الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

وقع البحث في أنه بناءً على عدم تنجز العلم الاجمالي في فرض خروج احد الطرفين عن محل الابتلاء، وقع في البحث في انه إذا حصل الشك في خروج الطرف عن محل الابتلاء أو عدمه فما هي الوظيفة؟ هل هي البناء على منجزية العلم الاجمالي أم لا؟.
والكلام في موردين: إذ تارة: يقع الكلام في الشبهة المفهومية. وأخرى: في الشبهة المصداقية.
بيان ذلك: تارة: لا يدري المكلف هل البناء في بيته أو في بيت جاره، كأن يقول علمت اجمالا بنجاسة احد الاناءين اناءي أو اناء زيد، ولكن لا ادري هل اناء بيتي في بيتي فيكون محل ابتلائي وفي بيتي جاري فهو خارج عن محل ابتلائي، فالشبهة حينئذ مصداقية.
وتارة: تكون الشبهة مفهومية، بمعنى أنني أدري أن هذا الفرش فرش جاري، فإنا اعلم إجمالاً بالنجاسة إما في فرشي أو فراش جاري، ادري بذلك، لكن هل يعد فراش جاري خارجا عن محل ابتلائي لأنني لا ادخل بيته الا في الاعياد، أو ليس خارجا عن محل ابتلائي فهذه شبهة مفهومية.
فالكلام فعلاً في المورد الاول: وهو الشبهة المفهومية، إذا علمت اجمالاً إما بنجاسة فراشي أو فراش جاري، ولا ادري هل فراش جاري محل ابتلاء فيكون العلم الاجمالي منجزاً؟ أم خارج عن الابتلاء فليس بمنجز.
فهنا كما افاد الاعلام: بأن عنوان الخروج عن محل الابتلاء أو الدخول في محل الابتلاء لم يرد في نص كي نبحث عن مفهومه أو مصداقه، وانما الذي يؤثر في تنجيز العلم الاجمالي أو عدمه ملاك ذلك ومناطه وليس هو نفس هذا المفهوم، اي أن الخروج عن محل الابتلاء إنما يوجب عدم منجزية العلم الاجمالي لا لموضوعية فيه بل لملاك اخر يقتضي ذلك، فلابد من النظر لذلك الملاك ما هو؟ لنبحث في ان الشك في المقام هل يؤثر في تمامية الملاك أم لا؟.
لأجل ذلك نعود الى الملاكات التي ذكرت لإثبات عدم منجزية العلم الاجمالي عند خروج احد الطرفين عن محل الابتلاء. فهنا ملاكات ثلاثة:
الملاك الأول: قالوا بأن شمول التكليف للطرف الخارج عن محل الابتلاء مستهجن عرفاً، فلأجل ان شمول التكليف للطرف الخارج عن محل الابتلاء مستهجن إذاً إذا كان احد الطرفين خارجا فالعلم الاجمالي بالتكليف ليس منجزاً، فهنا في المقام إذا شككنا لا ادري هل ان فراش جاري خارج عن محل الابتلاء أم لا؟ اي لا ادري هل ان شمول التكليف باجتناب فراش جاري مستهجن أم ليس بمستهجن؟. اي لا ادري أن اجتناب النجس فعلي في حقي أم لا؟. إذاً منشأ الشك هو الشك في الملاك، هل ان شمول التكليف لإناء جاري مستهجن في هذا الفرض أم ليس بمستهجن؟.
