الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ما زال الكلام في الشرط الرابع من شروط لباس المصلّي، وهو: أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه.
وقد وقع الكلام في تفاصيل هذا الشرط:
التفصيل الأول: أنه هل يشمل هذا الشرط ما يقع على ثوب المكلف من بول أو غائط لما لا يؤكل لحمه أو يختص الشرط باللباس نفسه، بأن يكون اللباس مما لا يؤكل لحمه؟.
وقد أفاد جملة من الاعلام بأن هذا الشرط يشمل ما يتلوث به الثوب، فلو فرضنا أن الثوب مما يؤكل لحمه ولكنه تلّوث ببول وروث مما لا يؤكل لحمه لم تصح الصلاة فيه. والوجه في ذلك:
ما أشار إليه سيد المستمسك قده: بانه لا يصدق صدق الظرفية حتى في هذا الكلام. فإن العنوان الوارد في لسان الدليل هو كلمة «فيه»: «إنّ الصلاة في كلِّ شيءٍ حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه وألبانه، وكل شيء منه فاسد.»
فبما ان التعبير الوارد في الراوية: «فالصلاة في روثه» و«في ألبانه فاسد» فهذا العنوان وهو ظرفية هذا البول والروث للصلاة صادقة على ما إذا تلّبس الثوب بشيء من البول أو الروث، إذ كان أن اللباس ظرف للصلاة أي لحركة المصلي، فكذلك كلّ جزء من الصلاة هو ظرف للصلاة، أي كما ان تمام الثوب ظرف للصلاة بحيث يقال صلى في الثوب، كذلك ان كل جزء من اجزاء الثوب هو ظرف للصلاة، وبما ان بعض هذه الأجزاء متلبس في بول ما لا يؤكل لحمه أو بروث ما لا يؤكل لحمه صدق على المصلي انه صلى في روث ما لا يؤكل لحمه أو بول ما لا يؤكل لحمه. فالظرفية صادقة في مثل هذا الفرض.
وعلى فرض خفاء الصدق _اذا افترضنا انه لا يصدق عرفا انك صليت فيما لا يؤكل، لأنك صليت فيما يؤكل وانما تلبس الثوب بفضلات ما لا يؤكل، فلا يصدق عرفا انك صليك فيما لا يؤكل. فهنا أفاد في المستمسك: هذا يتم فيما لو كان المراد ب «في» الظرفية. ولكن المراد بهذه العبارة المصاحبة والمعية، كانه في قوله «لا تصلي فيما يؤكل لحمه» كأنه قال: لا تصلي مصاحبا لما لا يؤكل لحمه، فالمقصود ب «في» ليست الظرفية وإنما المصاحبة والمعية، فإذا كان المراد بها المصحابة والمعية شملت ما اذا وقع على الثوب شيء من البول أو الروث مما لا يؤكل لحمه.
وإذا قلت: ان «في» ظاهرة في الظرفية، والظرفية لا تصدق على وقوع شيء على ثوبه، وانما تصدق على ثوبه، لأن ثوبه هو ظرف لحركة الصلاة.
فحينئذٍ قد يستدل على ذلك برواية الهمداني: رواية ابراهيم ابن محمد الهمداني قال: «كتبت اليه «إلى أبي محمد الحسن العسكري ع» يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة، فكتب : لا تجوز الصلاة فيه».
ولكن، مع وضوح دلالة رواية ابراهيم، ضعّف سندها من خلال رجلين أو راويين.
الاول: ابراهيم الهمداني نفسه، لأنه لم يرد طريق لتوثيقه غير انه حج اربعين سنة وكان وكيلا للناحية المقدّسة، وروى الكشي: بسنده عن الدينوري، قال: كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله في العسكر، فورد علينا رسول من الرجل، فقال: الغائب العليل ثقة، وايوب بن نوح وابراهيم ابن محمد الهمداني، وأحمد ابن حمزة، وأحمد ابن اسحاق ثقات جميعاً.
وقد أشكل على الجميع: بانه اما حجة اربعين سنة فلا يفيد الوثاقة، واما انه وكيلا للناحية المقدسة. فغايته انه كان امينا في قبض الاموال وايصالها واما الوثاقة اللسانية فلا يستفاد من ذلك. واما هذه الرواية فلو تمت سندا لكانت دليلا على وثاقته، لكنها غير تامة في السند لمشكلة في الدينوري.
فالنتيجة: انه لم تثبت وثاقة إبراهيم بن محمد الهمداني.
