الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام في كبرى: «هل أن الاوصاف قابلة للملك والمقابلة بالمال أم لا؟». مثلا: اذا اعتقد شخص أن الفضة له فنقش فيها نقشا أو آية ثم تبين أن الفضة ليست له. فهل هذا الوصف وهو نقش الفضة يكون ملكا لمن نقشه؟ ويكون مضمونا على صاحب الفضة أم لا؟
وذكرنا ان هذه الكبرى فيها اتجاهان بين الفقهاء:
الاتجاه الاول: ما ذهب اليه صاحب الجواهر وسيد المستمسك وجمع، من ان الصفة لا استقلالية لها لا في الملكية ولا في المالية بل هي تابعة للعين، فمن ملك العين ملك الصفة وبالتالي فمن نقش الفضة أو صاغها لكنها ليست له فإن هذا الصفة ملك لمن ملك الفضة نفسها.
واستدلوا عليه: أنه لولا ذلك لكان صاحب الصفة شريكا، اي لو لم نقل ان الصفة تابعة للعين لكانت العين مشتركة بين شخصين: احدهما يملك المادة وهي الفضة والاخر يملك الصفة، فلا يصح لصاحب الفضة ان يبيعها أو يهبها لكون المال مشتركا والتصرف في المال المشترك متفرع على إذن سائر الشركاء وهذا مناف للمرتكز الفقهي، كما قرر سيد المستمسك.
الاتجاه الثاني: ان الصفة تابعة لمن احدثها، ولمن صنعها، فالصفة قابلة للملك، وقابلة لأن يبذل بازائها المال، وبالتالي فهي لمن احدثها فلو أراد صاحب الفضة التصرف فيها فلابد من ضمان قيمة الصفة لمن احدثها.
وذكرنا فيما سبق: أن السيد الحكيم ”السبط“ في كتاب «مصباح المنهاج، ج3التجارة، ص258» بنى على هذا الاتجاه الثاني وقال: الصفة لمن احدثها وصنعها اذا كانت الصفة ذات مالية، واستدل على ذلك: انه لولا ذلك للزم هدر مالية الوصف. حيث إن هذا الوصف أوجب زيادة مالية الفضة فانها قبل هذا النقش كانت اقل قيمة وببركته زادت قيمتها، فلو قلنا بأن من صنعها لا شيء له وان الوصف ملك لمن ملك الفضة فلازم ذلك هدر مالية الوصف، وهذا منافٍ للمرتكز العقلائي، وانه لو محى الوصف الذي احدثه في ملك الغير لكان ضامنا. مثلا: اذا اعتقد الشخص ان هذه الفضة ملكه، فصاغها خاتما ثم محاها، فمقتضى الاتجاه الاول، ان الصفة ملك لمن ملك العين فالصفة ملك لصاحب الفضة، وبالنتيجة انه اتلف ما ملكه صاحب الفضة عليه، حيث إنه ملك الصفة والصفة ملك له ومن أتلف مال غيره فهو له ضامن، فلازم ذلك ان يكون: من صنع النقش ثم محاه، ضامنا لقيمته لصاحب الفضة وهذا لا يظن القول به من احد.
ولكن المنبه الاخير الذي أفاده محل تأمل، والسر في ذلك:
أنه لا دليل على ضمان هذا الوصف الا المرتكز العقلائي القائم على ان من اتلف مال غيره فهو له ضامن، ولا يوجد عندنا دليل لفظي على الاتلاف، ولا نحرز قيام المرتكز العقلائي على تضمين من اتلف وصفا هو الذي احدثه وصنعه، فلو أتلف شيئا صنعه غيره لكان موضوعا لهذا المرتكز العقلائي، اما اذا اتلف شيئا هو الذي قام باحداثه، فلا نحرز قيام المرتكز العقلائي على شمول قاعدة الاتلاف المضمنة لمثل هذا الفرض، وحيث ان المرتكز العقلائي دليل لبّي، القدر المتيقن منه: من اتلف مال غيره ممن صنعه غيره أو دفع عوضه غيره، واما ما صنعه هو بنفسه وان وقع في ملك الغير فلا نحرز شموله لمثله حتى يُشكل بمخالفة ذلك للمرتكز العقلائي.
