الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا سابقاً: أنّ سيدنا «قده» أفاد: بأنّه لا فرق في مانعية الغصب من صحة الصلاة من ان يكون الغصب بالعين أو المنفعة أو الحق. كما لا فرق في سبب الحرمة، وقلنا: بأن كلامه مورد للتأمل سبق الكلام في التأمل الأول.
التأمل الثاني: ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله»: ومحصّله: أن من صلّى في الساتر الغصبي فما هو متعلق الحرمة في حقه؟ هل متعلق الحرمة في حقه هو الغصب؟ أم أن متعلق الحرمة في حقه التصرف في مال الغير دون إذنه؟.
وذلك لأن بين الغصب والتصرف عموما من وجه. فالغصب هو عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً، وليس الغصب مطلق التصرف في مال الغير وإنما هو عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا، فلأجل ذلك قد يحصل غصب ولا تصرف وقد يحصل تصرف ولا غصب، فالظالم عندما اي احد من التصرف في مال الغير فيقول: بأن املاك فلا محجورة، فهذا الحجر من قبل الظالم غصب وليس تصرفا، وقد يقع تصرف من دون غصب: كما لو اتكأ الانسان على سيارة غيره فإن هذا الاتكاء تصرف ولكنه ليس استيلاء على مال الغير كي يكون غصبا، فبين الغصب والتصرف عموم من وجه. وبناءً على ذلك: فمن صلى في الساتر الغصبي هل ان عنوان المحرم في حقه هو الغصب؟ أم ان العنوان المحرم في حقه هو التصرف؟. فإن قيل بالأول فالصغرى ممنوعة لأن مجرد الصلاة في الساتر الغصبي ليست استيلاء على مال الغير عدوانا إذ قد يكون لبس هذا الثوب ليس منه اصلا، كما لو فرضنا ان زوجته البسته الساتر الغصبي، فإن مجرد الصلاة في ساتر الغصبي لا يعني انه غاصب، لأن الغصب هو استيلاء على مال الغير عدواناً ومجرد أنه متستر بالساتر الغصبي فهذا ليس استيلاءً. فول كان المنظور في الحرمة هو عنوان الغصب، فهذا ليس غاصب، وان كان المنظور هو الثاني - اي التصرف - فالكبرى ممنوعة، صحيح ان الصلاة في الساتر الغصبي تصرف في الساتر وان لم يكن غصبا الا انه تصرف، الا انه لا دليل على حرم التصرف. إذ لا دليل عندكم الا النبوي «لا يحلّ دمُ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه» والمتعلق محذوف. هل أنّ متعلق «لا يحل» هو التصرف، أو أن متعلق «لا يحل» هو التصرفات الخارجية الموجبة لنقص المالية. فلا يشمل الاتكاء على جدار الغير أو الاستناد الى سيارة الغير وأشباه ذلك من التصرفات التي لا توجب نقصا في مالية المال، فإن قوله : «لا يحل دم مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه» لا يدرى ان متعلق الحرمة هل هو مطلق التصرف أو خصوص تصرف منقص للمالية؟ فالدليل مجمل من هذه الجهة؛ وبالتالي ما ثبتت حرمته وهو الغصب لا ينطبق على من صلى في الساتر الغصبي، وما ينطبق على ذلك وهو التصرف لا دليل على حرمته إذ من المحتمل أن المحرّم كما لا يبعد قيام المرتكز العقلائي على ذلك ان المحرم خصوص التصرف الموجب نقصاً او خدشا. لا كل تصرف. ومن الواضح ان من صلى في الساتر الغصبي لا يحدث نقصا فيه، بل قد يحدث فيه حسناً. إذا ً فمجرد الصلاة في الساتر الغصبي ليست منشأ للحرمة كي يكون المقام من موارد اجتماع الامر والنهي.
