الأستاذ السيد منير الخباز

القواعد الفقیهة

36/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الكلام: في ان مخالفة الاحتياط اللزومي، هل هي مخلّةٌ بالعدالة أم لا؟. وذكرنا: أن محل البحث في الاحتياط بالفتوى غير المقترن بالتخطئة.
كما أن محل البحث: ما إذا كان مخالفة العامي للاحتياط غير مستندة الى حجة شرعية أو حجة عقلية. فالحجة الشرعية: كما إذا استند في مخالفة الاحتياط اللزومي الى فتوى بالترخيص من قِبل من هو جامع للشرائط، كما إذا افترضنا ان الفقيه احتاط وجوباً في مسألة العصير العنبي قبل غليانه وقبل ذهاب ثلثيه. إلا أن الفقيه الآخر افتى بالجواز. أو كان مستنتدا الى وظيفة عملية، مثلا: إذا كان العمل بالاحتياط اللزومي للفقيه الأعلم في مورد مخالفاً للاحتياط من جهة أخرى. مثلاً: افتى جمع من الفقهاء: أن الأحوط وجوباً في الدم الذي تراه المرأة بعد انقضاء الدورة الى يوم العاشر ان تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة. ولكن العمل بهذا الاحتياط بالنسبة لطواف الحج مخالف للاحتياط، لانها لو أرادت ان تجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة فلازم ذلك ان تطوف، والحال بأن دخولها المسجد الحرام منافٍ للاحتياط. فالنتيجة: ان المرأة في مثل هذا المورد لو خالفت الاحتياط الوجوبي بلحاظ حكم بالتخيير، لدوران الأمر بين المحذورين، وهما: وجوب الطواف وحرمة الدخول في المسجد، فعملها استنادا الى وظيفة عملية وهي التخيير لا يوجب اخلالها بالعدالة. فلابد ان يراعى ان مخالفة العامي للاحتياط الوجوبي لا يكون استنادا لحجة شرعية أو عقلية.
والآراء في هذه المسألة ثلاثة:
الرأي الأول: راي سيدنا «قده»: بأن مخالفة الاحتياط اللزومي مخلة بالعدالة.
وقد يستدل له بوجهين:
الوجه الأول: أنه مبني على مسلكه في حرمة التجري. وبيان ذلك بذكر مقدمتين:
المقدمة الأولى: إن مورد الاحتياط الوجوبي بالنسبة للعامي من موارد الشبهة الحكمية قبل الفحص. لأن الفقيه إذا احتاط وجوبا بحرمة العصير العنبي كان المورد بالنسبة للعامي من موارد احتنال الحكم الالزامي وهو الحرمة قبل الفحص.
وحينئذٍ فالاقتحام ومخالفة الاحتياط من دون فحص تجري على المولى.
المقدمة الثانية: أن التجري بنظره «قده» حرامٌ، لانه تمرد على المولى وطغيان، والطغيان حرام، فلا محال مخالفة الاحتياط اللزومي تجري والتجري حرام فمخالفة الاحتياط اللزومي معصية والمعصية مضرة بالعدالة.
وقد يناقش في ذلك: تارة بالنقاش المبنائي، من أن التجري ليس قبيحاً فضلاً عن كونه محرّماً لأن التجري مجرد كاشف عن خبث النفس وسوء السريرة وإلا فهو في نفسه ليس قبيحاً.
او انه كما هو مبنى الشيخ الاعظم، وان كان قبيحا الا ان قبحه صدوري لا فعلي، اي ليس التجري في نفسه قبيحا كي يكون محرما وانما القبح في جهة صدوره وبالتالي لا ملازمة بين جهة الصدور وبين الحرمة.
وتارة: يناقش في ذلك: لا بمنع المبنى وانما حتى مع التسليم بالمنى يقال الصورة غير متحققة، وهي كون المورد من موارد التجري.
وبيان ذلك: إنّ مقتضى اطلاق أدلة البراءة الشرعية شمولها للعامي كشمولها للمجتهد، فإن قوله: «رفع عن امتي ما لا يعلمون». شامل للعامي من أمته. غاية ما في الباب ان دليل البراءة الشرعية مقيد لما بعد الفحص إما بالارتكاز المتشرعي أو لأدلة وجوب التعلم، فإن مقتضى حكومة أدلة وجوب التعلم، «يقال: ما علم فيقول ما علمت، فيقال هلّا تعلمت ولله الحجة البالغة». اختصاص ادلة البراءة بفرض ما بعد الفحص. فالمنتفي في حق العامّي هو الموضوع وهو الفحص والا فأدلة البراءة شاملة له، وبالتالي فاحتمال العامي حرمة العصير العنبي الذي احتاط الفقيه وجوباً في مورده وان كان شبهة حكمية لكنها مشمولة لدليل البراءة غاية ما في الباب أن اجراء البراءة من قبل العامي منوط بالفحص، والفقيه هنا نائب عن العامي في الفحص، فاذا كان الفقيه قد بحث في هذه المسالة عن دليل على الحرمة فلم يجد، وإنما لم يفت بالحلّية حذراً من مخالفة المشهور مثلاً، إذا فدليل البراءة شامل للعامي، لأن الفحص قد حصل بفحص الفقيه، فيمكن للعامي اجراء دليل البراءة عن حرمة العصير العنبي أو حرمة حلق اللحية، أو ما أشبه ذلك، باعتبار ان الفقيه قد فحص ولم يجد دليلا على الحرمة.
فليست مخالفة العامي استناداً على التجري، وإنما مخالفته استناداً الى حجة شرعية الا وهي إطلاق دليل البراءة. فهل هذا الكلام تام أم لا؟ يأتي الكلام عنه غدا.