اذن في المسالة اتجاهان: الاول: ان الوصف ملك لمالك العين. الاتجاه الثاني: ان الوصف لمن احدثه.
موقف السيد الخوئي من هذا الخلاف:
الملاحظ ان سيدنا في: «منهاج الصالحين: ج2، مسألة 132، خيار الغبن»: مشى على طبق رأي صاحب الجواهر، فأفاد: [إذا افترضنا ان الغابن تصرف في العين المغبونة قبل فسخ المغبون. مثلا: المشتري اشترى العين باقل من قيمتها، وانتقلت العين اليه - فالبائع هو المغبون - وتصرف المشتري في العين قبل فسخ البائع للمعاملة]كانت العين فضة، فقام المشتري بصياغتها خاتما، أو اشترى سيارة صبغها، وبعد ان تصرف المشتري الغابن في العين وهي في ملكه اطّلع البائع على انه مغبون في المعاملة ففسخ المعاملة فعادت العين لملك البائع. فالوصف هل هو ملكا للبائع أم يبقى ملكا للمشتري؟
قال: [إن كانت لها مالية ولم تكن بفعل المشتري، كما اذا اشترى منه عصى عوجاء فاعتدلت أو خلاًّ قليل الحموضة فزادت حموضته، فهنا للبائع لانها لم تكن بفعل المشتري. وكانت لها مالية وكانت بفعل المشتري، فلكون الصفة للمشتري وشركته مع الفاسخ - وهو البائع - بالقيمة وجه - ان الصفة تبقى على ملك المشتري والعين تنتقل الى ملك البائع ويكونان شريكين لهذه العين بلحاظ القيمة - لكنه ضعيف والاظهر انه لا شيء للمشتري] فبنى على راي صاحب الجواهر من ان الصفة تتبع العين في الملكية.
ولكنه في نفس هذا الفرع في بحثه في «الخيارات، ج 38، ص374» بنى على الشركة، الذي قال عنه في المنهاج: له وجه لكنه ضعيف، بنى على هذا الوجه في «بحث الخيارات». ذكر عدة مطالب:
المطلب الاول: قال: [اذا زادت قيمة العين بواسطة امر حدث في العين كقصارة الثوب أو تعليم العبد صنعة أو علما من العلوم الدينية، فالظاهر ان الغابن بذلك - وهو المشتري - يصير شريكا في المال مع المغبون بنسبة تلك الزيادة] - كم نسبة قيمة الوصف لقيمة المجموع، العين الموصوفة كالسيارة المصبوغة والفضة المنقوشة كم تسوى؟ لنفترض انها تسوى «مليون تومان» الوصف نفسه كم يسوى مثلا «مئتين الف تومان» إذن نسبة الوصف للمجموع «خمس» فعليه يكون الغابن شريكا مع المغبون في هذه الفضة بنسبة الخمس، فأي قيمة ترتفع وتنخفض فله الخمس، فهو شريك مع المغبون في هذه العين بنسبة قيمة الوصف لقيمة المجموع.
ثم يرد على كلام صاحب الجواهر: [وذلك بأن الاوصاف وان لم تكن تقابل بالمال على وجه الاستقلال الا انها تقابل به على وجه التبعية للعين فهي - الوصف - ملك الغابن لا محالة]
ثم ذكر منبهين على كلامه:
المنبه الاول: قال: [لو لم تكن الاوصاف مقابلة بالمال مطلقا، - اصلا لا مال بإزائها كما يقول صاحب الجواهر، يقول صاحب الجواهر: المال بإزاء ذات العين وذات الموصوف، فالوصف لا يقابله اصلا - لما امكن الحكم بضمانها على الغابن عند نقيصتها ولم يمكن مطالبتها من الغاصب مع انه لا اشكال فيه ظاهراًفكما ان نقيصتها توجب على الغابن أو الغاصب الضمان فكذلك في صورة زيادتها تقابل بالمال].