ويلاحظ ما أفيد:
أولاً: بأننا نسلّم أن متعلق الحرمة هو الأصل، ونسلّم أن الغصب عبارة عن الاستيلاء. ولكن الاستيلاء في كل شيء بحسبه، فهناك استيلاء بوضع اليد على العين، وهناك استيلاء بمنع التصرف في العين، وهناك استيلاء بنفس إمكان التخلص من التستر، فإنه ما دام بإمكانه التخلص من هذا التستر باي نحو من الانحاء فانه مستولٍ على العين فالاستيلاء لا يتوقف على وضع اليد على العين عدواناً بل من تستر بثوب الغير وإن لم يكن لبسه بيده إلّا أنّه نحو من الاستيلاء على العين، فحتى لو سلمنا ان متعلق الحرمة هو الغصب والغصب هو الاستيلاء فالاستيلاء متحقق.
ثانياً: إنّ ما ذكره «دام ظله» من أنّ النبوي «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة نفسه» مجمل. إذ لا ندري ان المقدر مطلق التصرف؟ او تصرف معين، ما ذكره مبني على انكار هذه القاعدة وهي ان حذف المتعلق يدل على العموم كما هو مسلك السيد الصدر. ايضا ينكر هذه القاعدة. ووجه الانكار لهذه القاعدة:
إنّ مجرد حذف المتعلق إنما يدل على العموم إما بالقرينية النوعية أو بالاطلاق، فلا يوجد طريق ثالث، اما ان تقولوا ان حذف المتعلق قرينة نوعية على العموم، أو تقولوا بأن دلالة حذف المتعلق على العموم من باب الاضراب وكلاهما ممنوع.
اما ان حذف المتعلق من القرائن النوعية على ان المراد الجدي من المتعلق العموم: فهذا أول المدّعى. فإذا قال المولى: عليك بالهاشمي، لا ندري معنى عليك بالهاشمي، عليكم بإكرامه؟ عليك بأخذ شيء منه؟!. فإن مجرد حذف المتعلق ليس من القرائن النوعية العرفية على العموم، وانه عليك بالهاشمي في كل الأمور، لا يسلم به احد في العرف. فاذا كان المدعى ان نفس حذف المتعلق من القرائن النوعية على ان المراد الجدي عام، هذا ليس عليه ارتكاز ولا شواهد عرفية.
وإذا كان المدعى انه ببركة الاطلاق: فالاطلاق كما قرر في الاصول: رفع القيد بعد احراز المفهوم، مثلاً: إذا قال: اكرم العالم؛ وشككنا هل ان الموضوع العالم على نحو اللا بشرط أو بشرط شيء؟ فهنا مورد الاطلاق لأن المفهوم احرز وهو العالم، وشككنا في تقييده، فمقتضى الاطلاق إثباتا الاطلاق ثبوتاً. فالاطلاق: عبارة عن رفض القيد بعد احراز المفهوم. واما اذا لم يحرز المفهوم من الاصل فكيف نصل إلى المرحلة الثانية وهي رفض القيد، فاذا قال عليك بالرجل، فهو لم يحرز متعلقا ليشك في اطلاقه وتقييده ليثبت اطلاقه بمقدمات الحكمة فإن الاطلاق فرع احراز المفهوم واصل المفهوم غير محرز. فلاجل ذلك لا معنى لأن يقال: بأن حذف المتعلق يدل على العموم، لا بالقرينة النوعية ولا بالإطلاق.
إذاً فمقتضى ذلك: أن يكون قوله: «لا يحل دم مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه» مجملاً.
ولكننا ناقشنا في ذلك في بحث حديث الرفع، عندما بحثنا حديث الرفع: في قوله: «رُفِعَ عن امتي ما لا يعلمون» ولا ندري هل المرفوع المؤاخذة؟ اي رفعت المؤاخذة عن ما لا يعلمون؟. ام ان المرفوع نفس ما لا يعلمون؟ او أن المرفوع تمام الآثار المترتبة على ما لا يعلمون؟. فهناك بحثنا في هذه القاعدة. هل أن حذف المتعلق يدل على العموم أم لا؟ فقلنا: هناك صور ثلاث:
الصورة الاولى: أن يكون هناك مفرد معهود اما ارتكازا أو بين المتخطابين، فإذا كان المفرد معهودا صار بمثابة القرينة المحددة لما هو المتعلق، كما لو قال «حرمت عليكم امهاتكم» فإن المنصرف منه هو حرمة النكاح. أو قال «حرمت عليكم الميتة والدم» فإن المنصرف منه هو حرمة التناول. باعتبار ان هذا الفرد فرد معهود بين المتخاطبين أو معهود ارتكازاً.
