الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

وصل البحث الى «المسألة التاسعة» من المسائل المتعلقة بشرطية الاباحة في لباس المصلي:
[إذا اشترى ثوبا بعين مال تعلق به الخمس او الزكاة، مع عدم أدائهما من مال آخر، حكمه حكم المغصوب]من حيث عدم صحة الصلاة فيه. والبحث في هذه المسألة يتوقف على عدّة مطالب.
المطلب الأول: ما هو وجه علقة الخمس أو الزكاة بالعين؟. فإذا ثبت الخمس في عين من الاعيان او الزكاة في عين من الاعيان، فما هي العُلقة الاعتبارية بين الخمس وبين العين؟.
المذكور في كلمات الفقهاء محتملات اربعة:
المحتمل الاول: ما ذهب اليه السيد الخوئي وجمع من تلامذته ومنهم السيد الاستاذ «دام ظله»: من ان علقة الخمس بالعين على نحو الشركة الحقيقية. بمعنى: ان الامام والسادة الفقراء شريك مع المالك في كل جزء من اجزاء العين بنسبة الخمس، وبناء على هذا المبنى لا يجوز التصرف في العين المتعلقة بالخمس، ما لم يؤد الخمس من مال آخر، ومقتضى ذلك انه لو صلى بالثوب المتعلق بالخمس او طاف في الثوب المتعلق للخمس كانت صلاته او طوافه محل إشكال باعتبار انه صلاة وطواف في المغصوب.
المحتمل الثاني: ما ذهب اليه شيخنا الاستاذ والسيد الشهيد «قده»، من ان ثبوت الخمس في العين على نحو الشركة في المالية. اي أن الامام شريك مع المالك في العين لا بما هي شخص بل بما هي مال، فهو شريك في العين لكن من حيثية المالية، لا من حيث المشخصّات الخارجية. نظير ما ذكر في سهم الزوجة من العقار، حيث إنها لا ترث من الأرض، وإنما ترث من البناء أو الشجر، كما انها ليست شريكة مع الورثة في عين البناء وانما هي شريكة معهم في ماليته، اي في البناء بما هو مال لا في البناء بما هو وجود مشخص خارجاً. ولذلك: فإن النسبة بين الشركة الحقيقية في العين والشركة في المالية نسبة الاكثر للاقل، بمعنى: أن الشركة في المالية شركة في وصف من اوصاف العين وهو وصف اعتباري يعبر عنه بالمالية، بينما الشركة في العين وهو المسلك الاول شركة في العين بتمام شؤونها لا خصوص وصف المالية. لذلك لو وصلت النوبة للاصل العملي، وشككنا على مستوى الاصل العملي هل ان الامام شريك مع المالك في خصوص وصف المالية او شريك مهع في العين بتمام اوصافها كان من دوران الامر بين الاقل والاكثر، فمقتضى استصحاب عدم الشركة في الأكثر الاقتصار على الشركة في المالية لا اكثر.
والثمرة العملية المترتبة على هذين المسلكين:
لو ان العين خرجت عن المالية، كما لو افترضنا ان النقد فقد المالية لان الدولة اسقطت اعتبار النقد او أن هذا النوع من الطعام اصبح مضرا ففقد المالية. فعلى المبنى الثاني: وهو: ان الخمس شركة في المالية: مقتضاه ان لا نصيب للامام. لأنه إنما هو شريك في المالية ولا مالية للعين، بخلاف المسلك الاول القائل: بأن الخمس هو شركة في العين. فإن مقتضاه بقاء الخمس بحسب النسبة وان فقدت العين المالية.
نعم، اختلف الفقهاء في أن النماء مشترك بناء على الشركة في المالية ام لا؟ بلحاظ انه: إن كانت هناك شركة في العين فلا خلاف في الشركة في النماء، فمثلاً: الورثة مشتركون في دار فمقتضى شركتهم فيها شركتهم في نمائها، فلو أجرت الدار كان ريعها مشتركا بينهم لشركتهم في العين، ولكن الزوجة ليست شريكة في العين وانما هي شريكة في مالية البناء، فهل ان مقتضى شركتها في مالية البناء شركتها في النماء ام لا نصيب لها؟ ذهب جمع كسيدنا الخوئي وشيخنا الاستاذ «قده» الى انه في هذه الثمرة لا فرق بين الشركة في العين او الشركة في المالية. فمن كان شريكا في العين او في المالية كان شريكا في النماء. بينما ذهب جمع اخر منهم السيد الاستاذ «دام ظله»: إلى ان الشركة في المالية لا تعني الشركة في النماء. فهما اعتباران عقلائيان مستقلان ولا ملازمة بينهما.