لو افترضنا: ان العين باعها البائع منقوشة، والمشتري محى النقش، ثم فسخ البائع المعاملة رجع الخاتم للبائع بلا نقش، الا يكون المشتري ضامنا؟! لا إشكال يكون ضامنا. وكذا لو غصب الخاتم فمحى نقشه ثم ارجعه الى مالكه، الا يكون ضامنا لصفته التي كانت موجبة لزيادة ماليتها أم لا؟!
إذن ضمان الوصف في فرض النقيصة، ضمانه في وجه الزيادة. فلا وجه في التفريق بين النقيصة والزيادة بأن تقولوا: إن اخذ الخاتم منقوشا فمحى النقش ضمن النقش، واما اذا اخذ الخاتم غير منقوش ونقشه ثم افسخ المعاملة وارجع المعاملة منقوشا الى البائع لم يكن البائع ضامنا لهذا النقش الجديد. التفريق بين النقص والزيادة خلافا للمرتكز.
المنبه الثاني: [إن تقابل الأوصاف بالمال ظاهر، فإن قيمة المال مع الوصف وقيمته بدونه مختلفة وليست زيادة القيمة بالمال الا من جهة ان الاوصاف تقابل بالمال] اي ان هذا الخاتم بلا اشكال متفاوت القيمة فهو منقوش يختلف عن قيمته بدون نقش، فاختلاف القيمة مع وجود الوصف وعدمه منبه عقلائي على ان جزءا من القيمة هو بإزاء الوصف، فكيف يقال بأن الاوصاف لا تقابل بالمال مطلقا، كما ذكر صاحب الجواهر «قده».
وقد أجبنا عن هذا الاشكال وقلنا: بأن الضمان للمالية وليس الضمان للوصف، أو الضمان للعين من حيث هذا الوصف وليس الضمان لنفس الوصف. فمجرد قيام البناء العقلائي على الضمان لا يعني ان الوصف مقابل بالمال.
المطلب الثاني: [إن قلت: إن لازم كلامكم وهو ان الوصف ملك لمن صنعه، القول بالشركة، وحصول الشركة بلا موجب فإن الشركة تحتاج الى سبب كالامتزاج مثلا] اشترى سمنا فمزجه بالعسل مثلا، وحيث لا يمكن الميز بينهما حصلت الشركة قهرا، فالشركة انما حصلت بسبب، فهنا: ما هو السبب الموجب للشركة حتى يقال بالشركة؟. هذا الاشكال اشكل به الشيخ الاعظم في نفس المسالة واشكل به السيد الحكيم في «ج5، المستمسك، ص288»: ان من يقول بأن الصفة ملك لمن صنعها لازم كلامه ان يقول بالشركة والشركة بلا موجب. فإن العين كانت ملكا للغابن ثم رجع الى المغبون ولم يحدث امر يوجب نقص العين والاوصاف لا تقابل بالمال ولم يحدث في العين زيادة عينية وانما بالوصف، فما هو الموجب لكون الغابن شريكا مع المغبون في العين؟.
[قلت: إذا كان المقصود بالشركة في العين، لكننا لا ندعي الشركة في العين، ندعي الشركة في المالية، نقول: معنى ان الوصف لمن صنعه ان صنع الوصف صار شريكا في مالية العين].
قال «قده»: ان المراد بالشركة الشركة في المالية، وذلك ان الاوصاف تقابل بالمال تبعا كما اشرنا اليه في فرض نقص الوصف، وقد عرفت ان الوصف مضمون على متلفه فمنه يظهر ان للوصف مالية، فاذا انتقلت العين الى ملك المغبون لم تذهب مالية الوصف هدراً، بل يضمنها المغبون ومعنى ان المغبون يضمنها ان الغابن يكون شريكا مع المغبون في المالية. فنحن لا ندعي الشركة في العين وانما ندعي الشركة في المالية والشركة في المالية ليس منافيا للمرتكز العقلائي.
