الأستاذ السید المکي

بحث الأصول

34/02/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول \ الأصول العملية \ المقدمات \
 الأصول العملية: ولابد قبل الدخول في الدليل والموضوع والمساحة والكيفية والحدود من ذكر جملة من المقدمات:
 المقدمة الأولى: من الواضح لدى الأصوليين المعاصرين ان الاتجاه الاستنباطي اليوم يقوم على اساسين:
  1. البحث عن الدليل الشرعي سواءً على مستوى القطع كما هو في الدليل المتواتر والاجماع المحصل أو ما جمعت به القرائن أو الدليل الظني الكاشف عن الواقع والحكم إذا ثبت باليقين أنه حجة.
  2. البحث عن الوظيفة العملية حين انعدام الكاشف عن الواقع على مستوى اليقين أو الظن من خلال ما جعل بملاك الشك في الحكم الشرعي لا بملاك الكشف وإن كان فيه شيء من ذلك كما في جملة من موارد الإستصحاب لما قيل من قاعدة غلبة الحادث يبقى ...
 وهذا المنهج يخالف ما يظهر من كتب القدامى مضافاً للمخالفة مع منهج العامة لأنهم سلكوا الطريق الأول فإن لم يجدوا دليلاً قطعياً سلكوا في أودية الظن والاستحسان وما اسموه المصالح المرسلة أو سد الذرائع والإمام في كل ذلك القياس.
 
 المقدمة الثانية: لو تأملنا كتب الأصحاب كمبادئ الأصول للعلامة ومعالم الأصول للشيخ حسن وغيرهما لا نلاحظ توسع مبحث الأصول كما هو اليوم بل تكاد البراءة تختفي من كتبهم وان ذكروا الاستصحاب بشيء من الايجاز ولكن من الواضح للبصير أنهم أدرجوا مباحث الأصول في الأدلة العقلية ومن هنا شاع عندنا أن الأدلة اربعة : الكتاب والسنة والاجماع والعقل، ولذا تجد في كلمات المحقق الحلي وفي كلمات الشهيد الأول في استدلالهما على البراءة الإستدلال بقاعدة قبح التكليف بما لا يطاق والتكليف بالمجهول من ما لا يطاق .
 وكذلك ما ورد في الأدلة من قاعدة حاصلها: إن عدم الدليل دليل اذ بلغ الرسول (ص) والأئمة(ع) سائر الأحكام، وما يظهر من التتبع أن زمن الوحيد البهبهاني الأصولي البارع أنه هو الذي ادرج الأصول العملية في منهج الوظيفة عند الشك بجعلها نفياً أو إثباتاً لتكليفنا لا لنفي الحكم فالأصول ناظرة للوظيفة بالنسبة للمكلف لا لنفي الأحكام واقعاً ولعله من هنا ساد مصطلح الدليل الإجتهادي والدليل الفقاهتي إنسجاماً مع تعريف الإجتهاد بأنه تحصيل الظن بالحكم الشرعي وإنسجاماً مع تعريف الفقه بأنه العلم بالحكم الشرعي فكأن الأصول العملية المبنية على اساس عقلي تنتج العلم بالحكم الشرعي فهي فقه يقيني أكثر من ما هي اجتهاد نظراً لما اكتنف لفظ الإجتهاد من ملابسات نقلته إلى الرأي والظن والقياس إلخ...
 
 المقدمة الثالثة: ان المنهج المذكور وإن كان عندنا هو التماس الدليل القطعي ولو في المنتهى ، فحجية الظهور في دليلها قطعية وان كان الظهور ظنياً وحجية خبر الواحد كذلك وحجية الشهرة لو قيل بها كذلك وحال الأصول العملية عندنا لا يختلف عن ذلك فكله اجتهاد وليس الإجتهاد تحصيل الظن بل يشمل كل حركة الاستنباط من أجل الوصول إلى معذرية أو منجزية.
 إن ذلك لا يعني عدم وجود الفارق بين الأصول العملية وبين الأمارات وليس ما نسب للمشهور وما ارسته مدرسة شيخنا الأنصاري من أن الفارق هو الكيفية اللسانية في الجعل فليس عالم الإنشاء إلا مجرد تعبير يُفترض ان ينسجم مع روح الفرق وليس هو الفارق.
 إذ بيّنا مراراً أن الأحكام الظاهرية ملاكها الشك في الواقع فحجية خبر الثقة قطعية لكنها لم تُشرع إلا للشاهد في الحكم.
  ومن هنا يلاحظ المولّى في مقام شك المكلف أن لديه احياناً كواشف عن الواقع من شهرة أو خبر لثقة أو لعادل أو قياس أو إستحسان أو إجماع منقول إلخ...وفي مقام هذا التزاحم يختار ما هو الأقرب لحفظ ملاكات الواقع فيجعل الحجية مثلاً لخبر الثقة لا لأن مؤدى الخبر هو الواقع بل لأن فيه واقع ،وأن معنى الحجية هنا تقديم الإصابة على الشبهة فهو تقديم لقوة احتمال الإصابة بينما في عالم الأصول ليس الأمر كذلك بل إن المولّى قد يقدم الاحتمال الضعيف على الاحتمال القوي لمصلحة ما في البين فيمكن عند الشك بين الحرام والحلال ولأن الشريعة سمحاء أن يقدم جانب الحل في كل الموارد المشكوكة التي لا سابق لها وإن كان المكلف يظن العكس ، فالمقدم هنا نوع الحكم أي الحلية في مقابل الحرمة لا الظن في مقابل الاحتمال وهو ما يسمى بتقديم المحتمل لا الاحتمال ومن هنا تعرف أن لا علاقة للسان ولا للإنشاء ولا للجعل في تصنيف الحكم الظاهري أنه أصل أو أمارة حتى لو جعل الأصل بلسان الطريقية فهو أصل عملي.
  ومن هنا فإن ما ذكره الميرزا النائيني من أن الأمارات قد جُعلت فيها الطريقية والأصول جعلت فيها المنجزية والمعذرية.
 إن هذا نتيجة للأساس الذي ميّز بينهما ولا فرق فيما ذكرنا بين الأصل التنزيلي وبين الأصول العملية المجردة كما سيأتي. والمراد من هذا التفريق هو موضوع المثبتات واللوازم فإن هذا المنهج يثبت أن لوازم الأمارات حجة لأن ملاك جعلها هو الكاشفية وهذا لا يتأتى في الأصول.
 أما على مبنى الميرزا فإن تتميم الكشف بما أنه بيد الشارع فقد يتممه في المدلول المطابقي للدليل الظني ولا يتممه في المدلول الإلتزامي ليقال ساعة اذن أن مثبتات الأمارة حجة.
 والحمدلله رب العالمين