المحتمل الثالث: ان علقة الخمس بالعين شركة في العين على نحو الكلي في المعين. وهذا ما ذهب اليه سيد العروة «قده» اي ان الامام شريك مع المالك في هذه العين لا بمعنى ان ابعاضها واجزائها مشتركة بينهما، فان الشريك وهو الامام لا يملك شيئا من هذه العين وابعاضها، وانما يتملك كليا مقداره الخمس، وهذا الكلي ينحصر اداؤه بهذه العين، والا فالابعاض الخارجية ملك للمالك وليس الامام شريكا فيها.
ومقتضى هذا المسلك: انه يجوز لمالك العين أن يتصرف في العين ما عدا مقدار الخمس، فلو عزل مقدار الخمس منه جاز له التصرف في العين سواء كان تصرفا حسيّاً بالاكل والنوم، أو تصرفا اعتبارياً بالبيع والهبة. فهو ليس ممنوعا من التصرف في العين وإنما الممنوع هو مقدار الكلي المملوك الا وهو مقدار الخمس.
وبناءً على المسلك الاول وهو الشركة في العين، والمسلك الثاني وهو الشركة في المالية: لا يجوز التصرف في تمام العين ما لم يؤد الخمس من مال آخر. بينما على المسلك الثالث: له ان يتصرف في العين ما عدا مقدار الخمس.
المحتمل الرابع: ما ذهب اليه سيد المستمسك «قده»: من أن علقة الخمس بالعين علقة الحق، وليس هناك اي شركة لا شركة في العين ولا في المالية لا شركة على نحو الاشاعة ولا شركة على نحو الكلي في المعين. وانما الذي للإمام مجرد حق في هذه العين لا اكثر.
والحق كما هو المعروف: تارة يكون من سنخ حق الرهانة، وتارة يكون من سنخ حق الجناية. والفرق بينهما بحسب المشهور - وان أنكره سيدنا -: ان الحق تارة يتعلق بالعين بما هي مملوكة لشخص، وتارة يتعلق بالعين بما هي هي. فحق الرهانة متعلق بالعين لا بما هي هي بل بما هي مملوكة للمدين. فلأن هذه السيارة مملوكة للمدين قام المدين برهنها لدى الدائن، فاصبح للدائن حق في هذه العين لا بما هي هي بل بما هي مملوكة للمدين، وهذا يسمى بحق الرهانة، ويترتب على ذلك عدم صحة اي تصرف يزيل هذا الحق.
وأما حق الجناية، فمتعلق بالعين بما هي لا بما هي مملوكة فان العبد اذا جنى على شخص كان للمجني عليه حق في العبد الجاني بما هو هو، لا بما هو مملوك لمالكه الأول، لذلك اينما انتقل العبد ينتقل معه الحق، فيصح لمالكه ان يبيعه أو يهبه أو يمهره، ولا يزول بذلك حق الجناية لانه ثبت بالعين بما هي لا بما هي مملوكة للمالك الأول.
وقد افاد سيد المستمسك: ان ثبوت الخمس في العين من باب ثبوت حق الرهانة، لاجل ذلك لا يجوز التصرف في العين ما لم يخرج هذا الحق ولو من مال آخر.
والثمرة العلمية بينهما: لو فرضنا ان مالك العين باعها، وهي متعلقة بالخمس، فالمعاملة فضولية في مقدار الخمس على اية حال، سواء قلنا بالمسلك الاول او الثاني او المسلك الرابع، لكن، اذا امضى الحاكم المعاملة، بناءً على أن الخمس شركة في العين وكانت المعاملة شخصية ينتقل الخمس من المعوض الى العوض، لانه باع دارا متعلقة بالخمس، يعني باع ملك غيره، الثمن يدخل في ملكه بامضاء الحاكم الشرعي للمعاملة ما سوى مقدار خمس منه، فالخمس بعد ان كان في المعوض صار في العوض.
وأمّا إذا قلنا بمسلك الحق: اي ان الامام له حق فيها لا انه يملك منها شيئا، فالدار محقوقة لا اكثر، والمفروض ان مالك الدار باع ما يملك الى زيد وقبض منه الثمن، فإذا امضى الحاكم الشرعي المعاملة فليس معنى الامضاء ان الخمس ينتقل من المعوض الى العوض كما كان على المسلك السابق اذ ليس الخمس من العين ولا من ماليتها حتى يدخل في اطار المعاوضة وانما هو مجرد حق، فامضاء الحاكم الشرعي للمعاملة رفع الحجر، اي كان مالك العين محجورا في التصرف في العين، لانها محقوقة بحق الخمس، فالآن بعد امضاء الحاكم الشرعي لا حجر لا على من انتقلت اليه العين وهو المشتري ولا على من انتقل اليه الثمن وهو البائع. غاية ما في الباب ان من حق الحاكم الشرعي ان يمضي المعاملة بلا عوض، او يمضي المعاملة بعوض، اذ ان معنى الامضاء هو رفع الحجر وليس معنى المعاوضة هو المعاوضة في مقدار الخمس.
