الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

بعد المفروغية عن اشتراط الإباحة في ساتر العورة ولو بمقتضى بعض الروايات التي سبقت.
يقع الكلام فيما يتفرع على هذه الشرطية. وهنا عدة مطالب:
المطلب الأول: إذا صلّى في الخيط المغصوب عالماً بالكبرى والصغرى. اي عالماً بكونه مغصوباً وحرمة التصرف في المغصوب، فهل ذلك موجب لفساد صلاته أم لا؟.
ووجه البحث في هذا الفرض: أنّ استخدام الخيط المغصوب في ساتر العورة ليس تصرفاً بحسب النظر العرفي، فلاجل ذلك يقع البحث في أن موضوع الحرمة، هل هو التصرف؟ أم أن موضوع الحرمة مطلق الانتفاع.
فإذا قلنا أن موضوع الحرمة خصوص التصرف العرفي، ولذلك من يستند الى جدار الغير دون إذنه لا يكون محرما لعدم صدق عنوان التصرف عليه عرفاً، أو من يستفيد من ضوء الغير فإن هذا لا يعد تصرفا عرفا فليس محرما فإذا كان المدار على ما هو تصرف بلحاظ هذه الصحيحة: «لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره من دون إذنه» فمقتضى ذلك: عدم ورود خلل في الصلاة باستخدام الخيط المغصوب.
واما إذا قلنا بأن موضوع الحرمة مطلق الانتفاع بمال الغير من دون اذنه وان لم يصدق على الانتفاع بانه تصرف. وذلك: لإطلاق قوله «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطبية نفسه»، لا أنه لا يحل التصرف فيه، فإن مقتضى اطلاق هذه الرواية: ان لا خصوصية للتصرف. وان مطلق التقلب أو الانتفاع بمال الغير دون إذنه موضوع للحرمة. فكل استخدام وان لم يصدق عليه تصرف كالاستناد الى جدار الغير أو استخدام ضوء الغير فإنه يكون مورداً للحرمة، فلأجل ذلك استخدام الخيط المغصوب في الساتر الصلاتي وان لم يكن هذا الاستخدام مصداقا للتصرف عرفا الا انه غصب، اي محرم، ومقتضى حرمته: عدم تحقق الشرط وهو اباحة الساتر.
المطلب الثاني: إذا كان المكلف جاهلا بالحرمة، اي جاهلا بالحكم، وان كان يعلم ان هذا مال للغير وانه لم ياذن فيه الا انه جاهل بالتصرف. فهل الجهل بالحرمة مانع من فساد الصلاة أم لا؟
وهنا في الكلمات تفصيلان:
التفصيل الاول: التفصيل بين الجهل البسيط والجهل المركب، فإن كان حين تصرفه ملتفتا الى انه قد يكون ممنوعا من ذلك التصرف فمقتضى ذلك حرمة التصرف عليه لشمول الأحكام الواقعية للعالم والجاهل.
واما إذا كان الجهل مركبا - بمعنى انه قاطع للحلية -. فربما يدعى انه: أن الحكم الواقعي وهو حرمة التصرف في المغصوب ليس فعلياً في حقه.
والوجه في عدم فعلية حرمة التصرف في حقه: هو لغوية ذلك. فإن ثبوت الحرمة في حق من هو قاطع بعدمه لغو، إذ لا زاجرية لهذه الحرمة. إذا فلا حرمة في حقه واقعاً ومقتضى انتفاء الحرمة انه لم يخل بما هو شرط في صحة الصلاة.
ولكن يلاحظ على ذلك: أنّ هذا الاشكال اشكال مبنائي؛ حيث بحث في الاصول: ان المناط في فعلية الحكم على المحركية بالفعل أو المحركية على فرض الوصول؟.