فهنا افاد الشيخ الأعظم «قده»: بأنه إذا شككنا في التكليف تمسكنا بإطلاق الدليل، بالنتيجة لو كان فراش جاري خارجاً عن محل ابتلائي فقوله: اجتنب النجس. لا اطلاق له لما يشمل فراش جاري، وأما ان كان داخلا في محل الابتلاء شمله الاطلاق، فنحن لا ندري اذاً نتمسك بالاطلاق «اطلاق خطاب اجتنب النجس» لإثبات شموله لإناء الجار، والنتيجة ليس هو العلم الاجمالي لانه لا يوجد لدينا علم اجمالي منجز ما دمنا نشك في خروج احد الطرفين عن محل الابتلاء، لكن لدينا حجية إجمالية، فالمقام من موارد الحجة الإجمالية، لا من موارد العلم الإجمالي، والسر في ذلك:
أننا نقول: قام لدينا اطلاق وهو اطلاق اجتنب النجس، وهذا الاطلاق اما ان يشمل فراشي أو ان يشمل فراش جاري، فانا اعلم بحجة اجمالية اي حجة على احد الطرفين والا ليس لي علم اجمالي لأنني اشك في خروج فراش جاري عن محل الابتلاء، وعلى تقدير خروجه فليس هنالك علم بتكليف فعلي، فمع هذا الشك إذاً ليس لدي علم إجمالي بتكليف فعلي، لكن لدي علم بحجة إجمالية، اي بقيام إطلاق حجة اما على الشمول لفراشي أو الشمول لفراش جاري، فيكون المنجز هو الحجة الاجمالية.
وهذا الذي ذكره الشيخ الاعظم «قده» أورد عليه من قبل الاعلام بايرادات ثلاثة:
الايراد الاول: ما ذكره صاحب الكفاية «قده» ومحصّله:
أن التمسك بالإطلاق فرع احراز الامكان، والمفروض ان الشك في الامكان، فكيف يتمسك بالاطلاق؟ لأن كلامنا ليس في الاطلاق الاثباتي فإن هذا الاطلاق الاثباتي موجود، اي ان قوله اجتنب النجس شامل إثباتاً لإناء جاري أو فراش جاري لو كان هو النجس. هذا لا كلام فيه. إنما الكلام في إمكان شمول الإطلاق ثبوتاً له، أي لو كان فراش جاري خارجاً عن محل الابتلاء لم يمكن شمول الخطاب ثبوتاً له، وإن كان شاملاً له إثباتاً، فالبحث في إمكان الشمول ثبوتاً وليس البحث في إمكان الإثبات. فكيف نتمسك بالاطلاق ونحن لا نحرز امكان هذا الاطلاق ثبوتاً.
ولكن المحقق النائيني «قده» في «الأجود» قال: بأن البناء العرفي لدى اهل المحاورة إذا حصل الشك في الحجية يتمسكون بالظهور ولا يترددون في ذلك، إذ المفروض أن الشك ليس في الظهور بل الشك في الحجية، _يعني في اصالة التطابق بين مقام الاثبات وبين مقام الثبوت_، ولذلك لا تجدهم يترددون في التسمك بدليل التكليف عند الشك في الملاك، مثلاً: عندما يقولون: قوله: ادفن الميت. هل يدل على وجود ملاك في دفن الميت أم لا؟ فهنا الشك في الامكان، لأن فعلية التكليف فرع وجود ملاك، فإذا شككنا اساسا في ان هناك ملاكا أم لا، اي إذا شككنا في أتصاف دفن الميت بالملاك، إذاً مقتضى كلامكم أن نتمسك بقولكم «ادفن الميت»، لأن ثبوته فرع إمكانه وإمكانه فرع وجود ملاك، إذا وجد الملاك صار الخطاب «ادفن الميت» ممكن. وإذا كان ممكن صح التمسك بظاهر لإثبات الوجوب، مع انه لا كلام لدى احد في التمسك بظاهر الخطاب لإثبات انه ذو ملاك.
إذاً هذا نقض واضح وهو أنه: في الموارد التي يشك في وجود الملاك يكون الشك في الامكان، «امكان الخطاب» ومع انه شك في الامكان يتمسكون بظاهر الخطاب لإثبات انه ذو ملاك، ولا يترددون في ذلك، وهذا ما يعبرون عنه بالدلالة الإنيّة، كشف المعلول عن علته. فإن الخطاب فرع الملاك. أيضاً في المقام كذلك، نحن نعرف أن هذا خطاب، وله اطلاق يشمل في حد نفسه فراش الجار لو كان هو الفراش المتنجس، لكن لا ندري هل يصح هذا الاطلاق أو لا يصح؟ إذ لو كان فراش الجار خارجاً عن محل الابتلاء لم يصح، وإذا كان داخلاً في محل الابتلاء صح، فلا ندري هل يصح هذا الخطاب أم لا؟. نتمسك بظاهر الاطلاق، اي بأصالة التطابق بين مقام الاثبات وبين مقام الثبوت لإثبات ان الخطاب شامل له ثبوتاً.
