الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

34/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول \ العلم الاجمالي\اصالة الاشتغال
 الوجه الأول: ما ذكره المحقق العراقي رحمه الله بأن العلم الاجمالي وان لم يسري الى الفرد المحدد ولكن تنجز الفرد تابع لمنجزية الجامع لأنه قابل للانطباق عليه ومن هنا يسري السبب الى موضوعه والى ما تعلق به . والجواب: أن السراية مرتبطة بادراك العقل بقبح المعصية وبما أن الجامع محفوظ بأحدهما فلا يدرك العقل قبح المعصية الا بتركهما معا. نعم للعراقي قدس سره أن يرد بشيء آخر وحاصله أن العقل يدرك أيضا لزوم الطاعة للمولى ولا تتحقق الا بالإتيان بهما وهو من القائلين بتعلّق العلم بالواقع بمعنى تقدم بيانه .
 الوجه الثاني: ما أفاده قدس سره أيضا بأن الجامع الذي تعلق به العلم ليس هو الجامع المجرّد بل لما هو مرآة لواقع تردد أمره عندنا ولذا لا بد من السراية اليه وبما أن هذا محتمل الواقعية والآخر , لزما معا ولا ايراد على هذا الوجه الا بمن يدعي الوقوف على الذات وما ذكرته من فارق بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي في قضية قبح المعصية .
 الوجه الثالث: ان التنجز لا يرتبط بالصورة الذهنية بل هو فرع الواقع والخارج ولذا لا معنى لدعوى عدم سراية العلم الاجمالي من الجامع الى الواقع وان اجمل علينا حدّه . ويرد عليه :ان العقوبة لا ترتبط بالوجود الخارجي وليس موضوعا لاستحقاق العقاب ولا هو جزء له بدليل المتجري وايضا فان الإجمال لا يصلح للمنجزية على نحو العلية اذ قلنا بارتباط العقاب بالواقع لأن الاجمال لا يطرد الشك والشك ميزان المعذرية ولذا قامت قاعدة قبح العقاب بلا بيان .
 الوجه الرابع: ما ذكره المحقق الأصفهاني رحمه الله بأن عدم الالتزام بهما " اذا كانا طرفين " تعبير عن اللامبالاة بأمر المولى وهذا قبيح عقلا وظلم للمولى فالوجوب يولد الانبعاث عن المعلوم والالتزام بأحدهما انبعاث عن الواقع المحتمل لا عن الواقع المعلوم وترك أحدهما أيضا مخالفة احتمالية لتكليف منجز وهو معصية محتملة أيضا وتنجز الجامع لا يصحح المخالفة ولو احتمالا . وفيه أن المنكشف بالعلم هو أحدهما والشك باق ولا تنجز لغير المنكشف.
 الوجه الخامس: ما ذكره الميرزا النائني رحمه الله انه بعد التسليم بأن العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة القطعية لأنه معصية لا يرخص بها المولى "وأما شرب أحدهما بالأصل المؤمّن وان جرى فهو معارض بالطرف الآخر فيتساقطا وأصبحا معا بلا مؤمّن فيتنجزان ", والخلاصة أن وجوب الموافقة ناتج عن تعارض الأصول . وفيه أن ما ذكر مبني على ايقاع المعارضة وأن البراءة العقلية عن غير الجامع أي عن كل طرف بخصوصياته محفوظة وحق الطاعة لا ينسحب على غير المعلوم وهو الجامع .
 والجواب: أن جريانهما معا في الحدود الخاصة معارض بالعلم بالمخالفة , والبراءة أصل عملي لا محل له مع الدليل الكاشف فما اعترض به الشهيد غير وارد . وقد تبين مما ذكرنا أنه على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا مفر عن الالتزام بمنجزية الجامع فقط وعدم العلية لوجوب الموافقة القطعية . نعم نلاحظ بالوجدان عدم جواز اقتحام الأطراف لعدم الفارق عند العقل بين التفصيلي الواصل وبين الاجمالي كذلك , ولكن يحتاج الى تخريج اما كما ذكر السيد الخوئي بتوسعة البيان الى البيان الاجمالي , او بما ذكره الاصفهاني بصدق عنوان اللامبالاة والظلم ولا بد من الاشارة الى الفارق بين الشبهة الحكمية فيجري ما ذكرنا وبين الشبهة الموضوعية كما لو أمرنا "أكرم العالم " وتردد أمره بين زيد وبين خالد فهنا تجب الموافقة القطعية اذ مرجع الشك الى قيد الواجب لا الوجوب , ومن المعلوم ان قيود الواجب يجب تحصيلها فاشتغال الذمة هنا يقتضي الفراغ اليقيني . وأما جريان الأصول في جميع الأطراف فقد قيل بأن البراءة العقلية جارية فيهما معا لأن الشك محفوظ فيهما وان كان تركهما " كالظهر والجمعة مثلا " ترك للجامع ومخالفة قطعية اذ لا ملازمة بين البراءة عن الخصوصيات مع عدم البراءة عن الجامع وان تنقّح موضوع العقاب بتركهما حيث لا مقتضي وهذا ممنوع فان جريان الأصل منوط بعدم العلم فجريانهما يناقض العلم والبيان .
 
 والحمدلله رب العالمين