فإن قلنا: بمبنى سيدنا «قده»: من أنّ الحكم الفعلي ما كان محركا بالفعل. وحيث إن الحرمة أو الوجوب ليس محركا بما هو قاطع بخلافه، فلا محالة لا يوجد حكم فعلي بحق الجاهل المركب القاطع بالخلاف.
واما إذا قلنا كما هو الصحيح: من ان الحكم الفعلي ما كان محركا إن وصل، وإن لم يكن واصلا الآن، ولكن يكفي في اتصاف الحكم بالفعلية انه لو وصل لكان محركا، إذا مقتضى ذلك: ان الحرمة فعلية في حق الجاهل المركب إذ لو كانت وصلت لكانت محركة له.
فهذا يبتنى على تحليل هذا المبنى في محله، لأجل ذلك، إنما يتم التفصيل بين الجاهل البسيط والجاهل المركب إن قلنا بعدم فعلية الحكم ما لم يكن محركا بالفعل.
التفصيل الثاني: الذي طرحه سيدنا «قده»: بين القاصر والمقصر. سواء كان جاهلا بسيطا أم جاهلا ًمركبا، فإن هذا لا يؤثر في نكتة المطلب. المهم: هل أن استخدامه للمغصوب عن عذر شرعي أم لا؟ فإن كان استخدامه للمغصوب عن عذر شرعي فصلاته صحيحة كان جالها بسيطا ام جاهلا مركبا، وان لم استخدامه مستندا للعذر فصلاته فاسدة.
والوجه في هذا التفصيل نكتتان:
النكتة الاولى: ما اشار اليه سيد المستمسك في «ج5، ص284»: من ان المانع من صحة الصلاة: عدم صلاحية الستر للمقربية، حيث إن التسر الغصبي ليس صالحا للمقربية بل هو مبعد فمقتضى ذلك: فساد الصلاة فما دم المناط في صحة الصلاة وفسادها ان الستر هل هو مبعد أم مقرب؟. إذا لابّد من التفصيل بين القاصر والمقصر، فنقول: بأن استخدام الساتر الغصبي من قبل المقصر مبعد، لأن استخدامه للساتر الغصبي قبيح والقبيح لا يصلح للمقربية من دون فرق بين أن يكون جاهلاً بسيطا او جاهلاً مركبّاً.
واما استخدام الساتر الغصبي من قبل المعذور فليس قبيحا وإذا لم يكن قبيحا فهو صالح للمقربية فتصح الصلاة.
ولكن قد يقال في مناقشة سيد المستمسك «قده»:
أنّ المعذورية عن الادانة شيء وكون العمل غير صالح للمقربية شيء آخر. فاستناد المستخدم للساتر الغصبي لعذر شرعي غايته انه: يرفع عنه الادانة اي ان الحرمة ليست متنجزة في حقه لا انها ليست فعلية. فبما ان القاصر معذور فغاية معذوريته أن لا ادانة عليه، أي أن حرمة التصرف ليست متنجزة في حقه ولكن هذا لا يعني ان تصرفه ليس حراماً بالفعل، بل هو حرام، وبما أنه حرام فعلاً فلا يعقل ان يكون مصداقا للواجب. فالمناط لعدم صلاحة العمل لأن يكون مصداقاً للواجب أنه محرم. سواء كان مدانا عليه أم لم يكن مداناً، فبما ان استخدام القاصر للساتر محرّم واقعاً وإن لم يكن متنجزاً في حقه فحرمته واقعاً كافية في عدم صلاحيته لأن يكون مصداقا لما هو المامور به.
النكتة الثانية: ما ذكره سيدنا «قده»: ان مقتضى اطلاق لا تعاد صحة صلاته. فإن مقتضى حديث «لا تعاد» إنّ من لم يخل بالخمسة فصلاته صحيحة، والجاهل القاصر بغصبية ساتر العورة لم يخل بأحد الخمسة فصلاته صحيحة.
