الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

إذا صلى المكلّف في الساتر المغصوب ناسياً للغصبية، فهل تصح صلاته مطلقاً؟ أم يفصّل بين الناسي وغيره؟ أم يفصل بين الناسي المقصر وغيره؟.
وذكرنا أنّ الصحيح هو التفصيل: ولكن مقتضى نكتة التفصيل أن يفصل بين الناسي اللا مبالي وبين غيره، لا بين الناسي الغاصب وغيره. وبيان ذلك: أن الكلام كان في نكتتين:
النكتة الأولى: في جريان حديث لا تعاد. والثانية: في جريان حديث الرفع، وهو: «رفع عن أمتي النسيان». فأما بالنسبة لحديث لا تعاد. فمقتضى إطلاقه: أن المكلف اذا لم يخل بأحد الخمسة حيث قال: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» فصلاته صحيحة، سواء كانت صلاته في الساتر الغصبي نسيانا مع كونه هو الغاصب أم غيره، فحتى الغاصب الذي استولى على الساتر وصلى فيه بما انه صلى في الغصب نسيانا فلم يخل بأحد الخمسة اذاً فصلاته صحيحة، فمقتضى اطلاق حديث لا تعاد: ان من لم يخل بأحد الخمسة فإن صلاته صحيحة وهذا يشمل من صلى بالساتر الغصبي نسيانا وان كان هو الغاصب، وانما خرج عن اطلاق حديث لا تعاد ما إذا كان تستره قبيحاً، فيقال: بأن حديث لا تعاد منصرفة عن مورد يكون الخلل قبيحاً بنظر العقلاء.
وهذا انما يتم - اذا كان مورد الخلل قبيحا عن العقلاء - فيما اذا كان المصلي لا مبالياً. بمعنى انه لا فرق عنده يصلي في الغصب على كل حال سواء كان ذاكرا أو ناسيا غاية ما في الامر صادف انه نسي، فمثل هذا الذي هو نتيجة عدم المبالاة سوف يصلي في المغصوب على كل حال كان ذاكرا أم كان ناسيا يعد تستره بالثوب الغصبي قبيحا لدى العقلاء وان كان ناسياً. فهذا الفرض يكون حديث لا تعاد الوارد في مقام التسهيل منصرفا عنه.
واما اذا افترضنا أنه وان كان هو الغاصب لكنه تاب، غصب الثوب ثم تاب وعزم على ارجاعه الى مالكه ولكنه وقت الصلاة نسي فصلى فيه.
فمثل هذا الفرض مشمول لإطلاق حديث لا تعاد ولا موجب لانصرافه عنه، فليست النكتة هي بين الغاصب وغيره، وانما النكتة بين اللا مبالي وغيره.
وكذلك بالنسبة لحديث الرفع «رفع عن امتي النسيان» فانا اذا لاحظنا اطلاق حديث الرفع فلا فرق في اطلاقه بين كون الناسي غاصبا أم غيره، فلنفترض أن من صلى في الساتر الغصبي نسيانا هو الغاصب الا انه يطبق عليه «رفع عن امتي النسيان»، فمقتضى اطلاق حديث الرفع: ان لا حرمة في حقه لكونه ناسيا وان كان هو غاصبا، نعم، خرج عن اطلاق حديث الرفع: اللا مبالي. والسر في ذلك:
ان ظاهر سياق حديث الرفع هو الامتنان، «رفع عن امتي» وظاهر الامتنان أنّ العبد الذي لولا النسيان لما وقع في هذا العمل فهو العبد الذي إذا عرض عليه النسيان رفع عنه الاثر، فإن هذا هو مقتضى الامتنان، فيقال: بأن هذا المكلف - اذا كان مباليا بالاحكام - المبالي بالاحكام لولا النسيان لما صلى في الساتر المغصوب، لمبالاته بالاحكام. وانما الذي اوقعه في الصلاة في الساتر المغصوب نسيانه، فبما انه لولا النسيان لما وقع، ولولا الاضطرار لما وقع، ولولا الاكراه لما قوع، لذلك يشمله حديث الرفع «رفع عن امتي النسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا اليه والخطأ». واما العبد الذي نسي أم لم ينسه فإنه سوف يصلي في المغصوب، اضطر أم لم يضطر فإنه سوف يصلي في المغصوب. اكره أم لم يكره فهو سيصلي في المغصوب. فإن مقتضى ظهور الحديث في سياق الامتنان انصرافه عنه، اذاً فمقتضى سياق الامتنان في حديث الرفع التفصيل بين المبالي وعدمه، التفصيل بين الغاصب وعدمه. بالنتجية: تصور الانقسام في الغاصب بين المبالي وغير المبالي معقول، وعلى فرض أنه فرد نادر فالاطلاق يشمل الفرد النادر، المستجهن هو اختصاص الاطلاق بالفرد النادر، لا شمول الاطلاق للفرد النادر، فإن هذا ليس امرا مستهجناً.
