي الامور الطريقية فيمكن جعلها موردا .
  2. ان الرواية المذكورة واردة في الاحكام والقضاء حيث لا بد من الفصل والترجيح وهذا لا ينسحب على الرواية ما دامت كلتا الروايتين حجة سيما مع انحفاظ درجة من الكشف فيهما معا .ويمكن ان يجاب ان الفقرات الأخيرة ذكرت الأخبار ولم تذكر الحكم وهذا قرينة على التعميم وهذا الجواب يتيم لما ذكرناه مرارا ان احتمال القرينية المتصلة مخلّ مع عدمها فكيف مع وجودها .
  3. ان ما ذكر فيها من الترجيح بالشهرة المتأخر عن الأعدلية واخواتها لا يقبل اذ مع الشهرة او الاجماع المذكور لا حجية للآخر ليجعل رتبة ثانية .
 ومن كل ذلك يتبين ان لا مرجح صحيحا سوى الترجيح بالكتاب ومخالفة العامة واما مرفوعة زرارة في الترجيح بالشهرة والاعدلية والاحتياط ومخالفة العامة فيكفي رفعها عن وضعها .
 تنبيه واحد: ان ما دل على التخيير بناء على ثبوته فهل هو في الحجية بمعنى اختيار احدى الروايتين او ان التخيير هو في الفتوى اي انه يفتي بالتخيير بين الحكمين الاقرب انه في الحجية وليس في الفتوى.
 تنبيه اثنان: ان التخيير المذكور بناء على ثبوته ان كان في الحجية فالظاهر عدم الاستمرار وان كان في الفتوى فيمكن الاستمرار بالتخيير واما ما ذكره الاخند من جريان الاستصحاب ههنا فانا نراه من الاستصحاب المعلق اي لو اخذت سابقا بها لكانت حجة .
 وقد ذكر السيد الخوئي رحمه المولى وجها لطيفا حاصله ان الروايات ناظرة لأصل الاختيار ولا نظر لها لما بعد الاختيار فقد تقتضي التخيير وقد لا تقتضي .
 تنبيه ثلاثة: ان اخبار العلاج شاملة كما قلنا للتعارض المستقر وجها لوجه وهل تشمل التعارض غير المستوعب كالتعارض بالعموم من وجه كقولنا يجب اكرام العالم يحرم اكرام الفاسق . ذكر العراقي بأن الاقوى عدم شمول المرجحات لها حتى في مجمع التصادق وفاقا للمشهور. وافاد ان ذلك لا لجهة السند لأنه تعبدي اذ يمكن للمولى ان يجزأ فيه ولا يأباه العرف ولكن ذلك لجهة انصراف اخبار التخيير والعلاج الى التعارض المستقر تماما وعدم امكان العمل بهما مطلقا وهذا لا يوجه العامّين من وجه .
 ولذا قال انه في مادة الاجتماع اي العالم الفاسق يحكم بإجمال الدليل ونعود الى القواعد والاصول وقال الميرزا النائني مفصلا بين المرجحات السندية كالاوثقية فلا تجري في العامين من وجه اذ لا يعقل التبعيض في سند واحد وقبل ذلك في المرجح المضمون كموافقة الكتاب فانه يمكن اعمال المرجح في مادة الاجتماع وما ذكره من الاستحالة في غير محله ما دامت الحجية جعلا تعبديا فان التفكيك ليس في الصدور بل ان التبعيض في الحجية كما في موارد اختلاط الحديث بين الجد وبين التقية في كل ما يحتمل صدوره مع قرائن لم تنقل او خفية علينا ومن هنا لا مانع في مادة الاجتماع ان نعمل بالمرجحات فالنكتة واحدة .
 والحمد لله رب العالمين