وقد يورد على ذلك:
تارة: تكون شرطية الاباحة مستفادة من دليل لفظي أو لبيّ، وتارة: تكون شرطية الاباحة لأجل حكم العقل باستحالة اجتماع الحرام والمأمور به، ففرق بين المدركين.
فإن قلنا: بأن شرطية الاباحة لساتر العورة في الصلاة مما قام عليها الدليل سواء كان دليلا لفظيا كما سبق عرض الروايات أو اجماعاً لذلك هو شرط شرعي قام عليه دليل وهذا المكلف اخل بهذا الشرط لكن عن قصور، فمقتضى ذلك: شمول حديث «لا تعاد» له، لأنه أخلّ بشرط غير ركني، يعني لم يخل بأحد الخمسة وان كان قد اخل بشرط شرعي لكن اخل به عن قصور.
أمّا إذا كان مدرك اعتبار الاباحة مجرد حكم العقل يعني ليس اشتراط الاباحة شرعيا، لم يقم دليل من قبل الشارع على اشتراط الاباحة لكن غاية ما في الباب أن العقل يقول: لا يمكن ان يكون الحرام مصداقا للمأمور به لا ان هناك شرطا شرعيا لاعتبار الاباحة.
فاذا كان المدرك مجرد حكم العقل ان الحرام لا يكون مصداقا لما هو المأمور به فقط لا ان الاباحة شرط شرعي. ففي مثل هذا المورد هل يشمله حديث «لا تعاد» ام لا؟.
فقد يقال: بأن حديث لا تعاد لا يشمل مثل هذا الفرض.
لان المقصود ب «لا تعاد» اما رفع الحرمة اما رفع شرطية الستر اما رفع الحكم العقلي. حيث غن مفاد «لا تعاد» صحة الصلاة، صحة الصلاة تتوقف على عدة امور، أما أن نقول: بأن لا حرمة الآن، يعني من تصرف بالساتر الغصبي عن قصور لا حرمة في حقه، فتصح الصلاة، أو نقول: الحرمة باقية لكن لا يشترط الستر في حقه، رفعنا شرطية الستر. أو نقول: حكم العقل بأن المحرّم لا يصلح أن يكون مصداقاً للمأمور به، هذا الحكم العقلي مرفوع ب «لا تعاد». على اية حال الجميع لا يصح. وذلك: ان قلنا بأن المرفوع ب «لا تعاد» الحرمة؟. فيجاب عن ذلك: بأن «لا تعاد» ترفع سنن الصلاة لا انها ترفع حكماً خارجا عن دائرة الصلاة. فإن قوله : «لا تنقض السنة الفريضة» في ذيل حديث لا تعاد مفاده: أنّ من اخل بالسنة، بسنة من سنن الصلاة عن عذر ولم يخل بالفريضة فإن تلك السنة مرفوعة في حقه، وهذا لم يخل بسنة من سنن الصلاة، لأن حرمة التصرف في الساتر ليست من سنن الصلاة كي يقال بأنه أخل من سنة من سنن الصلاة فهي مرفوعة في حقه لأنّ الاخلال كان عن عذر فإن حرمة التصرف في المغصوب حكم عام.
وان قلتم بأن المرفوع بحديث «لا تعاد» شرطية الستر، هذا لا يشترط ستر العورة في حقه لان الساتر غصبي. فيقال: بأن ذلك خروج عن مورد الاخلال، لانه لم يخل بنفس الستر وإنما بكونه مباحاً، لا انه اخل بأصل الستر، وحديث لا تعاد انما يعالج مورد الخلل لا انه يعالج موردا اكبر من مورد الخلل، فبما ان هذا المكلف لم يخل بأصل ستر العورة وإنما أخل بشرط او بصفة من صفاته الا وهي الإباحة، إذا لا موجب لرفع اصل شرطية ستر العورة في حقه.
واما ان يقال بأن المرفوع بحديث لا تعاد نفس الحكم العقلي، لأن الذي يمنع من صحة صلاته هو حكم العقل بأن الحرام لا يصلح أن يكون مصداقاً للمأمور به. فهذا هو المرفوع بحديث لا تعاد.
