الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

مطلب جديد: هو ما تعرّض له العلمان النائيني في رسالة «اللباس المشكوك، ص98». وسيدنا «قده» في «ج12، الموسوعة، ص226». ومحصّله:
أن مانعية ما لا يؤكل لحمه من صحة الصلاة هل تختص بالمحرمات بالذات كالسباع أم تشمل المحرمات بالعرض؟ كحرمة الموطوء وحرمة الجدي الذي ارتضع من لبن الخنزيرة؟ وعلى فرض شموله للمحرّمات بالعرض فهل يشمل الحرّمة العرضية المؤقتة؟ أم يختص بالحرمة العرضية الثابتة؟ فمثلا هناك فرق بين حرمة الموطوء وحرمة الجلّال، فإن الحيوان الموطوء لا تزول حرمته، واما الحيوان الجلال فحرمته قابلة للزوال باستبرائه، فهل يشمل قوله: «الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة» هل يشمل من صلى في جلد الجلال أم لا؟.
ولأجل بيان هذا المطلب طرح سيدنا «قده» أموراً:
الأمر الاول: هل المراد ب «ما حرم أكله» المأخوذ في مؤثقة ابن بكير عنوان ملحوظ على نحو الموضوعية؟ أم عنوان ملحوظ على نحو المشيرية؟ وبيان ذلك:
تارة نقول: بأن الحيوان المحرّم الاكل له حكمان أو اثران شرعيان في عرض واحد، مثلاً: الاسد أو الثعلب، الثعلب له أثران شرعيان: الأثر الاول: حرمة أكله. والاثر الثاني: عدم صحة الصلاة فيه. فهذان الاثران في عرض واحد. وهذا معناه: ان عنوان المحرّم الأكل المأخوذ في موثق ابن بكير ليست له موضوعية في مانعيته من الصلاة وانما هو ملحوظ على نحو المشيرية، أي كأنه قال: ان الصلاة في جلد الاسد لا تصح كما يحرم أكله لا لأنه يحرم اكله. لا لأنه يحرم أكله لا تصح الصلاة فيه، بل بما هو أسد لا تصح الصلاة فيه لا بما هو حرام الاكل، فبما هو اسد له اثران في عرض واحد ليس بينهما طولية، يحرم أكله ولا تصح الصلاة فيه.
ام نقول: عدم صحة الصلاة اثر لحرمة الاكل لا اثر لكونه اسدا أو ثعلبا أو ذئبا وما اشبه ذلك، فإذن هل عنوان ما له لحم له موضوعية فليس المدار على العناوين وهو كونه من السباع أو كونه من الوحوش أو كونه من احناش الأرض أو كونه ما كان صفيفة اكثر من دفيفة ليس لها مدخلية في عدم صحة الصلاة.
لأن عنوان حرم الأكل له موضوعية لأنه يحرم أكله لا تصحل الصلاة فيه لا لأنه من السباع، لا لأنه من المسوخ؟ أم نقول: كلمة «محرم» مجرد عنوان مشير، كأنه قال: ان الصلاة في السباع والوحوش والمسوخ واحناش الارض وما ليس له فلس فاسد؟ فكونه سبعا له أثران في عرض واحد.
ذهب المحقق النائيني «قده» إلى المشيرية، واستظهر من موثقة ابن بكير: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في شعره وروثه والبانه وكل شيء منه فاسد» استظهر من عنوان: «حرام اكله» ما حرمته الشريعة، كأنه قال: انظر ما حرّمناه من العناوين فإنها لا تصح الصلاة فيها. اشارة إلى هذه العنوانين المذكورة في الروايات. إن الصلاة في وبر كل ما ورد في الروايات حرمة له فإن الصلاة فيه فاسدة. فهو مجرد عنوان مشير لا حرمته الشريعة.
أو أننا نقول: ظاهر العبارة: أن لحرمة الأكل موضوعية، وهذا ما يقوله سيدنا الخوئي «قده»: مقتضى قاعدة الاحتراز ان للعنوان موضوعية، الأصل في العناوين الاحترازية، مقتضى قاعدة الاحتراز: ان لعنوان حرمة الاكل موضوعية، فلأنه يحرم أكله لم تصح الصلاة فيه لا لأنه اسد أو سبع الخ.. هذا هو الظاهر من موثق ابن بكير.
