الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

34/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول \ الجمع العرفي
 
  ويوجد خلاف في ملاك هذا التقديم فعن الاخند انه تقديم بالورود وهو ما يرفع الموضوع حقيقة. وذهب آخرون الى ان ملاك التقدم هو الحكومة لأن اليقين الحاصل من الاستصحاب هو يقين تعبدي. ومن المعلوم ان الجعل في الثوب هو عبارة عن اليقين بطهارة الماء المغسّل به سبب للطهارة .
 ونلاحظ على كل ما ذكر :
  1. اولا: ان استصحاب الطهارة بإلغاء الشك تعبدا وان تم به معالجة موضوع طهارة الثوب ولكن ذلك لا ينسحب على كل أدوات اثبات الطهارة فهنا يمكن على الطريقية الغاء الشك تعبدا ولكن في أصالة الطهارة لا يوجد الا الموقف العملي وانه طاهر ولا يوجد يقين تعبدي والغاء تعبدي للشك ورغم ذلك فان الاصوليين يقدمون اصالة الطهارة على استصحاب نجاسة الثوب اي تقديم السببي على المسببي مطلقا ومن هنا لا بد من البحث عن نكتة هذا التقديم بمعنى ما يعالج موضوع الحكم بنجاسة الثوب في مرتبة اسبق من استصحاب النجاسة بحيث لا يبقي لاستصحاب النجاسة مجالا.
  2. ثانيا: ان الامارات تقوم مقام القطع الطريقي فتثبت مؤدياتها فلو روى الثقة: الخمر حرام اثبت ذلك لأنه طريق الى الواقع والخبر يقوم مقام القطع الطريقي . فيثبت به المؤدى اي الجعل الشرعي والحدث الخارجي لقيام السيرة وتقرير الامام لأصحابها على ذلك ولكن لا يوجد سيرة على قيام الثقة مثلا مقام العلم القطع المأخوذ موضوعا في الأحكام الشرعية ومع انعدام السيرة فكيف يتمسك بتقرير الامام لإثبات قيامها مقام القطع الموضوعي وعلاقتها فيما نحن فيه انه لدينا جعل افتراضي من الأدلة حاصله : اذا علمت بطهارة الماء الذي غسلت به فانه مطهّر وصاحبه طاهر وهنا نريد بالاستصحاب ان نثبت العلم الموضوعي المأخوذ في الحكم بطهارة الثوب وقد عرفت الشك في قيام الامارة بذلك فضلا عن الأصل .
 والتحقيق: ان ما ذكره الاخند بأن التقدم هو بالورود بدعوى ان استصحاب طهارة الماء يوجب اليقين بطهارة الثوب لكونها من آثار طهارة الماء ويكون رفع اليد عن النجاسة رفع لليقين باليقين وهو مفاد الاستصحاب بينما في استصحاب نجاسة الثوب لا اثر له بالماء , ونلاحظ على ما قاله ان الورود هو رفع للموضوع حقيقة وليس تعبدا والحال ان الاستصحاب يرفعه تعبدا اللهم الا ان يدعى بأن التطهّر يحصل من الغسال بالماء الطاهر واقعا او ظاهرا وهذا أول الكلام وايضا فان نجاسة الثوب المستصحبة لها أثر بأن الماء الذي يمسها يتنجس خصوصا ان دليل الاستصحاب ذكر اليقين لا المتيقن ليدعي بأن الاستصحاب يثبت المتيقن اي الطهارة هذا ، وقد ذكر العراقي رحمه الله في حل الاشكال مدعيا الحكومة في المقام وان الأصل السببي يتصرف في عقد الحمل لا عقد الوضع كما هو الحال في أدلة الحرج بمعنى ان أدلة الطهارة في الماء ناظرة الى اثبات الآثار والا لا معنى لقولنا الماء طاهر ومن هذه الآثار مطهرية الثوب وهذا يعني ان قولنا الماء طاهر له نظر لعقد الحمل والحكم وهذا النظر كاف في تقديم الأصل السببي على المسببي ولذا قلنا بتقديم الحاكم على المحكوم وان كان المحكوم اقوى دلالة .
  هذا ولو تعارض الأصل العملي مع الاستصحاب كالبراءة مثلا قدم الاستصحاب عند الاصوليين اما في الاصول العقلية كقاعدة قبح العقاب بلا بيان فانه يتقدم عليها لأنه بيان وأما في الأصول الشرعية فيتقدم عليها بالحكومة لأنه بيان تعبدي سيما من جعل الاستصحاب من الأمارات وقد ذكر العراقي بأن الأصل العقلي لا يعارض الاستصحاب لأن الاستصحاب يوفر موضوعا حقيقيا للبيان ولذا هو وارد عليه والورود ليس من التعارض ويبدوا ان كلامه ناظر الى دليل الاستصحاب فان اخبار زرارة دل الدليل القطعي على حجيتها .
  واما الأصول الشرعية فان قلنا بأن الاستصحاب هو ابقاء لليقين فهنا يتقدم بالحكومة وان قلنا انه ابقاء للمتيقن فلا حكومة لأن الغاية ان أريد بها الأعم من الواقع أو الظاهر فهو ورود وان قصد بالغاية والبيان هو البيان الواقعي فالاستصحاب لا يلغي العقوبة والمنجزية ولذا يعارضه ثم يقدم بالتخصيص على الاصل العملي لأن الاستصحاب أخص ولا يجري الا فيما له حالة سابقة .
 التعارض على ضوء دليل الحجية العام
  عرفت مما سبق بأننا التزمنا من خلال السيرة الممضاة أو من خلال الروايات الصحيحة سواء بالقاسم المشترك فيها او بغيرها او من خلال الآية المباركة والنتيجة ثبوت جعل شرعي ظاهري خلاصته خبر الثقة حجة ومن هنا لو ورد خبران متعارضان تعارض مستقرا فالقاعدة المعروفة هي القول بالتساقط فلا شمول لدليل الحجية العام لهما معا ولا القول بترجيح احدهما ولا القول بالتخيير
  اما الشمول لهما معا فلان خبر الثقة يثبت لازمه لكشفه فان ما دل على وجوب الصلاة له مدلول التزامي بكذب النافي ومن هنا يكون اثبات الخبرين اثبات لمتكاذبين وهو كم ترى , واما ترجيح احدهما مع النسبة الواحدة للدليل العام لهما فهو بحاجة الى مرجح والدليل العام نسبته اليهما واحدة نعم لو اكتشفنا عند التعارض المستقر ان طريقية كل منهما اصبحت ضئيلة اذ قلنا سابقا بأن خبر الثقة حجة لطريقيته فمع التعارض تختفي هذه الطريقية وبالتالي لا تعارض لأنه فرع الحجية ولا حجية لمن ضعفت طريقيته وكذلك الحال لو كانت طريقية احدهما اقوى من الآخر كما في الثقة مع الثقة الورع والفقيه فهنا ليس الترجيح بلا مرجح .
  واما القول بالتخيير فهو خلاف ظاهر الدليل العام اي حجية الثقة تعيينا نعم قد يدعى انه مع المعارضة لا حاجة لإسقاطهما بل يمكن رفع اليد عن الاطلاق في الحجية اي نقول: هذا الخبر حجة بشرط عدم الملازمة مع كذب الآخر والعكس العكس لئلا تتوقف حجية كل منها على صدق نفسه وتبقى فائدة هذه الحجية المشروطة ان تنفي الثالث .
  والحمد لله رب العالمين .