98/09/09
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المقدمة /لتنبیه الثالث: فی استصحاب الکلی /الفصل الرابع: فی التنبیهات /الإستصحاب/اصول العملیة
خلاصه مباحث گذشته:
وقع البحث فی الفرق بین استصحاب الکلی و استصحاب الجزئی. و سبق اجمالاً إن المستصحب إن کان شخصاً فالإستصحاب استصحاب الجزئی و إن کان فرداً فالإستصحاب استصحاب الکلی. و أشیر الی مصطلح آخر فی استصحاب الکلی و استصحاب الجزئی. و ینقح الیوم أقسام الماضیة المتقدمة.
فتحصل ما تقدم فی امور:
تقدم أن الماهیة فی الخارج موجودة و المراد من وجود الماهیة فی الخارج هو الإتحاد بین الماهیة و الوجود العینیّ.
و تقدم أن کلّ موجود فی العالَم له ذاتٌ و له وجودٌ أی له حقیقة و له وجود و الترکیب بینهما اتحادیٌّ و ذهن الإنسان هو الذی یحلِّل الموجود إلی ذاتٍ و وجودٍ.
و المتکلّمون أنکروا وجود الماهیة فی الخارج، و لعلهم نظروا إلی الکلی الطبیعی لاالماهیة لنظرهم إلی صیغة السؤال عن وجود الکلی الطبیعی فی الخارج، مع أنه تقدم أن صیغة السؤال تسامحیٌّ و صیغته الدقیق عبارة عن السؤال عن وجود الماهیة فی الخارج و لعل لهذه الجهة أنکروا وجود الکلی الطبیعیّ فی الخارج، لأن الکلی الطبیعیّ لایقبل الوجود و یستحیل وجوده فی الخارج لأن الوجود العینی مساوق للجزئیة و الشخصیة و الفردیة.
و التحقیق أن الطبیعیّ و الماهیة موجود فی الخارج و المراد من وجوده فی الخارج اتحاد الماهیة و الوجود. و کلّ موجود فی عالَم الطبیعة له ذاتٌ و وجودٌ و اتحدا معاً، و المراد من الوجود هذا المعنی فی الأصل لا المعانی الأخری.
نکتة: إن فی علم الفزیزیا الجدید مطالب لایوافق ما تقدّم من کلام العلماء هنا، فإنه لا معنی لوجود ماهیة الإنسان أو الشجر و الحجر فی الخارج. و ما تقدم من آراء العلماء حول الماهیة مبنیّ علی الطبیعیات القدیم. نعم ما فی علم الفیزیا الجدید لاینکر الماهیة فی الخارج بالنتیجة لکن وجودها یصیر بلامعنا کصیرورة اللون و الصوت و الطعم بلامعنا فیه، لکن البحث هنا مبنی علی الطبیعیات القدیم و بناءً علیه قضیت الحاجة فی المقام.
إن الماهیة المتحدة مع الوجود ماهیةٌ باعتبار و فردٌ باعتبار آخر، إن لمتلاحظ اضافة الذات إلی الوجود یعبَّر عنها بالماهیة، و إن تلاحظ اضافتها إلی الوجود یعبر عنها بالفرد. فالإختلاف بین الماهیة الموجودة فی الخارج و بین الفرد اعتباریٌّ.
و علی هذا تبـیّن عدم صحة کلام الشیخ صدر المتألهین فإنه قال إسناد الوجود إلی الماهیة بالعرض و إلی الفرد بالذات.
و علی المختار تبـیَّن أن الفرد عین الماهیة و الماهیة عین الفرد و اختلافهما فی اللحاظ و الإعتبار، إن لمتلاحظ اضافة الماهیة و اتحادها مع الوجود یعبر عنها بماهیة الإنسان و إن تلاحظ الإضافة و الإتحاد یعبر عنها بالفرد.
و کون محط الکلام فی الماهیة الموجودة فی الخارج لاینافی أن ینظر إلیها بنظرین، تارة یُنظر إلیها بلااضافة و اخری یُنظر إلیها مع الإضافة. و ما هو الموجود فی الخارج ماهیة واحدة و وجود واحد و اتحاد واحد أی ما یکون فی عالَم الخارج امر واحد و لکن ینظر الذهن إلیها بنظرین و لحاظین. و ینظر إلی ما فی الذهن بنظر مرآتی و لانحکم علی ما فی الذهن بل نحکم علی الماهیة الخارجیة بکون النظر و الإلتفات إلیه یمکن أن یکونا بنظرین و لحاظین.