الصورة الثانية: أن لا يكون هناك فرد معهود ولا فرد متيقن، كمثال «عليك بالرجل» حيث لا يوجد حصة معهودة ولا يوجد حصة متيقنة في البين، بل الامر دائر بين متباينين، يعني بين اكرامه وبين ضربه، فاذا لم يكن هناك متيقن في البين: إذاً هنا يتعين الاجمال كما قالوا.
الصورة الثالثة: التي محل كلام اهل البيان في علم البيان: ما إذا كان للمتعلق قدر متيقن. هنا اذا كان للمتعلق قدر متيقن مثلا اذا قال: «رفع عن امتي ما لا يعلمون» القدر المتيقن رفع المؤاخذة، فاذا كان للمتعلق قدر متيقن يقول اهل البيان: ما دام يوجد قدر متيقن والمتكلم في مقام البيان وبإمكانه تقييد المتعلق بهذا القدر المتيقن، فعدم تقييده بالقدر المتيقن مع كونه في مقام البيان دال دلالة عرفية نوعية على ارادة العموم، فليس المقام من باب التسمك بالاطلاق وإنما المقام من باب أن حذف المتعلق في مورد وجود قدر متيقن مع كون المتكلم في مقام البيان دالٌّ على أن لا خصوصية للمتيقن وان المراد الجدي هو العام. فبلحاظ هذا النكتة التي ذكرناها:
نقول في المقام: اذا قال: «لا يحل دم مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه» من الواضح ان هناك قدرا متيقنا وهو التصرفات الموجبة للنقص، وحيث إن المولى لم يقيد بذلك فيستكشف من عدم التقييد ان مراده الجدي مطلق التصرف، واما مسألة الاتكاء على جدار الغير فانه ليس تصرفا او فقل بأنه خارج تخصيصا فيبقى على المتعلق على اطلاقه في غير ذلك.
هذا تمام البحث في مسألة واحد.
المسألة 2: «كلام صاحب العروة»: «إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب فالظاهر فالظاهر انه لا يجري عليه حكم المغصوب، لأنّ الصبغ يعدّ تالفاً فلا يكون اللون لمالكه، لكنه لا يخلو من اشكال.
ذكر السيد الخوئي في شرحه، أن لهذه المسألة ثلاث صور:
الصورة الاولى: أن لا يكون للغير استحقاق في العين، وان كان له استحقاق في الذمة، بيان ذلك:
لو أن المكلف استاجر الغير لكي يخيط له ثوباً والقماش والخيوط من مال المستاجر لا من الاجير، استأجره على أن يخيط له ثوبا فخاطه فلم يدفع له أجرة. فهل صلاة المكلف في هذا الساتر صلاة في ساتر غصبي فلا تصح صلاته؟.
الجواب: لا، فإنّ مجرد اشتغال ذمته «المصلي» بأجرة للأجير لا يعني سراية حق الأجر من الذمة الى العين بحيث تكون العين مشغولة كما عند كثير من العوام، اشتغال الذمة بالمظالم واموال الناس لا يعني سراية الاشكال على الاعيان التي بين يديه. بل الاعيان التي بين يديه مجرى لامارة اليد على الملكية لا ربط بين المطلبين. إذاً مجرد اشتغال ذمة المصلي بمال للأجير لا يعني ان العين مشغولة بذلك. فصلاته صحيحة ولا اشكال فيه.
الصورة الثانية: أن يكون للغير استحقاق في العين ولكن استحقاق ما يعد تالفا عرفاً، لأنه اذا كان مستحق للعين نفسه هذا البحث مضى.
حتى تكون صورة اخرى مما مضى البحث فيه: ان يكون للغير استحقاق للغير، لكن ما يستحقه الغير من العين يعد تالفا. كما لو فرضنا: ان الغير يستحق من هذا الثوب خيطا، أو ان الغير يستحق من هذا الثوب طرازا معينا في الثوب. فهنا بما ان هذا الثوب مشتمل على ما يستحقه الغير فهل يمنع ذلك من صحة الصلاة أم لا؟.