ولا يبعد ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» ان للعنوان موضوعية. يعني لو كنا نحن وموثق ابن بكير لقلنا بهذه المقالة وهي: ان لحرمة الاكل موضوعية.
لكن بلحاظ ما تقرر سابقاً وهو وجود روايات عللّت المانعية بعلل اخرى: عنوان «يصيد»، عنوان «يأكل اللحم»، عنوان: «له ناب ومخلب». فبعد ورود مجموع من الروايات ذكرت علل أخرى للمانعية. نذهب إلى ما ذهب اليه الميرزا النائيني «قده» على الاقل نقول: لا نحرز ان لحرمة الاكل موضوعية بعد ورود علل اخرى للمانعية في الروايات. فالذي اوجب ن نخرج عن قاعدة الاحترازية في العناوين ورود علل للمانعية في الروايات الاخرى.
المطلب الثاني: سيدنا الخوئي «قده» يقول: بعد المفروغية عن ان المدار على حرمة الأكل، يعني سلمنا بمناه وهو ان المدار على حرمة الاكل لا على العناوين الخاصة. نبحث: هل المدار على الحرمة الفعلية أو الحرمة الجعلية؟
إذا كان المدار على الحرمة الفعلية هذا يختلف باختلاف الحالات والاشخاص والطوارئ، مثلا الآن أصبح هذا الحيوان حلالا في حقك لكنه حرام بحسب العنوان الاولي، مثلا من اضطر لأجل البرد الشديد للبس جلد الأسد، لا اشكال ان اللبس حلال له، هل المدار في الحرمة على ما كان حراماً بالفعل بحيث لو صار حلالا بالفعل لصحت الصلاة فيه؟ أو المدار على الحرمة الجعلية؟ أي أن الشارع جعله مما لا يؤكل وإن كان الآن حلال. فرق بين الامرين هو بالحرام الاولي حرام وان كان هو بالعنوان الثاني كالاضطرار صار حلالاً.
فتارة نقول: ان المدار على حرمة الأكل بالفعل، إذن بالنتيجة لو حل أكله لأجل الاضطرار فحينئذٍ تصح الصلاة فيه.
وتارة نقول: ان المدار على الحرمة الجعلية. الشارع جعله مما يحرم أكله بالعنوان الاولي، كونه حلالاً بالعنوان الثانوي هذا لا يوجب صحة الصلاة فيه.
فأجاب سيدنا «قده» على الثاني: أي على فرض ان لحرمة الاكل موضوعية وليست على نحو المشيرية، فهل المراد بالحرمة التي تترتب عليها المانعية هي الحرمة الفعلية المنحلة لأحكام عديدة بحسب اختلاف الاشخاص والحالات والطوارئ الدخيلة في فعلية الأحكام؟ فلا يكون المانع إلا الحيوان المحرم أكله بالفعل. فلو حرم أكله لغصب، لا لعنوانه، فهل لا تحل الصلاة في جلدها؟، أو حل اكل الاسد لأجل ضرورة فهل تصح الصلاة فيه لأنه حلال؟ هذا معناه المدار على الحرمة الفعلية. وأما ما حل أكله لأجل الاضطرار ونحوه فلا باس به، أو المراد الحرمة المجعولة في اصل الشرع مع قطع النظر عن الطوارئ والملابسات المانعة عن فعلية الاحكام.
ويلاحظ على كلامه «قده»:
لا يبتني البحث في الامر الثاني على الامر الاول بمعنى: انه لو قلنا لحرمة الاكل موضوعية يأتي البحث في أن الموضوع هو الحرمة الجعلية أو الحرمة الفعلية؟ بل حتى لو قلنا بأن حرمة الاكل مجرد مشير للعناوين الاخرى يأتي البحث هل ان المدار في المانعية على كونه سبعاً ولو حل أكله للضرورة؟ أو لا؟ على كونه سبعاً، محرّماً.
وبعبارة أخرى: هل المدار في المانعية على الجعل الاولي وهو انه سبع؟ أو تشمل العناوين الثانوية؟ فالبحث في الامر الثاني لا يبتني في المفروغية في البحث عن الأمر الاول؛ ولذلك المحقق النائي نفسه في بحثه في «اللباس المشكوك، ص98» قال: بأن العنوان مأخوذ على نحو المشيرية، ومع ذلك بحث هذا الوجه.