و علی هذا وجود الماهیة عین وجود الفرد و وجود الفرد عین وجود الماهیة و اختلافهما بالإعتبار.
و نظیر البحث ما یقال فی وجود الحق تعالی ذکره و صفاته فإن وجوده عین قدرته و قدرته عین وجوده و قدرته عین علمه و علمه عین قدرته.
و لیس فی الله حقائق متعددة سبحانه و تعالی عن ذلک و إنما حقیقته واحدة یعبر عنه بحیثیات مختلفة یعبر عنه بالذات و الوجود و الحیاة و علم و القدرة. فحقیقته و صفاته تعالی اسمه واحد، و هذه المحمولات فی الله تعالی و تقدست اسمائه کثیرة بکثرة اعتباری و لحاظی لاالواقعی، بخلاف زید فإن وجوده غیر علمه و علمه غیر قدرته و هما غیر حیاته و الکثرة فیه واقعی.[1]
و البحث فی الماهیة و الوجود فی محل البحث و النظر الیهما بنظرین نظیر البحث عن اختلاف النظر إلی صفاته عزوجل فینظر إلی الماهیة الموجودة بنظرین و لحاظین و یعبر عن الذات بلالحاظ الوجود بـ«الماهیة» و یعبر عنها مع لحاظ اضافتها إلی الوجود بـ«الفرد». [2]
تقدّم أن لکل موجود فی العالَم ذاتٌ و وجودٌ و بینهما اتحادٌ، یعبر عن الذات بـ«الماهیة» و یعبر عن الوجود بـ«الفرد» و «الشخص». و قلنا إن الماهیة و الفرد و الشخص شیئ واحد و اختلافها بالاعتبار. إن نُظر إلی الماهیة بلالحاظ إضافتها إلی الوجود یعبر عنها بـ«الماهیة» و إن نُظر إلیها مع لحاظ اضافتها و اتحادها مع الوجود یعبر عنها بـ«الفرد».
و لکن یقال لها «الفرد» علی نحو الحصة التوأمة أی یقال لها «الفرد» اذا تُخرج الإضافة و الاتحاد من الموضوع لأن القید و التقید فی الحصة التوأمة خارجان فذات زید فرد للإنسان.
و یقال لها «الشخص» اذا نُظر إلی ذات زید و لوحظت الإضافة و الإتحاد مع الوجود الخاص ـ و کل وجود فی نفسه خاص ـ لأن زیداً اسم للشخص، لا للماهیة و لاللفرد، و من هذه الجهة لایقال «زید عمرٌو» لأن عمرواً انسان و فرد للإنسان و لکنه لیس بزید.
فتبـیّن مما تقدم عدم صحة قول المحقق العراقی.
فإنه قال فی الفرق بین الماهیة و الوجود أن المشخِّصات داخل فی الفرد و خارج علی الماهیة. و یبحث من القدیم فی أنه بما یتشخص موجود من موجود آخر؟ و قال الفارابی: «إن التشخص بالوجود فقط» و تبعه الشیخ صدر المتألهین و قال المشائون: «إن التشخص بالعوارض و اللواحق، فإن تشخص هذا الموجود من ذاک لمکانه عن مکان ذاک و لونه عن لون ذاک و کمّه عن کم ذاک» و قال المحقق العراقی: «إن التشخص سواء کان بالوجود او بالعوارض یدخل فی الفرد».
إن الماهیة عند المحقق العراقی هی الحصة التوأمة و الفرد عنده هو الماهیة المرکبة و مراده من الفرد هو الشخص. فقال قدس سره بإن الماهیة هی الحصة التوامة، و الفرد هو الحصة التومة مع المشخِّصات.
