بحوث خارج الفقه - کتاب الحج
آیة الله مکارم الشيرازي
32/10/15
بسم الله الرحمن الرحیم
المحاضرة الأخلاقية
في بدء العام الدراسي الجديد نشكر الله على توفيقة في تحصيل علوم آل محمد عليهم السلام, نسأل الله أن يعيننا عى مواصلة الدرب تدريسا و تحصيلا, و بهذه المناسبة نقرأ عليكم ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في توصيف العلم من أمالي الشيخ الصدوق في عبارات مقتضبة, حيث يقول: "إن العلم حياة القلوب من الجهل، و ضياء الأبصار من الظلمة، و قوة الأبدان من الضعف"[1]
فهذه ثلاثة عبارات, ففي الأولى منها يقول: إن العلم سبب حياة القلوب و يريد بالقلوب هنا العقول أو الأرواح الإنسانية و يعني بذلك أن حياة العقل و النفس الإنسانية بالعلم و عليه أن الجاهل في عداد الأموات.
و في الثانية: أن العلم سبب البصيرة في تمييز الحق عن الباطل و الحسن عن القبيح و العدو عن الصديق.
و في الثالثة: أنه السبب في قوة البدن و في تخليصه من الضعف و العجز.
و ما يستفاد من هذه العبارات هو أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أراد من العلم, العلم العام الذي يشمل كل العلوم من دينية و غير دينية لأن السبب في قوة البدن ليست العلوم الدينية فحسب.
عنوان البحوث الفقهي: تروك الإحرام- الإستمناء
كان البحث في تروك الإحرام في الحج و قد أنهى السيد الماتن عدد التروك في تحرير الوسيلة إلى أربعة و عشرين موردا, و إن إختلفت آراء الفقهاء في عددها فبعضهم عد أكثر من ذلك و بعضهم أقل و السبب في هذا الإختلاف هو أن بعضهم جمع بينها و أدغم و بعضهم فرق بينها و فصّل, مهما يكن من شيء فليس المهم هو العدد قلة و كثرة و إنما المهم هو ما تضمنته هذه التروك.
إلى الآن قد بحثنا أربعة منها و هي الصيد, و إتيان النساء, و إنشاء صيغة عقد النكاح و الإستمناء, إلا أن البحث في الأخير منها و هو الإستمناء جاء مقتضبا و لكن بما أن موضوع الإستمناء بات من الأمور الهامة فيتطلّب الوقوف عنده مليّا من خلال العناوين الخمسة التالية:
الأول: أصل الحرمة
الثاني: معنى الإستمناء و مصداقه
الثالث: مضاره و مفاسده الروحية و البدنية
الرابع: عقوبة الحد أو التعزير لفاعله
الخامس: الحرمة المضاعفة لهذا الفعل لو أتي به حين الإحرام و الآثار المترتبة عليه و هو الغرض الرئيس من إنعقاد هذا البحث.
أما العنوان الأول و هو حرمة الإستمناء فتثبت بالأدلة الأربعة و ذلك مع عدم أخذ حرمته في الإحرام بعين الإعتبار.
أدلة الحرمة:
الأول: الإجماع
قد إدّعى الإجماع في المسألة عدد غفير من الفقهاء و لم يخالف أحد من فقهاء مدرسة آل البيت عليهم السلام في ذلك, و أكثر فقهاء الجمهور على ذلك أيضا و إن كانت أقلية ضعيفة منهم أفتوا بالجواز و لنقرأ ما أفاده فقهائنا:
قال العلامة في الطبعة القديمة من كتاب التذكرة "مسألة يحرم الاستمناء باليدعند علمائنا و هو قول اكثر اهل العلم... حكى ابن المنذر عن عمرو بن دينار انه رخص فيه و به قال احمد بن حنبل"[2]
و في الرياض"و من استمنى أي استدعى إخراج المني بيده أو بشيء من أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة و الأمة المحلّلة له عزّر بما يراه الإمام و الحاكم، لفعله المحرّم؛ إجماعا" [3]
و في الجواهر "الإتفاق ظاهرا على الحرمة" [4]
و في المجموع للنووي "يحرم الإستمناء و هو إخراج الماء الدافق بيده و به قال أكثر أهل العلم" [5]
و ليعلم أن الإجماع مدركي, و بناء على فرضيّة الإجماع الكشفي, إذا كان هناك مدرك آخر إلى جانب الإجماع و إن كان رواية ضعيفة فلا يعد دليلا مستقلا فلا يكشف عن قول المعصوم, و إن إنفرد فيكون حين إذ دليلا مستقلا كاشفا عن رأيه عليه السلام فيؤخذ به, و على فرض عدم إنفراده يكون مؤيدا قويا و على مستوى مناقشة السند يجبر ضعف السند إن كان في السند خلل.
ألثاني من الأدلة الكتاب العزيز:
و قد إستدل به علماء الفريقين و ذلك في الآيات التي وردت في سورتي المعارج "وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهُمْ فَإِنهَّمْ غَيرْ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَالِكَ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْعَادُونَ"[6]
و المؤمنون "وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهُمْ فَإِنهَّمْ غَيرُ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَالِكَ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْعَادُونَ"[7]
دلالة الآيات:
الآيات قد عبرت بـ "حفظ الفروج" و هي تعم جميع العلاقات الجنسية اللامشروعة و من هنا قد إستدل بها الفقهاء في حرمة التفخيذ و اللواط, فما قيل من أن الآيات تشير إلى المواقعة اللامشروعة فهو في غير محله.
و قد يقال: أن الآية تقول "غير ملومين" فبالمفهوم تدل على أن غاية ما يتوجه للذين لا يحافظون على فروجهم هو أنهم ملومون و لا يدل ذلك على الحرمة.
نقول: في نهاية الآيات وردت كلمة "هم العادون" و هي تدل على الحرمة من دون شك.
و هناك إشكال: إن قوله تعالى "إلا على أزواجهم" مطلق يشمل حالات الحيض و النفاس أيضا.
و الجواب: أن الجواز الذي دلت عليه الآية هو جواز إجمالي و لذلك قد أستثنيت موارد خاصة من هذا الجواز.
عدد غفير من علماء الإمامية و علماء الجمهور قد إستدلوا على المقام بهذه الآيات!
الدليل الثالث الروايات:
و العمدة من الروايات ماورد في البابين 28 من أبواب النكاح المحرم, ج 14, و الباب 3 من أبواب نكاح البهائم و وطي الأموات و الإستمناء, ج 18 من كتاب الوسائل و سيأتي البحث عنها.
[1] الامالي للطوسي/ ص 487
[2] تذكرة العلامة/ ص 577
[3] رياض المسائل/ ج 16. 178
[4] الجواهر/ ج 41. 649
[5] المجموع/ ج 41. ص 649
[6] معارج: 29-31
[7] مؤمنون: 7-9