بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: أحكام كفارة الطيب
  كان البحث في أخر مسألة من مسائل حرمة الطيب و هي المسألة الخامسة عشرة و قد قلنا أن فيها أربعة فروع، و قد بحثنا الفرع الأول و أشرنا أن وجوب الكفارة عند إستعمال الطيب إجماعي و أن الأئمة الأربعة من فقهاء الجمهور قد قالوا بوجوبها هنا أيضا فلا بحث في ذلك.
  الدليل:
  الأول: الإجماع و هو مدركي.
  الثاني: الروايات و هي عشرة سنتطرق إليها في الفرع الثاني، فإنها تدل على وجوب الكفارة على نحو الإجمال.
  الفرع الثاني: و هو في أنه ما هو نوع الكفارة؟
  فإن الروايات في ذلك مختلفة، طائفة منها تقول أن الكفارة دم شاة أو دم فقط و هو يعني دم الشاة أيضا، طائفة أخرى تدل على أن الكفارة صدقة، و هناك طائفة ثالثة تفيد أن عليه الإستغفار و لكن هذه الإستغفار هل هو كفارة أم لا؟ يجب توضيح ذلك.
  الطائفة الأولى:
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي‏ جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ مَنْ أَكَلَ زَعْفَرَاناً مُتَعَمِّداً أَوْ طَعَاماً فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‏ءَ عَلَيْهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ يَتُوبُ إِلَيْهِ" [1]
  الرواية صحيحة سندا و أما دلالة فهي تشير إلى أن الكفارة دم شاة و لكن في مورد واحد و هو أكل الشيء المعطر! و ينبغي التنبيه على أن الإمام عليه السّلام يقول: فإن كان ناسيا فلا شيء عليه فليستغفر الله و يتوب إليه، و هذه تصلح لأن تكون قرينة لحمل روايات الإستغفار على حال النسيان.
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ فِي مُحْرِمٍ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ فَدَاوَاهَا بِدُهْنِ بَنَفْسَجٍ قَالَ إِنْ كَانَ فَعَلَهُ بِجَهَالَةٍ فَعَلَيْهِ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَ إِنْ كَانَ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ يُهَرِيقُه" [2]
  الرواية صحيحة سندا إلا أنها لم تُسند إلى الإمام عليه السّلام و لكن نعلم أن معاوية بن عمار- هو الرجل الأول في نقل روايات الحج- لا يبدي رأيه الشخصي في المسألة فما أفاده هو راي الإمام عليه السّلام. و الراوية تفيد أن العامد عليه دم شاة!
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السّلام يَقُولُ مَنْ نَتَفَ إِبْطَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ ثَوْباً لَا يَنْبَغِي لَهُ لُبْسُهُ أَوْ أَكَلَ طَعَاماً لَا يَنْبَغِي لَهُ أَكْلُهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أَوْ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ دَمُ شَاة" [3]
  الرواية صحيحة سندا و أما دلالة فقول الإمام عليه السّلام "أَوْ أَكَلَ طَعَاماً لَا يَنْبَغِي لَهُ أَكْلُهُ" يمكن أن يختص بالطيب أو بما هو أعم منه و من لحم الصيد، إلا أنها لا تشير إلى غير موارد الأكل من الإستعمالات الأخرى للطيب و لكن بإلغاء الخصوصية يمكن تعميم الحكم إلى مواضع أخرى. و دلالتها على أن الكفارة دم شاة فواضحة.
  "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ خَرَجْتَ مِنْ حَجِّكَ فَعَلَيْهِ فِيهِ دَمٌ تُهَرِيقُهُ حَيْثُ شِئْت‏" [4]
  لا يمكن الإعتماد على هذه الرواية سندا لو إنفردت، و هو شأن روايات قرب الإسناد و أما دلالة، فالدلالة عامة لا تختص بالطيب بل تعم كل ما يخرج المحرم من تكاليف الحج فتكون في هذه الحال الكفارة دم شاة! إلا أن هذا الحكم عام و يشمل كل ما من شأنه أن يخرج المحرم من حال الإحرام، في حين أننا نعلم أن هناك أفعال كثيرة ليست كفارتها دم شاة و بها يكون التخصيص من باب تخصيص الأكثر، فيسقط العموم عن الإعتبار.