الثاني: «عمر ابن علي ابن عمر ابن يزيد»، وهو لم تثبت وثاقته ولكن، ذكر سيدنا «قده» في «ج12، ص171، وذكر أيضاً في معجم رجال الحديث»:
قد يقال في توثيقه «عمر ابن علي ابن عمر ابن يزيد» عدم استثناء محمد ابن الحسن ابن الوليد من كتاب «نوارد الحكمة» وهذه الكبرى ذكرها الوحيد البهباني في عدة موارد وأخذها منه جمع منن تأخر. فقال: إن ابن الوليد _محمد ابن الحسن_ شيخ القميين مع اعترافه بجلالة محمد أبن احمد ابن يحيى الاشعري «نوادر الحكمة» لا يعمل بجميع رواياته لنقله عن الضعاف فاستثنى عدة ممن يروي عنهم يبلغ عدده خمسة وعشرين راوياً. فلم يعتمد على روايته عنهم. وقد وافقه القميون على ذلك، «وافقوا أبن الوليد ومنهم تلميذه الشيخ الصدوق» الا في محمد ابن عيسى العبيدي الذي وقع الكلام فيه من بعضهم.
السيد الخوئي يقول: وكيف كان فقد ذكر البهباني: أن اقتصار ابن الوليد في الاستثناء على الخمسة والعشرين، شهادة بتوثيق غيرهم «يعني من لم يسثنه فهو ثقة». ممن يروي محمد ابن أحمد ابن يحيى عنهم، وحيث إن من جملتهم _يعني ممن لم يستثنى عمر ابن علي ابن عمر اين يزيد فيشمله التوثيق العام.
أشكل السيد الخوئي على هذه الكبرى بإشكالين:
الاشكال الاول ذكره في «معجم رجال الحديث» قال: ان مسلك تصحيح القميين في تصحيح الرواية لم يحرز ما هو المناط فيه، فعلل المناط عندهم اصالة العدالة، بمعنى أنه من كان إمامياً ولم يظهر قدح فيه بنوا على الاخذ بروايته، أو لعل مبانهم هو الوثوق بمعنى انه لا يعمل بالرواية بمجرد وثاقة الراوي حتى تجتمع قرائن الوثوق.
وبالتالي: فمجرد عدم استثناء ابن الوليد لباقي الرواة لا يعني شهادته بتوثيقهم فلعله يعمل برواياتهم من باب اصالة العدالة أو يعمل برواياتهم من باب اجتماع الوثوق، وبالتالي مجرد استثناء الضعيف لا يدل على توثيق الباقي.
ويلاحظ على ذلك:
ان ظاهر عدة من كلمات القدماء ان مسلك الصدوق كان على الوثاقة، أي ان مناط قبول الرواية عنده هو وثاقة الراوي لا مجرد وثاقة العدالة.
من هذه الكلمات: ما ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمة سعد ابن عبد الله، عن الشيخ الصدوق قال: «وقد رويت عنه «عن سعد» كل ما في المنتخبات مما اعرف طريقه من الرجال الثقات».
فظاهره: إنما يعتمد في رواية الحديث اذا كان الطريق من الرجال الثقات.
ثانيا: قال الشيخ نفسه «الصدوق، في الفقيه»: أما خبر صلاة الغدير والثواب المذكور فيه لمن صام فإن شيخنا «ابن الوليد» كان لا يصححه، فهو عندنا متروك غير صحيح، «وعلل ذلك» بأن في طريقه محمد ابن موسى الهمداني، «علل طرحه بخبر صلاة الغدير بضعف الراوي».
ثالثاً: نقل النجاشي عن أبي العبّاس ابن نوح، «العباس ابن نوح علّق على استثناء ابن الوليد خمسة وعشرين راويا من رواة نوادر الحكمة» قال: لقد اصاب شيخنا محمد ابن الحسن ابن الوليد في ذلك كله، وتبعه ابن جعفر «محمد ابن علي ابن بابويه» الا في محمد ابن عيسى «العبيدي» فلا ادري ما رابه فيه لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة».
فظاهر هذه العبارة ان ابن نوح فهم من استثناء ابن الوليد ما ابقاءهم بنى على وثاقتهم وما استثناهم بنى على ضعفهم فأشكل عليه: بأن محمد ابن عيسى العبيدي يجب ان يكون من المستثنى منه لا من المستثنى، لأنه على ظاهر العدالة والثقة.
رابعاً: ما ذكره الشيخ في «العدّة» حيث قال: إنا وجدنا الطائفة ميّزت الرجا الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء؛ _إلى ان قال_: حتى لو أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في أسناده وضعفه بروايته.
إذاً فالمستفاد من مجموع هذه الكلمات ان مسلك قدماء الطائفة ان المدار على وثاقة الراوي، والشيخ الصدوق صرّح بذلك، وبما ان الشيخ الصدوق تابع لشيخه ابن الوليد، إذاً المدار عند ابن الوليد في القبول والضعف على الوثاقة وعدمها، فهذا يعني انه ما لم يستثنه ابن الوليد من نوادر الحكمة، فهو إنما لم يستثنه لبنائه على وثاقته.