فهذه هي المحتملات الأربعلة لعلقة الخمس بالعين.
المطلب الثاني: بعد ان اتضح لدينا وجه علقة الخمس بالعين، نقول: لو ان مالك العين اتجر بذلك _باعها_ فهذا البيع يتصور على صور، تعرض لها الفقهاء حتى في الرسائل العملية ك «منهاج الصالحين»:
الصورة الاولى: ان تكون المعاملة بثمن كلي في الذمة لا بثمن شخصي. لنفترض أن هذا الشخص في نقده خمس، واشترى عيناً بثمن كلّي وأدى الثمن من المال المتعلق للخمس. فاذا اشترى سيارة، فهو لم يشتر السيارة بعين النقد المتعلق بالخمس وانما اشترى السيارة بثمن كلي في ذمته ووفى ذلك الثمن الكلي من هذا المال المتعلق للخمس. - وهو ما يعبر عنه بالمعاملة الكلية - فلا اشكال حينئذٍ من صحة المعاملة لان المفروض ان الخمس ليس دخيلا لا في الثمن ولا في المثمن. وإنما هو وفّى الثمن الذي هو في ذمته بالمال المخمس، ولكن للحاكم الشرعي ان يرجع على اي منهما، لتعاقب الايدي، فان المالك وضع يده على الخمس ونقله الى الغير. والثاني وضع يده على الخمس، لانه انتقل اليه. فللحاكم الشرعي ان يرجع الى اي منهما من اجل استيفاء الخمس.
لكن، لو فرضنا ان الحاكم الشرعي رجع على البائع الذي استلم الثمن، فهل يجب على البائع ان يسلم الخمس من نفس عين الثمن، او له ان يدفع الخمس من مال آخر؟ فإن قلنا: أن الخمس شركة في العين فمن حق الحاكم ان يقول للبائع: لا اقبل الا أن تدفع من نفس عين الثمن.
بينما على الشركة في المالية: يمكن لمن بيده الثمن وهو البائع، أن يقول: انا غير ملزم ان ادفع الخمس من نفس العين لانك شريك معي في المالية وليس في ذات العين. ومن الواضح ان اداء الخمس من مال آخر اداء لمالية العين. فتظهر الثمرة بين الشركة في العين وبين الشركة في المالية: فإنه بناءً على الشركة في العين: يمكن للحاكم الشرعي ان يلزم البائع الذي استلم الثمن المتعلق للخمس بدفع الخمس من نفس عين الثمن. بينما على الشركة في المالية هو غير ملزم بذلك، لان اداء الخمس من اي مال اداء لخمس المالية.
الصورة الثانية: ان تكون المعاملة شخصية: بمعنى ان المعاملة بين شخص المثمن وشخص الثمن، كما لو افترضنا ان الثمن خاتم «در النجف» وهذا الخاتم متعلق للخمس، فقال البائع: انا لا ابيعك كتابي هذا الا بعين هذا الثمن «الخاتم» فاصحبت المعاملة شخصية بين شخص المثمن وبين شخص الثمن وليس الثمن كليا في الذمة وإنما هو جزئي مشخص. فهنا: المعاملة فضولية. لأن المعاملة هنا في مقدار الخمس شراء ما لا يملك او تملك ما لا يملك فالمعاملة في مقدار الخمس فضولية. فإذا امضى الحاكم الشرعي المعاملة انتقل الخمس من المعوض الى العوض، او من العوض الى المعوض. باعتبار ان المعاملة شخصية.
هل تظهر الثمرة بين المسالك ام لا؟. قلنا فيما سبق: اذا كان الخمس شركة في العين وتصرف مالك العين ببيعها او بنقلها وامضى الحاكم الشرعي المعاملة ينتقل الخمس من المعوض للعوض او بالعكس. أما اذا كان الخمس مجرد حق، فإن الخمس لا يدخل في إطار المعاوضة وليس معنى الامضاء الا رفع الحجر.
الصورة الثالثة: ان تكون المعاملة مورداً لأخبار التحليل. كما في معتبرة يونس ابن يعقوب: «تقع بأيدينا اموال وأرباح وتجارات نعلم ان حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، قال: ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم».
وقد استدل بها على تحليل الخمس إذا انتقلت العين المتعلقة بالخمس ممن لا يخمس الى من يخمس. والتزم سيدنا الخوئي «قده» وتلامذته بشمول اخبار التحليل للشيعة ايضا ولا تختص بالعامة. فاذا افترضنا ان الشيعي لا يخمس وباع العين المتعلقة للخمس لشيعي آخر، فوصلت العين المتعلقة بالخمس لشيعي آخر. فان هذا من موارد اخبار التحليل ايضاً. ومقتضاها حلّية العين المتعلقة للخمس لمن انتقلت اليه وبقاء الوزر على من انتقلت عنه. ما هي الثمرة العملية في المقام؟. يأتي الكلام عنها إن شاء الله.