علق السيد الحكيم على الشركة في المالية، في المستسمك: [وأشكل منه الشركة في المالية، إذ مالية الشيء من الاعتبارات القائمة بالعين المنتزعة من حدوث الرغبة فليس مملكوة لمالك العين فضلا عن صلاحيتها لوقوع الشركة فيها]. فمبنى السيد الحكيم ان الشركة عند العقلاء إنما تقع في المال، ولا تقع شركة في المالية، ولذلك في بحث الخمس، رد القول بأن الخمس عبارة عن شركة في المالية، بمعنى ان الامام والسادة الفقراء يملكون خمس المالية، بأن الشركة انما تتصور في المال لا في المالية. وهنا زاد الكلام بأن المالية اصلاً ليست ملكا حتى لصاحب العين فضلا عن ان تكون محلا للشركة.
وهذا غريب منه «قده» فإن من ملك العين ملك صفاتها ومن صفاتها المالية، إذ لا فرق بين الصفات المملوكة بين ان تكون صفات واقعية أو صفات اعتبارية أو انتزاعية، فالمالية مملوكة لمالك العين ولذلك تفويت هذه المالية توجب ضمانها لمالك العين، فدعوى ان المالية غير مملوكة فضلا عن ان تكون محلا للشركة هو المنافي للمرتكز العقلائي.
واما تصور الشركة في المالية، فالعقلاء يرون الشركة في المالية كما يرون الشركة في المال بلا فرق. فالسيد الخوئي يقرر في المقام: بناء على ان الصفة ذات مالية ان العين لو رجعت الى المغبون فإن الغابن يكون شريكا مع المغبون في مالية العين.
المطلب الثالث: [مقتضى ما ذكرنا من ان الوصف يقابل بالمال، ان الوصف ملك لمن حدث في ملكه ولو لم يكن بفعله]. إذ تارة يكون الوصف بفعل الغابن كما لو أن المشتري نقش الخاتم، وتارة: يكون الوصف قد حدث في ملك الغابن لكن لا بفعله، كما «الأرز العنبر العراقي» كلما مر عليه الوقت طابت ريحته وعلت قيمته فلو بقي عند المشتري سنة مثلا ثم ارجعه المشتري الى البائع، فهنا حدث له وصف يوجب زيادة ماليته لكن لا بفعل منه، فيقول السيد الخوئي: حتى هذا يبقى على ملك المشتري، فلو فسخت المعاملة رجع «الارز» الى البائع، والصفة تكون للمشتري مع انها لم تحدث بفعله وإنما حدثت في ملكه، بالنتيجة: حيث حدثت في ملكه والوصف تابع للعين صارت ملكا له، وما دام الوصف يقابل بالمال فاذا انتقل فلا بد من ضمانه، قال في «ص375»: [وعليه: لا فرق في حصول الاشتراك بين كون هذه الاوصاف مستندة الى فعل الغابن أو مستندة الى الله تبارك وتعالى كما اذا اصبح العبد المشترى عارفا بالمسائل الدينية وصار من اتقى الاتقياء لذلك زادت قيمته فإن صفة التقوى والعدالة في العبيد توجب زيادة في قيمتها فالغابن في ذلك يكون شريكا مع المغبون لأن الوصف حدث في ملكه وقد عرفت ان المال يدفع بازاء الاوصاف تبعا].
وهذا القول بالشركة في المالية سواء كان الوصف من فعله أم لم يكن من فعله ما افتى به السيد السيستاني في المنهاج في هذه المسألة. فالوجه الذي بنى عليه السيد الخوئي بحثه في المسالة هو الوجه الذي افتى به السيد السيستاني في نفس هذه المسالة في «المنهاج، ج2» قال بالشركة في المالية سواء كان الوصف بفعل المشتري أم لم يكن بفعله. لكن سيدنا «قده» قال: هذا الكلام له وجه، لكنه ضعيف، وسيأتي وجهه.