الاشكال الثاني في «التنقيح، ج12، ص172»:
لكن هذه الدعوى ظاهرة «من لم يستثنه فهو ثقة» الضعف ضرورة ان ابن الوليد إنما ذكر انه لا يعمل بما يرويه هؤلاء لثبوت ضعفهم لديه، واما غيرهم ممن يروي فلم يثبت ضعفهم لديه لذلك لم يستثنهم، لا أنهم موثقون، ففرق بين الامرين، بين عدم استثناءه لعدم ثبوت ضعفه أو عدم استثناءه لثبوت وثاقته.
ويلاحظ عليه: أنه مناف لظاهر عبارة أبي العباس ابن نوح، حيث قال: لقد أصاب شيخنا ابن الوليد _ إلى أن قال_: الا في محمد ابن عيسى فلا ادري ما رابه فيه لأنه كان على ظاهر الوثاقة والعدالة.
ففهم ابن نوح من عبارة ابن الوليد: ان ما لم يستثنه بنى على وثاقتهم، وإلا لقال ابن نوح: إلا محمد أبن عيسى ابن عبيد فإنه لم ثبت ضعفه.
إذاً بالنتيجة: لا يبعد القول بتمامية هذه الكبرى، وهي أن من لم يستثنى في كتاب النوادر فهو ثقة عند ابن الوليد إلا أن يعارض هذا التوثيق بتضعيف خاص فيدخل في التعارض وهذه مسألة أخرى.
وبناءً عليه: فإذا تمت وثاقة ابراهيم ابن محمد الهمداني، ووثاقة عمر ابن علي ابن عمر ابن يزيد بلحاظ عدم استثناءه من نوادر الحكمة، فحينئذٍ تتم دلالة الرواية على أن ما يقع على الثوب من الشعر أو الروث أو البول مانع من صحة الصلاة.
المطلب الثاني: هل تشمل المانعية الأجزاء غير الفعلية فلا اشكال ان الاجزاء الفعلية كالشعر والوبر. ولكن الاجزاء غير الفعلية مثل الريق والعرق، والبصاق، فهل الرواية تشمل في دلالتها على المانعية هذه الموارد، فلو كان على الثوب بصاق أو عرق كان مانعا من صحة الصلاة أو لا؟
قد يقال: نعم، لا يبعد ذلك، بدلالة «كل شيء». حيث قال: «في روثه وبوله وألبانه وكل شيء منه فاسد لا تقبل منه تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله».
المطلب الثالث: هل تشمل المانعية شعرة واحدة شعرتين، فهل يصدق انه في شعر ما لا يؤكل لحمه لوجود شعرة أو شعرتين في ثوبه.
هل هذا يصدق عليه انه صلى في شعر ما لا يؤكل لحمه؟.
حيث تردد جمع من المعلقين على «العروة» في شمول المانعية للشعرة، ومنهم السيد الأستاذ «دم ظله».
فقد يقال: نعم تشمل المانعية مثل الشعرة والشعرتين، لأن المراد ب «في» مطلق المصاحبة، لأنه قال: «لا تصلي مع ما لا يؤكل لحمه أو مصاحبا لما لا يؤكل لحمه» وهذا قد صاحب.
ولكن ذلك موجب للخروج عن ظهور «في» في الظرفية، فما هو المخرج عن الظرفية؟.
السيد الخوئي ذكر: أن المخرج عن الظرفية ان الرواية نفسها اشتملت على ما لا يتصور ظرفيته كالبول والروث، فكيف يكون البول ظرفاً للصلاة؟! والروث ظرفاً للصلاة؟! فبما ان الرواية اشتملت على ما لا يتصور فيه الظرفية للصلاة لذلك قلنا المراد ب «في» مطلق المصاحبة.
ولكن، كما ذكر جمع من الاعلام، منهم السيد البروجردي في «تقرير الصلاة»: أن اشتمال الراوية على ما لا يتصور الظرفية الحقيقية لا يوجب المصير على حملها على مطلق المصحابة، وإنما المراد به الظرفية الأعم من الظرفية الحقيقة والمجازية.
فإذا صلى وكان الثوب ملّطخ بالبول أو الروث أو اللبن أو الشعر تُصوِرت الظرفية المجازية وان لم تكن ظرفية حقيقية، بلحاظ ان المشتمل على المشتمل على الشيء مشتمل على ذلك الشيء.
وأما إذا لم تتصور الظرفية حتى المجازية، كما إذا كانت هناك شعرة على ثوبه أو بصاق وما اشبه ذلك. فهنا حيث لا يتصور الظرفية الحقيقية ولا الظرفية المجازية يخرج ذلك عن مفاد «موثق ابن بكير»، فلا موجب لإرادة مطلق المصاحبة بل غاية ما ذكر استفادة الظرفية الأعم.
هل يشمل محل الكلام ما يقع على البدن أم لا؟. يعني كان البدن ملّطخا ببول أو روث؟.
نعم يشمله بصدق انه صلى فيه وان لم يصل في ثوب مشتمل عليه.
هل يشمل المحمول؟ فهل يشمله المانع أم لا؟.