فهنا افاد المحقق الهمداني وسيد العروة وسيد المستمسك «قدس سرهم»: أن هذا الخيط بمثابة التالف. وهذه عبارة سيد العروة: «وكذا لو اجبر على خياطة ثوب أو استاجر ولم يعط اجرته فصلاته صحيحة، اذا كان الخيط له «للمصلي نفسه» واما اذا كان للغير فمشكل وان كان يمكن ان يقال انه يعد تالفا.
فهذا الخيط يعد تالفا اما لانه لا مالية له واما انه وان كان له مالية في نفسه كما لو كان هذا الخيط له ثمن كخيط حرير، الا انه لو أُخرج للزم تلف الثوب، إذاً فبالنتيجة: هذا الخيط تالف اما لانه لا مالية له اما ان خروجه يستلزم تلف الثوب.
ففي فرض انه تالف: رتب على ذلك - بعد المفروغية من هذه المقدمة، ان هذا الخيط تالف - وجوه ثلاثة لمنع تأثير وجود هذا الخيط في صحة الصلاة:
الوجه الاول: أنّ ما لا مالية له فإن ملكيته لغو. اذ لا معنى لملكية لا مالية له كحبة من تراب او كسرة من زجاج. فاذا لم يكن هذا الخيط مالية لكونه تالفا اذاً فلا ملكية له، إذاً ليست الصلاة في الثوب المشتمل على الخيط صلاة في المغصوب، فالموضوع اصلا منتفٍ.
وأورد عليه سيدنا الخوئي في «ص138، ج18 من موسوعته»: ولكن الظاهر عدم الجواز «في فرض الخيط يعد تالفا» لأجل ان الخيط وان عد تالفا الا ان التالف ماليته لا ملكيته كما لو كسر الكاس فانه لا يخرج الكاس المكسور عن ملكية من ملكه وان لم تكن له مالية، او اريق الدهن على فإنه لا يخرج عن ملكية من ملكه وان خرج عن المالية، فإن عين الخيط ما زال للغير وهو موجود في الثوب الوجدان ولا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه - سواء زادت مالية الثوب بهذا الخيط أم لم تزد على اية حال مجرد اعتباره تالفا بنظر العرف لا يعني خروجه عن ملكية المالك -.
ودعوى ان اعتبار الملكية له لغو، إذ ما الاثر لاعتبار المكلية له، يكفي في اعتبار الملكية له انه ليس لغير التصرف فيه من دون إذنه. فيكفي في صحة اعتبار الملكية له وان صار تالفا حرمة التصرف فيه من دون إذن مالكه. لذلك ما ذكره سيدنا «قده» في مسالة «الشوارع المفتوحة» قال: لو هدمت الدار من قبل السلطان الجائر وتحول إلى شارع عام بحيث لا يحتمل عوده فإذا افترضنا ان هذا الشارع لا يحتمل عوده هنا يقول السيد الخوئي: تلف المال مساوق لعدم الملك، فإن اعتبار الملكية لصاحب الدار لغو في المقام، إذ لا يعتبر في اعتبار الملكية له أي أثر بعد تحوله إلى شارع عام.
فالجواب عن ما افاده سيدنا «قده»: انه ليس اعتبار الملكية لغواً، فيكفي في بقاء الملكية انه يحرم التصرف، أثر من الاثار. أنه يحرم التصرف فيه من دون إذنه. مضافاً الى أن ما ذكره هناك لم يقل به هنا؟!.
ثم قال سيدنا «قده»: قال: لو سلمنا بزوال الملكية فلا نسلم زوال الاستحقاق بداهة ثبوت حق الاختصاص والاولوية، كثبوته في الكوز المكسور وميتة الحيوان المملوك ومن ثم لا تجوز مزاحمة المال في ذلك.
إذاً مجرد ان الخيط اصبح تالفاً لا يعني أنه خرج عن ملكية صاحبه ولو خرج عن ملكية صاحبه، ولو خرج عن ملكية صاحبه لم يخرج عن حق الاولوية والاختصاص فمقتضى ذلك: أن الصلاة فيه صلاة في ساتر غصبي.