الأستاذ السيد منير الخباز

القواعد الفقیهة

36/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

بان مخالفة الاحتياط الوجوبي من قِبل العامّي هل هي مخلة بالعدالة أم لا؟. وذكرنا أن هناك أموراً:
الأمر الاول: أن محل البحث الاحتياط في الفتوى غير المقترن بالتخطئة. فإن ما يصدر من الفقيه إما فتوى بالاحتياط كما سبق عرض موارده، أو احتياط في الفتوى مقترن بالتخطئة. أو احتياط في الفتوى خالٍ من التخطئة. وذلك: بأنه إذا بحث الفقيه عن دليل على الجواز كما لو بحث عن دليل على جواز شرب العصير العنبي بعد غلاينه فلم يجد دليلا على الجواز في مقابل أدلة المنع، ولكنه احتاط وجوباً لعدم اقدامه على مخالفة المشهور مثلاً، إلا أن احتياطه مقترن بالتخطئة، بمعنى: أنه جازم بخطأ من يفتي في الجواز. فهو وإن احتاط في مقام الفتوى حذرا من مخالفة المشهور، إلا انه جازم بخطأ من يفتي. فهذا الاحتياط المقرون بالتخطئة، هل هو مانع من الرجوع مثلا الى فتوى مجتهد آخر أم لا؟
والصحيح: أنه مانعٌ، لا لأن تخطئة الفقيه حجة، إذ ما يكون حجة في حق العامي فتوى الفقيه، فما لم تصدر منه الفتوى فلا يكون هناك ما هو حجة في حقه، وتخطئة من يفتي بالجواز من قبيل تشخيص الموضوع لا من قبيل الفتوى في الحكم، اي انه يقول: بحثت المسألة إلى أن قطعت بعدم دليلٍ على الجواز، فقطعه بعدم دليل على الجواز تشخيص للموضوع وليس فتوى للحكم الكلي، وتشخيصه ليس حجة في حق العامّي، ولكن مع ذلك لا نحرز بناء العقلاء على رجوع الجاهل للعالم مع تخطئة الاعلم. فاذا افترضنا ان هناك فقيهين: اعلم لم يفتي، وانما احتاط، وعالم افتى بالجواز، ألا ان الاعلم يخطأ من يفتي بالجواز، فحيث ان مدرك حجية فتوى الفقيه هو بناء العقلاء على رجوع الجاهل الى العالم فلا نحرز بناء العقلاء على حجية قول العالم مع تخطئة الاعلم له. نظير ان يختلف طبيبان: احدهما اخبر من الآخر والأخبر يقول انا لا اذكر ما هو العلاج ولكنني اخطأ من يحدد ان العلاج كذا. فأنه لا يحرز بناء العقلاء على الرجوع الى الخبير مع تخطئة الاخبر له.
اذاً محل الكلام في مخالفة الاحتياط الوجوبي الاحتياط الغير المقترن بالتخطئة في الفتوى.
الامر الثاني: ان محل الكلام ما إذا لم يستند العامي لفتوى في حقه من قِبل العالم الآخر، والا فمع استناد العامي مع فتوى الآخر لا يكون عمله مخلا بالعدالة في استناده الى حجة شرعية في حقه. وبالتالي: فاذا صدر احتياط لزومي من قبل فقيه اعلم ولم يستند العامي لحجة على عمله، فهل أن مخالفته للاحتياط اللزومي مخل للعدالة أم لا؟.
وهنا وجوه ثلاثة:
الوجه الاول: دعوى انه مخل بالعدالة. كما يظهر من بعض استفتاءات سيدنا الخوئي «قده».
الوجه الثاني: أنه - مخالفة الاحتياط اللزومي - ليست محرزة لعدم العدالة ولا محرزة للفسق. فلا يترتب على من خالف الاحتياط اللزومي لا آثار العدالة ولا آثار الفسق. وهو ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله» في بعض استفتاءاته. فإن من خالف الاحتياط اللزومي لا يترتب عليه آثار العدالة بمعنى جواز الصلاة خلفه أو قبول شهادته ولكن لا يترتب عليه آثار الفسق أيضاً بمعنى جواز غيبته إذا كان متجاهرا بالاحتياط اللزومي. فمخالفة الاحتياط اللزومي كما أنها مانعة من احراز العدالة فإنها مانعة من احراز الفسق.
الوجه الثالث: أن مخالفة الاحتياط اللزومي وان كانت منافية للوظيفة العقلية. حيث ان الوظيفة العقلية للعامي عدم اجراء الاصل الترخيصي، ولكن ليست مخلة للعدالة ولا موجبة للفسق.
فلابد من البحث عن المدارك لكل وجه من هذه الوجوه. فما هو المدرك للوجه الذي طرحه سيدنا «قده» من أن مخالفة الاحتياط اللزومي مخلة بالعدالة.