عنوان البحث: الطيب في روايات أل البيت عليهم السلام!
قد تطرقتنا إلى الأمر الأول في المحاضرة السابقة و حان الوقت لمعالجة الأمر الثاني و هو في الروايات التي ورد فيها الطيب.
تحدثت روايات كثيرة في الطيب بوجه عام كما أن هناك روايات أشارت إلى إستعمال الطيب في المعاشرة و في العبادات في كل منهما بصورة خاصة!
إن الغاية من البحث في الطيب أحد أمرين:
الأول: أن الإسلام دين التطور فهو يتعدى حدود زمانه، إن الإسلام قد ظهر في عصر الجاهلية الجهلاء التي كانت الحياة فيها ملوثة بالقاذورات و كانت بيئتها مليئة بالأشياء الفاسدة حيث كانت تتصاعد منها الروائح النتنة، ففي مثل ذلك ظهر الإسلام يدعوا إلى التعطر و التطيب بصورة لم تجد لها مثيلا حتى في العصر الحديث!
الثاني: بعض الواهمين يظن أن قذارة بدنه و ملبسه أوفق بالزهد و الرغبة عن الدنيا! في حين أن ذلك لا يتفق مع شيء مما ذهب إليه الدين الإسلامي الحنيف، فيجب- لدفع هذا الوهم- أن نكشف عما يقوله هذا الدين في ذلك لكي يتضح للجميع من مسلمين و غيرهم أن ما يقوله الإسلام هو بعيد كل البعد عما يقوله هؤلاء الواهمون.
قد أورد صاحب الوسائل روايات كثيرة عن الطيب في إثني عشر باب من أبواب أداب الحمام.
[1]
كما قد وردت روايات في أبواب الصلاة عن إستعمال الطيب في الصلاة بصورة عامة و في يوم الجمعة و صلاته و صلاة العيدين و صلاة الحاجة بوجه خاص. و في باب الصوم أيضا ورد أن الطيب تحفة الصائم فإن إستعمال الطيب للصائم هو للتخفيف عن كراهة بَخَر الفم.
كما قد وردت روايات عن الطيب في أبواب العشرة من كتاب الحج، و كذلك في أداب زيارة أئمة أل البيت عليهم السلام حيث أمروا بالتطيب بعد الغسل قبيل زيارة الأئمة عليهم السلام خصوصا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
و كذلك في كتاب النكاح حيث أمرت الزوجة بالتطيب لزوجها و كذلك في الطلاق الرجعي حيث يقول الإمام عليه السلام عن المرأة: عليها أن تتطيب و تتزين، ثم تلى عليه السلام الأية:
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا!
[2]
و سنأتي من كل باب روايات تتناسب مع المقام بإذن الله.
الأقوال:
إبن إدريس في السرائر: "
و من السنّة المؤكدة في العيدين، الغسل، و وقته من طلوع الفجر الثاني، إلى قبل الخروج إلى المصلى، و التزين و التطيب، كما ذكرناه في الجمعة"
[3]
و العلامة في التذكرة: "
تستحب الزينة يوم الجمعة بحلق الرأس إن كان من عادته، و إلّا غسله بالخطمي، و قصّ الأظفار، و أخذ الشارب، و التطيّب، و لبس أفضل الثياب"
[4]
و العلامة أيضا في المنتهى: "
و يستحبّ أن يعدّ الكفن أوّلا قبل التغسيل، ... ثمَّ يضع فوقها القميص و ينثر عليه شيئا من الذريرة و يكثر من ذلك ... فاستحبّ فيه التطيّب كالحيّ. و قال عليه السلام: "اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم"
[5]
إدعى صاحب مفتاح الكرامة الإجماع على إستحباب الذريرة، خلافا لقول البعض حيث حرم إستعمال غير الكافور للميت فقال: "
و قد اتفق العلماء كما في المعتبر و التذكرة على استحباب الذريرة. و في كشف اللثام ذكرها الأصحاب"
[6]
و لصاحب الحدائق فصل على حدة في إستحباب إستعمال الطيب حيث ذكر فيه روايات عن أئمة أل البيت عليهم السلام.
الدليل:
و في هذه المرحلة من البحث سنحاول أن نأتي بروايات متفاوتة في دلالتها على إستحباب الطيب:
"
... احْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ الطِّيبُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاء"
[7]
"
... مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَدَعَ الطِّيبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ..."
[8]
"
... عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عليه السلام يَقُولُ الْعِطْرُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ"
[9]
"
... عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و أله و سلم الطِّيبُ يَشُدُّ الْقَلْبَ"
[10]
و في رواية أخرى أن الطيب يشد العقل، و قد يأتي القلب بمعنى العقل.
"
... عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليهم السلام قَالَ الطِّيبُ نُشْرَةٌ وَ الْغُسْلُ نُشْرَةٌ وَ الرُّكُوبُ نُشْرَةٌ وَ النَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ نُشْرَةٌ"
[11]
و من الواضح أن ذلكه كله يبعث الحيوية و النشاط في المرأء، قد ورد هذا الحديث في نهج البلاغة في كلمات قصار برقم 400.
"
... عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و أله و سلم قَالَ حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ثَلَاثٌ النِّسَاءُ وَ الطِّيبُ وَ جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"
[12]
و في الحديث أنه ثلاثة من النساء أتين رسول الله صلى الله عليه و أله و سلم فواحدة منهن قالت أن زوجي لا يحب التطيب و ثانية قالت أن زوجي لا يحب الجماع و ثالثة قالت أن زوجي لا يحب الحلي! فقال الرسول
صلى الله عليه و أله و سلم "
لا رهبانية في الإسلام"
[13]
و لمكافحة هذه الظاهرة تفوه الرسول الأعظم صلى الله عليه و أله و سلم بالرواية الأنفة الذكر.
فإن عدم الإستجابة إلى الحاجاة الطبيعية للإنسان تؤدي إلى الإنحراف كما نجد ذلك في المذهب الكاثوليكي حيث نُقل أن أحد الأديرة قد تحول إلى مبغى، و قد صحح المذهب البروتستانتي هذا التوجه فأباح الزواج، و في الحقيقة لا يوجد تشريع يتعارض مع طبيعة الإنسان و حاجاته الأساسية.
"
... عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ مَنْ تَطَيَّبَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يَزَلْ عَقْلُهُ مَعَهُ إِلَى اللَّيْلِ"
[14]
و ستأتي تتمة الأحاديث إن شاء الله.
[1]
الوسائل/ المجلد الأول. ابواب أداب الحمام. من الباب 89 إلى 101
[2]
الطلاق (65): 1
[3]
السرائر/ ج 1. ص 318
[4]
التذكرة/ ج 4. ص 100
[5]
المنتهى/ ج 7. ص 237
[6]
مفتاح الكرامة/ ج 4 (ط الحديثة). ص 69
[7]
الوسائل/ ج 2 (ط الحديثة). أبواب أداب الحمام. باب 89. ح 3
[8]
المصدر/ ح 2
[9]
المصدر/ ح 4
[10]
المصدر/ ح 6
[11]
المصدر/ ح 10
[12]
المصدر/ ح 11
[13]
المستدرك/ كتاب النكاح. أبواب مقدمات النكاح. باب 2. ح 2
[14]
الوسائل/ ج 2 (ط الحديثة). أبواب أداب الحمام. باب 91. ح 1