الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط:
 وأيضاً تجري البراءة عند الدوران بين الأقل والأكثر في الشرائط، لأن مرجع الشرطية إلى تقيّد الواجب بقيد زائد فالشكّ في التقييد شك في الأمر بالتقيّد المذكور زائداً على الأمر بذات المقيّد «وهو الواجب»، وهذا أيضاً شك في دوران الأمر بين الأقل والأكثر بلحاظ ما يدخل في العهدة، وحينئذٍ نقول: بانحلال العلم الإجمالي انحلالاً حقيقيا إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الزائد بلحاظ ما يدخل في العهدة وهو ما يخصّص أو يقيّد الواجب به سواء كان الشرط متقدّماً أو متأخّراً أو مقارناً( [1]
  [2] )، فتجري البراءة عنه، كما قلنا ذلك عند الشكّ في جزء زائد على الأجزاء التسعة المتيقّنة، لأنّ التكليف المتوجّه إلينا نشكّ في تعلّقه بخصوص حصول الشرط، ونشكّ بتحصّصه بخصوص الشرط لأنّ تعلّق التكليف بالمقيّد يحتاج إلى كلفة في مقام الثبوت وهي لحاظ المولى الواجب بحصّة خاصة وتبيينه، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى الحصّة الخاصة جارية ولا يعارضها قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى الواجب المطلق وغير المحصّص وغير المقيّد، لأنّ المطلق هو الواجب غير المحصّص معلوم والمتيقّن، وكذا تجري البراءة النقلية.
 أو قل: إنّ ملاك الانحلال كما ذكر سابقا هو: العلم بتحقّق المعلوم بالإجمال في فرد من الأطراف وهو الانحلال الحقيقي، او جريان الأصل المرخّص في طرف دون جريانه في الطرف الآخر، فإذا جرى الأصل المرخّص في الأكثر «وهو التقييد بالشرط الزائد» دون الأقل «وهو وجوب الواجب دون قيد زائد» فقد انحل العلم الإجمالي حكماً، ولا يعارضه جريان الأصل في الأقل وهو المطلق، لأنّ الإطلاق يقتضي التوسّع لا الضيق، فلا يأتي فيه رفع ما لا يعلمون لأنّه امتناني، ولا يرفع ما فيه منّة على العباد، أو قل إنّ المطلق وهو الواجب بدون الشرط معلوم فلا يأتي رفع ما لا يعلمون ولا يأتي عدم البيان، فلاحظ.
 نعم، هناك من الشروط ما ليس من قبيل الشرط المستقل عن المشروط كالوضوء بالنسبة للصلاة وليس من قبيل الشرط المقارن للمشروط كالطمأنينة في الصلاة، بل هو نوع ثالث: وهو ما كان عند العرف يعدّ مقوّماً للمشروط، كما إذا علمنا بوجوب إكرام ولكن لا نعلم وجوب الإكرام للإنسان أو للحيوان، فهنا ذهب الميرزا تبعاً للآخون إلى جريان قاعدة الاشتغال عقلاً ونقلاً، لأنّ الجنس بما هو جنس ليس له وجود في الخارج إلّا بوجود فصله، فالحيوان ليس له وجود إلّا بوجود فصله، وحينئذ يدور أمر وجوب الإكرام بين أن يكون لخصوص المخصّص بالإنسانية أو المخصّص بأي فصل سواء كانت الحصّة هي الإنسانية أي التفكير أو غيرها من الحركة بالإرادة فدار الأمر هنا بين التعيين والتخيير والحكم فيه هو الاشتغال( [3] ).
 دوران الأمر بين التعيين والتخيير: ومحل النزاع هو: فيما هو الداخل في عهدتنا وذمتنا من الأحكام الواقعية «أي يكون الشك في كيفية الجعل» ولم يكن في البين أصل لفظي من إطلاق ونحوه يعيّن الوجوب التعييني أو التخييري، ولا يوجد استصحاب موضوعي يرتفع به الشك، لأنّه إذا ارتفع الشكّ فلا تصل النوبة إلى البراءة.
 وأنّ الكلام بعد إحراز أصل الوجوب والجزم به( [4] ).
 أقول: تقدّم منّا بحث الشكّ في إطلاق هيئة الوجوب أنّها تعيينيّة أو تخييريّة أنّها تدلّ على التعيين، وذلك البحث هو في صورة ما إذا أوجد دليل لفظي، فإن كان دالّاً على التعينيّة فهو وإذ دلّ على التخيير بين شيئين فهو، إن شكّ في دلالته على التعيين أو التخيير بينه وبين غيره فقد قلنا إنّ الأصل يدلّ على التعيين، لأنّ التخيير يحتاج إلى لفظة أو في معناه لعدم لزوم الجمع بين الأطراف، بخلاف التعييني، فلا يحتاج إلى لفظة أو ما في معناها، فلاحظ.
 أمّا البحث فهو في صورة عدم وجود دليل لفظي فما هو الاصل العملي هنا؟ هل يقتضي التعيين أو التخيير؟


[1] ـ كغسل الليل السابق للمستحاضة بالنسبة إلى صحّة صوم اليوم الذي بعده، أو كغسل الليل المتأخر للمستحاضة بالنسبة إلى صوم اليوم الذي تقدّم، أو كغسل النهار المقارن للمستحاضة بالنسبة إلى صحّة صوم يومها.
[2] وهذه الشروط شروط مستقلّة منحازة عن الواجب، وهناك شروط للواجب غير منحازة عنه كوجوب الطمأنينة المقارنة لأفعال الصلاة، أو كوجوب عتق الرقبة المقيّدة بالإيمان، فنسبة الشرط إلى المشروط كنسبة الصفة إلى الموصوف والعارض إلى المعروض.
[3] ـ غاية المأمول من علم الأصول2: 408.
[4] ـ أمّا لو لم يعلم أصل الوجوب كما لو شكّ بين الوجوب التعييني والتخييري وعدم الوجوب، فهنا أصالة عدم الوجوب التعييني تجري وتجري أصالة عدم الوجوب التخييري فينفى أصل الوجوب بجريانهما، فلاحظ.