45/03/23
نسب إلى الأشاعرة القول باختلاف الطلب والإرادة، ونسب إلى المعتزلة القول باتحادهما، وهذا ما ذهب له صاحب الكفاية قدس سره حيث ذهب إلى اتحادهما مفهوما وإنشاءً وواقعا، بمعنى أن الطلب الإنشائي المستفاد من مادة الأمر أو صيغته هو الإرادة الإنشائية، والإرادة الواقعية المتحققة في نفس الإنسان - وهي الشوق المؤكد المستتبع لحركة العضلات - هي الطلب النفساني الواقعي، كما أن مفهوم الطلب يساوي مفهوم الإرادة، فالطلب المفهومي متحد مع الإرادة المفهومية، والطلب الإنشائي متحد مع الإرادة الإنشائية، والطلب الواقعي الجدي في النفس متحد مع الإرادة النفسية، فهما متحدان مفهوما وإنشاء وواقعا كما يقول المعتزلة، نعم لفظ الطلب عند اطلاقه ينصرف للطلب الإنشائي، ولفظ الإرادة عند إطلاقها تنصرف للإرادة الواقعية النفسية، ولعل ذلك منشأ القول بتغايرهما عند الأشاعرة .
وتحقيق البحث بما يتناسب مع علم الأصول في عدة أمور كما أفاده سيد المنتقى قدس سره [ ج1ص381 -388]
الصحيح عدمه كما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره، فإن الطلب عنوان للفعل بمعنى التصدي، وأما الإرادة فعنوان لصفة نفسانية، وبين العنوانين لغةً وعرفا فرقٌ واضح، ولذلك لا يقال لمن أراد طلب العلم أو طلب الضالة أنه طلب العلم بل يقال: أراد طلب العلم، فلا يصدق عنوان طلب العلم وطلب الضالة وطلب الدنيا إلا بالفعل والتصدي لا بمجرد الإرادة. نعم، إذا أبرز الإرادة بالأمر فقال: (افعل) أو (آمرك بالفعل) صدق على إبراز الإرادة بالأمر أنه طلب، لأنه تصد وفعل من الأفعال فيصدق عليه أنه طلب لا أن الطلب يصدق عرفا على الإرادة سواء كانت واقعية أم إنشائية .
وهذه مسألة أصولية كما ذكر سيد المنتقى قدس سره، لأنه إذا كان صدور الأمر من المولى كاشفا عن وجود إرادة لزومية لدى المولى حكم العقل بضرورة العمل تحقيقا للمراد اللزومي للمولى، إذ كما يجب إطاعة أوامر المولى عقلا فإنه يجب تحقيق مراده اللزومي، ولو أبرز بإشارة أوبجملة خبرية، بخلاف ما إذا قلنا: إن الأمر لا يحكي عن وجود إرادة متعلقة بفعل الغير كما هو مبنى سيدنا الخوئي قده، وقد سبق عند البحث في حقيقة الوجوب أن الأمر كاشف عن وجود غرض لزومي للمولى ما لم ينصب قرينة على الترخيص، والغرض اللزومي غيرُ الملاك، إذ الملاك هو المصلحة والمفسدة، والغرض اللزومي عبارة عن أن المولى بعدما أدرك الملاك في فعل المكلف ودفع الموانع والعوائق عن بعثه نحوه أصبح صدور العمل من المكلف غرضا لزوميا له، أي: أصبح صدور العمل من المكلف مطلوبا لا يرضى بتركه، وهذا غير الملاك، والأمر المقترن بعدم ترخيص في الترك يكشف عن أن للمولى غرضا لزوميا في الفعل، سواء أكان كشف الأمر عن ذلك الغرض اللزومي بالانصراف - كما هو المختار - أو بالإطلاق المقامي للأمر إن لم تتم مبادئ الإنصراف - فإنه مما يحرز به الغرض اللزومي في بعض الموارد -، نعم بعد كشف الأمر عن الغرض اللزومي يصدق على الأمر مادة أو صيغة أنه طلب، لا أن وراءه طلب، بل الأمر بما أبرزه مصداق للطلب ، ومع ذلك لا مشاحة في الاصطلاح بأن يطلق على الغرض اللزومي عنوان الطلب النفسي أو يطلق عليه الإرادة، فإنه ليس في نفس المولى عند أمره أكثر من غرضه في فعل المكلف وإرادة إبراز الغرض بالأمر .
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ونفى المحقق الأصفهاني قدس سره[1] بالبرهان وجود عنصر غير العلم والإرادة يعبر عنه بالكلام النفسي، إلا أن المحقق الدواني وسيد المنتقى قدس سره الشريف[2] ذكرا أنه لا محذور في كلام الأشاعرة، فإن المتكلم إذا ذكر جملة خبرية كـ(الإمام معصوم) فإنه قبل ذلك يتصور الموضوع والمحمول والنسبة بينهما والتصديق بالنسبة والبناء عليها وبعد ذلك يخبر أن الإمام معصوم، فعلمه بالعصمة وإرادته للإخبار عنها عنصران ومعهما عنصر ثالث وهو تصور الموضوع وتصور المحمول وتصور النسبة والتصديق بها والبناء عليها، وهذا العنصر الثالث هو الكلام النفسي، ولا يريد هؤلاء غير هذا المعنى، ولا محذور فيه.
ومن أجل ذلك فلا محذور في الالتزام بالكلام النفسي بما هو مدلول للفظ، أو يناله السامع ولو بالملازمة العقلية.
نعم استثنى قدس سره من ذلك الإنشائيات، فقال: إن الأشاعرة التزموا بالكلام النفسي في الخبريات والإنشائيات وعبروا عنه في الإنشاء بالطلب النفساني، والصحيح أنه لا معنى له في الإنشائيات، فإن المولى إذا أصدر الأمر وقال: (قم) فليس وراء علم المولى بغرضه وإرادته امتثال العبد لأمره عنصر ثالث يسمى بالكلام النفسي أو الطلب النفسي.