فتلخص بذلك: أنه في مورد الصلاة في الساتر الغصبي نسيانا لابد من التفصيل بين المبالي بالغصبية وعدمه.
المطلب الثاني: عند الملاحظة لكلام سيدنا الخوئي «قده» في «ج12، ص135 و136»: يرى ان كلامه بحسب تقرير المقرر موضع اشكال:
حيث افاد: في «ص135»: التفصيل بين الغاصب وغير الغاصب بأن نقول: ان كان الناسي غاصبا فعمله باطل، وان كان الناسي غير غاصب فعمله صحيح: هذا التفصيل يتجه بناءً على القول بامتناع اجتماع الامر والنهي. مثلا: من توضأ بالماء المغصوب ناسياً هنا يصح التفصيل فيه، فنقول: إن كان الناسي هو الغاصب فوضوئه باطل، لان صدور الوضوء منه مبغوض وان كان ناسيا باعتبار انه هو الغاصب وعمل الغاصب مبغوض والمبغوض لا يصلح للمقربية. وإن لم يكن هو الغاصب: رأى الثوب وعلم انه مغصوب ولكنه في وقت الصلاة نسي فاعتقد انه ثوبه فصلى فيه فعمله ليس مبغوضا لذلك لا مانع من صحة وضوءه. اما في موارد جواز اجتماع الامر النهي اي إذا كان التركيب بين المتعلقين اضماميا، مثلاً: ما اذا ركع في الفضاء المغصوب نقول: المامور به هو الركوع، والمنهي عنه هو الكون في الفضاء المغصوب وبين الركوعم والكون يوجد اثنينة وتغاير، فما هو المامور به غير ما هو المنهي عنه، فلاجل ذلك نقول: من ركع في الفضاء المغصوب ناسيا لا يفصل فيه بين ان يكون هو الغاصب أم غيره، انما يصح هذا التفصيل في موارد التركيب الاتحادي كمن توضأ في الماء المغصوب. لاحظوا عبارته: يقول في «ص135» وبالجملة: فالتفصيل المزبور - بين كون الناسي هو الغاصب وغيره - متجه في ذلك المورد مما يكون يتحد فيه الغصب مع العبادة - كالوضوء في الماء المغصوب نفس هذا الوضوء هو وضوء وهو غصب - وينطبق احدهما على الآخر، ولا يكاد ينسحب - هذا التفصيل - الى المقام بعد ما عرفت - في المقام هو الساتر الغصبي - من عدم الاتحاد وتغاير متعلق النهي مع متعلق الامر في محل كلامنا من تستر بالثوب المغصوب وصلى، يقول: المأمور به غير المنهي عنه: المأمور به التقيد الصفة، يعني كون المصلي مستور العورة، هذا المأمور به، واما المنهي عنه فهو عملية شد الثوب على بدنه عملية الستر. ما هو المنهي عنه هو عملية الستر، ما هو المأمور به كون المصلي مستور العورة. فبين المامور به والمنهي عنه تغاير. فاذا كان بينهما تغاير، إذاً لا ينسحب التفصيل بين كون الناسي هو الغاصب وبين غيره. وهذا التفصيل لا يرد في محل كلامنا. نأتي الى «ص136» قال: وعليه فالناسي للغصب ان لم يكن هو الغاصب فلم يصدر منه اي محرم حتى واقعاً بمقتضى حديث الرفع فإن مقتضى حديث الرفع ارتفاح الحرمة في حقه لكونه ناسيا. فلا خلل في صلاته بوجه. وإن كان هو الغاصب فالفعل - التستر - وان صدر منه مبغوضاً - لانه هو الغاصب - الا ان غاية ما في الباب انه أخل بالشرط، صلى في الساتر غير المباح، ومثله محكوم بالصحة فكأنه صلى عارياً. إذ لا يزيد عليه بشيء، ومثله محكوم بالصحة بمقتضى حديث لا تعاد، فالأقوى وفاقا للمتن «متن العورة» هو الحكم بالصحة في كلتا الصورتين: كان هو الغاصب أم غيره.
السؤال: اذا كان منظوركم في هذا الكلام عندما قلتم: «وعليه» فرض الاتحاد «اتحاد متعلق الامر والنهي» فقد ذكرتم في «ص135» لابد من التفصيل بين كون الناسي هو الغاصب أم غيره؟ فإن كان الناسي هو الغاصب فعمله باطل، وان كان الناسي غير الغاصب فعمله صحيح، فقد فصلتم في فرض الاتحاد فكيف تقولون انه لا تفصيل خلافا للماتن. واذا كان منظوركم هو فرض عدم الاتحاد كما هو قرر قبل اسطر، أنّ محل كلامنا لا يوجد اتحاد يعني لا يوجد انطباق المأمور به على المنهي عنه، المأمور به شيء والمنهي عنه شيء آخر، فمحل كلامنا في الساتر الغصبي مورد ليس فيه اتحاد، اذا هذا هو المنظور فلا وجه لهذا التعليل لانه بناء على عدم الاتحاد فيجوز اجتماع الامر والنهي وتصح الصلاة بلا حاجة الى هذا التوجيه، بل نقول: كان غاصباً أو غير غاصب على اي حال متعلق الامر غير متعلق النهي، فهو وان عصى امتثل ما هو المأمور به، فمتعلق الامر غير متعلق النهي، فلا نحتاج بعد تعدد المتعلقين الى هذا التعليل بأن نقول: إن لم يكن غاصب يشمله حديث الرفع، إن كان غاصب يشمله حديث لا تعاد. لا نحتاج الى التفصيل بينهما، بأن هذا مشمول لحديث الرفع دون لا تعاد، وهذا مشمول لحديث لا تعاد. بل نقول: على اية حال مقتضى القاعدة هو صحة صلاته لتعدد متعلقي الامر والنهي.