لكن الكلام في أن الشك في الإطلاق أو الشك في حجية الإطلاق؟. فإن ما يظهر من عبارة الشيخ الاعظم «قده» في الرسائل انه يشك في حجية الاطلاق الاطلاق موجود ولا ندري هل هو حجة لأن الطرف الثاني خارج عن محل الابتلاء أو ليس بحجة، نتمسك بالإطلاق ولا يتردد العقلاء في ذلك.
ولكن ظاهر عبارة الآخوند «قده» ان المقام ليس من قبيل الشك في الحجية بل الشك في اصل الاطلاق، فلا يصح النقض عليه فيما إذا شك في الملاك، فإن المولى إذا قال: ادفن الميت الذمّي، أو ادفن الميت الخارجي، ولا ندري أن هذا الكلام ذو ملاك أم لا؟ هنا انعقد الظهور وإنما الشك في حجيته لأجل الشك في وجود ملاك أم لا؟ فنتمسك بالظهور.
أما محل الكلام فإنه من الشك في أصل الاطلاق، لأن الإطلاق متقوم بمقدمات الحكمة، ومنها: كون المولى في مقام البيان، ومنها: ان لا ينصب قرينة على التقييد، ومنها: انه يمكنه الاطلاق ويمكنه التقييد، اي ان بحسب المباني، ان يتساوى الطرفان بمعنى: انه يمكنه ان يقيد ويمكنه ان لا يقيدن فيحرز ان المقام من موارد تساوي الطرفين من جهة الامكان، فإذا انعقدت هذه المقدمات تم الإطلاق إثباتاً كشف عن الإطلاق ثبوتاً، والكلام في انعقاد المقدمات. اي ان هل هذا المورد من موارد امكان الاطلاق والتقييد أم لا؟. لأنه مع فرض الاستهجان فليس يكون من موارد امكان الاطلاق أو التقييد كي تتم المقدمة الثالثة من مقدمات الحكمة فينعقد الاطلاق إثباتاً فينكشف عن الاطلاق ثبوتاً. هذا هو أول الكلام. إذاً فالحق: مع صاحب الكفاية «قده» في هذا الامر.
الإيراد الثاني: ما تعرض له شيخنا الاستاذ «قده» في «دروسه، مسائل علم الاصول» بأن المقام من موارد الشك في المقيِّد المتصل. أي لو اغمضنا النظر عن كلام صاحب الكفاية وهو ان المقام من موارد الشك في الامكان، ونحن ودعوى الشيخ الأعظم الذي يقول بأنه: هناك إطلاق نشك في حجيته، لقلنا في مقابله: إن اطلاق كل خطاب محفوف بمقيّد لبّي متصل وهو أن لا يكون مستهجناً عرفا فإن الاستهجان العرفي من قبل المقيد المتصل. ومن الواضح ان الشك في المقيد المتصل شك في اصل الظهور وليس شكا في الحجية. فاذا قال المولى: صل على الارض، وكان هذا الخطاب محفوفا بارتكاز متشرعي وهو ان لا يصلى على الأرض الصبخة مثلاً، فإذا شككتم في هذا المقيد فقد شككتم في أصل الظهور نفسه. هنا في محل الكلام الشك في المقيد، لأن الخطاب مقيد بأن لا يكون مستهجناً ولا ندري ان شموله لفراش الجار مستهجن أم لا؟ فهو شك في المقيِّد المتصّل والشك في المقيِّد المتصّل موجبٌ للإجمال وعدم انعقاد الظهور.