واما ما هو الحق في هذا الامر الثاني: الحق كما يقول به النائيني والسيد الخوئي والسيد محسن، وغيرهم من الأعلام: ان المدار على ما حرّم بالعنوان الأولي ولا يشمل ما حرّم بالعنوان الثانوي. والوجه في ذلك: ان ظاهر قوله «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله» ظاهره ان المراد بالحرمة: ما اتصف بها الحيوان في رتبة سابقة على حالات المكلّف، ما اتصف بالحرمة والحلية في رتبة سابقة لا ما اتصف بالحرمة والحلية بلحاظ المكلف انه مضظر أو غير مضظر، غاصب أو غير غاصب، لان هذا اتصاف لا بلحاظ حال الحيوان بل بلحاظ حال المكلف. وظاهر الاوصاف انه وصف للشيء بلحاظ حال ذاته لا بلحاظ حال غيره، فعندما يقال: هذا حيوا حرام الاكل يعني حرام الاكل في نفسه في ذاته، لا انه حرام الاكل بلحاظ أن المكلف غصبه، هذا الحيوان حلال الاكل يعني حلال الاكل بذاته لا انه حلال الاكل بلحاظ ان المكلف اضطر اليه.
فبالنتيجة: حيث إن الرواية لها ظهور في اتصاف الحيوان بالحرمة بالنسبة لذاته لا الحرمة بالنسبة لوصف خارج عنه. نقول: ان الظاهر هو الحرمة بالعناوين الأولية.
الامر الثاني: السيد الخوئي قال: وعلى الثاني _يعني سلمنا ان المراد بالحرمة الحرمة الجعلية، يعني الحرمة بالعنوان الأولي: إذا كان المدار على الحرمة الجعلية فهل تختص بالحرمة الذاتية أم تشمل الحرمة العرضية؟
الحرمة الذاتية: حرمة اكل السباع والوحوش والاحناش. والحرمة العرضية: ثلاثة عناوين: الموطوء، المرتضع من لبن الخنزيرة، الجلّال.
نقول: هل موضوع المانعية الحرمة الذاتية؟ فتختص بالحرمة التي ثبتت للحيوان منذ الاول، لأنه سبع؟
ام تشمل الحرمة العرضية يعني الحرمة التي تثبت للحيوان بلحاظ عنوان عارض عليه بما هو حيوان؟ هل المراد الحرمة الطبيعية الثابتة للحيوان بعنوانه الذاتي أو تعم الثابتة له بعنوان عارض؟ كموطوء الإنسان أو الجدي الشارب لبن الخنزيرة؟ فيكون موضوع المانعية كل حيوان محكوم بحرمة الاكل في اصل الشرع، سواء كان التحريم بعنوانه الاصلي أو لأجل عروض عنوان اقتضى تحريماً.
قال: نعم، تشمل، قلنا: الظاهر من «حرام اكله» ان لحرمة الاكل موضوعية، ومقتضى إطلاق هذه الموضوعية شمولها للحرمة العرضية.
لو قلنا بمبنى النائيني أي أن حرمة الاكل مجرد مشير؟
حتى بناءً على القول بالمشيرية يتم المطلب. لان المحقق النائيني يقول: هناك محرمات في الشريعة وقد ثبتت الحرمة لعنوانين معينة، منها عنوان: السبع، منها عنوان المسوخ، منها عنوان الموطوء، منها عنوان ما ارتضع من لبن الخنزيرة. فبالنتيجة قولنا: بأن الحرام مشير لا يعني انه مشير لخصوص ما اتصف بالحرمة الذاتية، بل يشمل ما اتصف بالحرمة العرضية، لأنه حتى الحرمة العرضية ثبتت لعنوان الموطوء لعنوان المرتضع، فكما أن الحرمة الذاتية ثبتت لعنوان، كذلك الحرمة العرضية ثبتت لعنوان. فكلمة «حرام أكله» مشير لما اتصف بحرمةٍ لأجل عنوان. فلا فرق بين المطلبين في هذه النقطة، لذلك تركيز السيد الخوئي على هذه المطالب فرع ان نقول ان لحرمة الأكل موضوعية لا وجه له. بل حتى لو قلنا بأن حرمة الاكل مشير تأتي هذه البحوث وتأتي هذه الاختيارات. فافهم واغتنم.