فجوابه واضح: أنّ حديث «لا تعاد» إنما ترفع ما هو مجعول شرعا لا ما لم يكن مجعولا شرعاً، فما هو قابل للجعل الشرعي قابل للرفع اما الحكم العقلي على نحو البت والجزم ان الحرام لا يصلح ان يكون مصداقاً للمامور به، فهذا امر غير قابل للرفع الشرعي.
إذاً بما ان مفاد حديث لا تعاد صحة الصلاة وصحة الصلاة تتوقف على احد التصرفات الثلاثة وحديث لا تعاد لا يتكفل اي تصرف وأي علاج من هذه العلاجات الثلاثة، فمقتضى ذلك: فساد صلاته.
ولكن قد يقال: في جواب الاشكال: بأن هذا يعتمد على تحليل مفاد لا تعاد. هل ان مفاد «لا تعاد». بعبارة أخرى: هل أن المستفاد من «لا تعاد» أن المصحح هو الاخلال بالسنة عن عذر؟ ان كان اخلاله بالسنة عن عن عذر فصلاته صحيحة والا فلا.
فقد يدعى: ان المستفاد من ذي الحديث «لا تنقض السنة الفريضة». أن المصحح للصلاة الاخلال بالسنة عن عذر، فهذا المكلف لم يخل بالسنة عن عذر وإنما خالف حكما عقلياً، فما هو سنة من سنن الصلاة اصل الصلاة، وهو لم يخل به.
واما إذا قلنا بأن المستفاد من حديث «لا تعاد» ان المصحح ليس الاخلال بالسنة عن عذر، ان لا يخل بالفريضة لا ان يخل بالسنة عن عذر، اي ان المصحح حد سببي عدمي وليس عدما وجودياً المصحح للصلاة ان لا يكون اخلال بالفريضة، ان لا يكون اخلال بأحد الخمسة، هذا المصحح للصلاة. المهم لم يخل بالفريضة. بدعوى ان المستفاد من ضمن الصدر للذيل، حيث قال في الصدر العبارة السلبية «لا تعاد الصلاة الا من خمسة». اي ان المصحح للصلاة: ان لا يخل بأحد الخمسة، فمن لم يخل باحد الخمسة فصلاته صحيحة، وهذا لم يخل بالخمسة.
فحيث ان موضوع لا تعاد منطبق عليه وهو عدم الاخلال بفريضة عدم الاخلال بعدم الخمسة كانت صلاته صحيحة.
ولا يبقى امام تصحيح صلاته الا حكم العقل فإن العقل يقول: هذا النص يخالف حكم عقلي جزمي، ان الحرام لا يقع مصداقا للمأمور به، فمقتضى اطلاق «لا تعاد» صحة صلاته الا ان هذا الاطلاق محفوف بقرينة عقلية قطعية، وهي: ان الحرام لا يصلح ان يكون مصداقا للمأمور به. فلا علاج الا بالالتزام بعدم شمول الحرمة لمثله، فيقال: ان من صلّى في الساتر الغصبي جاهلا بالحرمة عن قصور فإن تستره الصلاتي ليس موضوعا للحرمة من الاساس.
كي لا يرد الاشكال العقلي: ان الحرام لا يقع مصداقا لما هو المأمور به، ولا مانع من الالتزام ب «لا تعاد» ترفع الحرمة، لان مفادها ليس من اخل بالسنة عن عذر بل مفاده من لم يخل باحد الفراض فصلاته صحيحة، فإذا توقف تصحيح صلاته عن رفع الحرمة كانت مرفوعة.
هذا تمام الكلام في هذا المطلب، وهو: من اخل بالساتر الغصبي عن جهل بالحرمة. واما إذا كان عن جهل بالموضوع. يأتي الكلام عنه إن شاء الله.