نأتي على ما فرعه سيد العروة على ذلك: قال:
المسألة الأولى: لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير، أو كون منفعته له، وبين ما لو تعلق به حق الغير بأن يكون مرهوناً. وقد افاد سيدنا الخوئي «قده» في شرح المسالة «ص135»: إنّ محل كلامنا يشمل اختلاف متعلق الحرمة واختلاف سبب الحرمة، فعندنا موردان.
المورد الاول: اختلاف متعلق الحرمة، تارة يكون مصب الحرمة العين، كما لو كانت العين نفسها مغصوبة فيحرم التصرف في العين، وتارة يكون مصب الحرمة المنفعة لا العين كما لو كان الكتاب كتابي ولكني آجرته لزيد فملك زيد منفعته، فلا يجوز لي أن اتصرف في الكتاب من دون إذن المستأجر، بانني وان ملكت عين الكتاب الا انني لا املك منفعته، مصب الحرمة هنا المنفعة. أو كان مصب الحرمة هو الحق لا العين ولا المنفعة، كما لو كانت العين مرهونة. فلو رهنت كتابي لدى الدائن فهل يجوز لي ان اتصرف في هذا الكتاب أم لا؟ مع انني مالك له ومالك لمنفعته لكن لان للدائن حقا فيه وهو حق الرهانة لذلك لا يجوز التصرف فيه من دون اذنه. فلا فرق في محل كلامنا بين ان تنصب الحرمة على العين أو تنصب الحرمة على المنفعة أو تنصب الحرمة على الحق، على أية حال يعد التصرف غصباً. حتى لمالك العين والمنفعة اذا تصرف من دون اذن المرتهن يعد تصرفه غصباً. كما لا فرق في الحرمة بلحاظ اسبابها، فإن الحرمة قد تعدد اسبابها،. إذ تارة يكون سبب الحرمة الغصب. تارة يكون سبب الحرمة النذر، كما لو نذر ان لا يستخدم هذا الثوب لغرض راجح كما لو فرضنا انه عصى فيه ربه، فقال: اذا استخدمته اتذكر فيه المعصية. مثلا. فهنا لا يجوز له استخدام الثوب لا لكونه غصبا بل لكونه منذور الترك، فسبب الحرمة هو النذر وليس الغصب، أو كان سبب الحرمة النهي عن العنوان، لا غصب لا نذر. كما أنه لا يجوز للرجل الحرير، لا يجوز للرجل ان يلبس الذهب لا يجوز للرجل ان يلبس ثوب المراة، إذاً فسبب النهي هنا ليس هو الغصب وانما النهي عن عنوان الثوب. محل كلامنا شامل: من صلى في ساتر منهي عن التستر به سواء كان سبب النهي الغصب، النذر، كون الساتر حريرا، كون الساتر ذهبا، كون الساتر ثوب امراة، كله يدخل في محل البحث. تعلقت الحرمة بالمنفعة تعلقت الحرمة بالحق، محل كلامنا مطلق: من صلى في ساتر منهي عن التستر فيه. وهذا الكلام مورد لعدة ملاحظات:
الملاحظة الاولى: ان سيدنا «قده» في «ج13، ص10، في بحث مكان المصلي»: أن حق الرهن لا أثر لهن اي يجوز للراهن ان يتصرفي في العين المرهونة حسا واعتبارا ما لم يؤدي التصرف الى فوت الحق، فالرهن لا اثر له. مثلاً: اذا كان الثوب ثمينا فرهنه المدين لدى الدائن، فتعلق بهذا الثوب حق للمرتهن الا وهو الدائن وهو حق الرهانه، جاز للراهن ان يتصرف بالثوب اعتباراً - سواء كان تصرف اعتباري بأن يبيعه أو يهبه لان حق الرهن محفوظ حتى لو انتقل الى مالك آخر - أو حسا كان التصرف بأن يصلي فيه، - لأن الصلاة فيه لا ينافي حق الرهانة ولا يفوت بها الحق - فيجوز للراهن ان يستخدم العين المرهونة استخداما حسيا أو اعتباريا ما دام حق الرهن محفوظاً، إذاً لابّد من تقييد إطلاق كلامه في محل البحث وهو لباس المصلي.