و یناقش فی کلام المحقق العراقی بأن التشخص إن دخل فی الفرد فلایکون الفرد فرداً لأن التشخص لایدخل فی الماهیة فیکف دخوله فی فرده؟
و التحقیق أن المشخِّصات خارج عن الماهیة و الفرد و الشخص، و أن حیثیة التشخص لیس للماهیة بل للوجود، و الشخص هو الماهیة التی تشخصها بالوجود.[3] و الفرد و الشخص و الماهیة امر واحد، و التشخصات ـ سواء حصل من ناحیة الوجود و سواء حصل من ناحیة العوارض ـ لیس جزءً للفرد و لا للشخص.
قال المحقق السید الصدر: «إذا شک فی بقاء موجود استصحب بقائه، و إن کان المستصحب بقاء ماهیته فالإستصحاب کلی و إن کان المستحصب بقاء فرده فالإستصحاب جزئیّ».
فتبـیّن مما تقدم عدم تمامیة قوله قدس سره لأن المستصحب هو الفرد دائماً و یستصحب بقاء الشخص تارة و یستصحب بقاء الفرد اخری؛ کما اذا کان زید فی المسجد قبل الزوال و شک فی بقائه فی المسجد الی حین الزوال، فینظر إلی موضوع التکلیف فإن کان الموضوع للتکلیف وجود زید فی المسجد عند الزوال استصحاب بقاء شخص زید و إن کان الموضوع للتکلیف وجود الإنسان فی المسجد عند الزوال استصحاب بقاء ذاک الفرد من الإنسان، لا ذاک الشخص من الإنسان و لو یعرف شخصُه، فتبین أن المستصحب فی استصحاب الکلی لیس بقاء الماهیة، لأن الماهیة لایلاحظ فیها الإضافة إلی الوجود اصلاً.
و علی هذا کان المستصحب فی استصحاب الکلی بقاء الفرد و فی استصحاب الجزئی بقاء الشخص.
و وسّع الأصولیون عنوان استصحاب الکلی علی معنی آخر و هو ما اذا کان الموضوع للتکلیف وجودَ فردٍ و لکن المکلف لمیطلع علی عنوانه الشخصی و کذا لم یطلع علی عنوانه الخاص، فإن جری هنا استصحاب فرد سموه باستصحاب الکلی.
و هذا الإصطلاح لیس بدقیق و لکن من الإستعمال صحیح.
توضیح فی الفرق بین الشخص و الخاص؛ قدیتحقق الفرد فی الخارج و یعلم المکلف عنوانه الشخصی کما اذا کان الإنسان فی المسجد و یعلم المکلف أنه زید، فیعبر عنه بالعنوان الشخصی.
و قدیتحقق الفرد فی الخارج و لایعلم الکلف عنوانه الشخصی و لاعنوانه الخاص کما اذا کان الإنسان فی المجسد و لایعمل المکلف أنه هو رجل أو امرأة. فعنوان الرجل و عنوان المرأة عنوانان خاصان.
و یترتب للتفرقة بین العنوان الشخصی و العنوان الخاص ثمرة فقهیة، قدیکون موضوع تکلیف عنواناً شخصیاً و قدیکون فرداً خاصاً أی عنواناً خاصاً و قدیکون عنوانا عاماً أی الفرد فقط. کما إذا عُلم بوجود فرد فی المسجد و ماعلم أنه زید ام عمرو فیجری استصحاب الفرد و یسمیه الأصولیون باستصحاب الکلی و هو تجاه استصحاب الشخص و کما اذا علم بوجود انسان فی المسجد و ماعلم أنه رجل أو امرأة فیجری استصحاب الفرد و یسمونه باستصحاب کلی و هو تجاة استصحاب الفرد، لأن استصحاب بقاء الرجل هو استصحاب الجزئی.
و المهم معرفة موضوع التکلیف و قد یکون موضوع التکلیف وجودَ زید عند الزوال، و قد یکون وجود رجل عند الزوال و قد یکون وجودَ انسان عند الزوال. و المراد من وجود الإنسان وجود الفرد.
فالإستصحاب یجری دائما فرد الفرد و هو قدیکون عنواناً شخصیاً معلوماً عند المکلف و قدیکون عنوانا خاصاً معلوم عند المکلف و یکون العنوانان غیر معلومین عند المکلف. و یطلق استصحاب الکلی تارة تجاه استصحاب الشخص و اخری تجاه استصحاب الخاص.
و للکلام تتمة