ثم اجاب عنه «قده»: بأن المقام من قبيل الشك في المقيِّد المنفصل لا في المقيد المتصل، وهذا يبتني على بحث: أن الاستهجان اي استهجان التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء، هل هذا الاستهجان واضح بديهي؟ فيكون من قبيل المقيِّد المتصل؟ أم ان هذا الاستهجان امر نظري يحتاج الى تأمل وتدقيق فيكون من قبيل المقيِّد المنفصل. ومن الواضح أصولياً إذا شك في المقيد المتصل فقد شك في اصل الظهور. واما إذا شك في المقيد المنفصل فالظهور محرز وانما يشك في الحجية فيتمسك بالظهور لنفي المقيد المنفصل.
إذاً ينبغي في أن تبحثوا أن استهجان التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء هل هو امر واضح؟ أم هو امر خفي فيكون من قبيل المقيد المنفصل.
ويمكن ان يقال في المقام: على مبنى الاعلام: المقيد للخطاب هو الاستهجان الواضح، اي انما يرفع العقلاء والعرف يدهم عن الخطاب إذا كان الاستهجان واضحاً لا بما إذا كان الاستهجان خفياً، إذاً المقيد هو مقيد متصل لكن هذا المقيد المتصل هو الاستهجان الواضح، وبالتالي فهل انا شاك في العرف أم ان العرف نفسه شاك. فتارة نفترض ان الاستهجان موجود لدى العرف، أنا شاك في حدوثه، لا أدري هل العرف يرى شمول الخطاب لفراش جارس مستهجن أم لا؟ فأنا شاك في الارتكاز العرفي، وتارة: العرف نفسه شاك لا يدرون ان شمول الخطاب لفراش الجار مستهجن أم لا؟. فإن كان الشك من قبل المكلف في ارتكاز العرف، إذاً المقيِّد موجود وانما يشك المكلف في حدوده، يعني الشك في قرينية الموجود، لا في وجود القرينة. المقيد موجود وه الاستهجان العرفي، ولكن انا لا ادري ان هذا الاستهجان العرفي لا يشمل فراش جاري أم لا؟ فإنا شكّي في حدود هذا المقيد المتصل، وحينئذٍ لا يمكنني ان اتمسك بالإطلاق، لأنني ادري ان هذا الاطلاق مقيد، ولكني اشك في حدود المقيد، فاذا شككت في حدود المقيد كان ذلك مساوقاً للشك في نفس الإطلاق، للشك في نفس الظهور فلا يصح التمسك.
وأما إذا رجعنا الى اهل العرف، لا ندري شمول الخطاب شامل لفراش جارك مستهجن أم لا؟ فأقول: نفسك شكهم دليل على عدم المقيد، لأن المقيّد الاستهجان الواضح، فمع شكي العرفي نفسه لأن هناك استهجان أم لا؟ فأصل المقيد معلوم العدم. فلا مانع حينئذٍ من التمسك بالإطلاق.
الإيراد الثالث: ما ذكره السيد الشهيد في «البحوث»، ومحصّله:
ان المقيد قبح التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء، قال: الملاك في عدم شمول التكليف لما هو خارج عن محل الابتلاء حكم العقل، لان التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء حكم العقل بأن التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء قبيح. فهناك حكم عقلي، والحكم العقلي هو المقيد للخطاب، فكل خطاب مقيَّد بأن لا يقبح عقلا شموله. فإذا شككنا في ان فراش الجار خرج أم لم يخرج. يعني شككنا في ان التكليف قبيح أم ليس بقيح، فالشبهة ليست مفهومية بل مصداقية. فنحن نعلم بما هو المقيِّد وهو ان لا يكون التكليف قبيحاً. لكن ليس شكنا في القبح وعدمه يعني ليس شكنا في المقيد وعدمه بل شكنا في مصداقه. هل أن هذا المورد من مصاديق ما يحكم العقل بقبح شمول التكليف له أم لا؟ فالشك في مصداق المقيِّد وليس الشك في مفهوم المقيد فإن القبح واضح المعنى، إذ ليس الكلام في معنى القبح، مفهوم القبح واضح الشك في مصداقه، ومتى ما وقع الشك في المصداق لم يصح التمسك بالعام، إذ لا يصح التمسك بالدليل العام في الشبهة المصداقية لمقيده سواء كان هذا المقيد متصل أو منفصل.
هل هذا الكلام للسيد تام أم لا؟.