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ مَنْ لَبِسَ ثَوْباً لَا يَنْبَغِي لَهُ لُبْسُهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أَوْ جَاهِلًا فَلَا شَيْ‏ءَ عَلَيْهِ وَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ دَم‏" [5]
  إن وجود سهل إبن زياد في سند الرواية لا يضر لأن أحمد بن محمد أيضا روي الرواية، و إما دلالة فهي تقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً لَا يَنْبَغِي لَهُ لُبْسُهُ" فإن ذلك منصرف إلى المخيط و إن أحتمل أن المراد هو الثوب المعطر و الشك في الإطلاق يساوي عدمه.
  ملخص القول:
  هذه الروايات لا تدل إلا على موارد خاصة من موارد الكفارة غير أن رواية واحدة دلت على العموم و هي بدورها لا تخلو في الدلالة عن إشكال، و برغم ذلك فإنها أثبتت أصل الكفارة و أن الكفارة هي دم شاة.
  هناك روايات أخرى بنفس السياق و هي لا تفيد شيئا أكثر مما دلت عليه هذه الروايات.
  الطائفة الثانية:
  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام وَضَّأَنِي الْغُلَامُ وَ لَمْ أَعْلَمْ بِدَسْتِشَانَ فِيهِ طِيبٌ فَغَسَلْتُ يَدِي وَ أَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِشَيْ‏ءٍ لِذَلِك‏" [6]
  ما يبدو من الرواية أن المراد فيها هو غير العمد فقال الإمام عليه السّلام للسائل: "تصدق"!
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا يَمَسُّ الْمُحْرِمُ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ وَ لَا الرَّيْحَانِ وَ لَا يَتَلَذَّذُ بِهِ وَ لَا بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ فَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِقَدْرِ مَا صَنَعَ قَدْرَ سَعَتِه‏" [7]
  ظاهر قوله عليه السّلام: "أبتلي" يدل على أنه كان في حالتي الجهل أو النسيان فلا تشمل الرواية العمد أو قل- على أقل تقدير- أنها مبهمة.
  "وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ قُلْتُ لَهُ الْأُشْنَانُ فِيهِ الطِّيبُ أَغْسِلُ بِهِ يَدِي وَ أَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ إِذَا أَرَدْتُمُ الْإِحْرَامَ فَانْظُرُوا مَزَاوِدَكُمْ فَاعْزِلُوا الَّذِي لَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَ قَالَ تَصَدَّقْ بِشَيْ‏ءٍ كَفَّارَةً لِلْأُشْنَانِ الَّذِي غَسَلْتَ بِهِ يَدَكَ" [8]
  قد يكون المراد من الرواية هو حال الجهل دون العلم و العمد فلا تدل على ما نحن بصدده.
  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ اتَّقِ قَتْلَ الدَّوَابِّ كُلِّهَا وَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ وَ لَا مِنَ الدُّهْنِ فِي إِحْرَامِكَ وَ اتَّقِ الطِّيبَ فِي زَادِكَ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَ لَا تُمْسِكْ مِنَ الرِّيحِ الْمُنْتِنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَتَلَذَّذَ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ فَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُعِدْ غُسْلَهُ وَ لْيَتَصَدَّقْ بِقَدْرِ مَا صَنَعَ" [9]
  ما ورد في ذيل الرواية يدل على أنه لو إستعمل الطيب فعليه أن يغسل ثانية و يدفع الصدقة.
  إذاً هذه الروايات أفادت أن كفارة إستعمال الطيب هو صدقة يدفعها المحرم.


[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب بقية كفارات الإحرام. باب 4. ح 1
[2] المصدر/ ح5
[3] المصدر/ باب 8. ح 1
[4] المصدر/ ح 5
[5] المصدر/ ح 4
[6] المصدر/ باب 4. ح 4
[7] المصدر/ ح 6
[8] المصدر/ ح 8
[9] المصدر/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 18. ح 9