الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 وهكذا قد تبيّن ان العلم الإجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعية، وأنه كلما تعارضت الأُصول الشرعية المؤمنة في اطرافه «إذا كانت جارية» وتساقطت حكم العقل ـ وكذا الشرع ـ بوجوب الموافقة القطعية وكان تنجزّ جميع الاطراف من آثار نفس العلم الإجمالي.
 ولا فرق في التكليف المعلوم بالإجمال بين ان يكون نوع التكليف معلوما وبين أن يكون مجهولاً كالعلم بإلزام مردد بين حرمة هذا الفعل أو وجوب الفعل الآخر. كما انه لا فرق في القسم الأول بين الشبهة الوجوبية كالعلم بوجوب مردّد بين الظهر والجمعة وبين الشبهة التحريمية كالعلم بحرمة مردّد بين هذا المائع ومائع آخر.
 أقول: تقدم في بحث منجزيّة، العلم الإجمالي تقوية رأى السيد الخميني () القائل بان العلم الإجمالي علّة للتنجيز في حرمة المخالفة القطعية لأن الترخيص في جميع اطراف العلم الإجمالي هو معصية والشارع لا يرخص فيها، أو لما قلناه من ان الترخيص في جميع الاطراف يكون عند العرف مفوِّتاً للغرض الإلزامي، فيكون هذا قرينه مانعه من انعقاد الإطلاق في دليل البراءة للعلم الإجمالي. اما بالنسبة للموافقة القطعية فقال الخميني: أن العلم الإجمالي مقتضي للتنجيز فيتمكن ان يرخص الشارع في بعض اطراف العلم الإجمالي ودليله هناك هو ورود الترخيص في بعض اطراف العلم الإجمالي كالشبهة غير المحصورة مع احتمال وإمكان الابتلاء بكل طرف منها فهو دليل على إمكان الترخيص ثبوتاً.
 فان تمّ هذا الكلام فهو دليل علىّ ان العلم الإجمالي يقتضي الموافقة القطعية في جميع إطرافه، لا انه يكون علة لذلك فلاحظ.
 ثم اننا نزيد في الأمثلة على جواز الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي مثال الشاة الموطوءة فلاحظ.
 أقول: لا يسقط هذا القول عن الحجيّة الا أن نقول:
 أولا: ان العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصودة بما انها كثيرة الاطراف فتكون الموافقة القطعية باجتناب جميع الاطراف أو ارتكاب جميع الاطراف موجباً للعسر والحرج فلا يكون التكليف باعثاً وزاجراً للمكلف فخرج عن كونه علما إجماليا يوجب تنجّز التكليف، أو بتعبير البعض «ان تبلغ كثرة الاطراف حدّا يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف»( [1] ).
 ثانياً: ان مثال الشاة الموطوءة حينما قال الشارع بالقرعة في تعينها يكون كما إذا قامت بيّنة على ان الشاة الموطوءة هي هذه التي وقعت عليها القرعة فينحل العلم الإجمالي وتجري البراءة في بقية الاطراف. فعلى هذين المقالتين سيكون الحق هو منجزية العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، ولا يوجد مورد واحد للترخيص في بعض اطراف العلم الإجمالي الذي لا يوجب الموافقة القطعية، فلاحظ.
 ولكنّ الصحيح إنّ القرعة ليست كالبيّنة، لأنّهم قالوا «كما تقدّم»: أنّها آخر الأصول العمليّة أو هي أصل عملي في مورد الجهل والشكّ والحيرة وليس لها نظر إلى تعيين الواقع المجهول.
 وحينئذٍ فإن لم يدل دليل على جواز الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي فتجب الموافقة القطعية، وإن وجد ترخيص في بعض أطرافه فنأخذ به وحينئذٍ تجوز المخالفة الاحتمالية، فلاحظ.
 التطبيقات:
 1ـ قال السيد الطباطبائي اليزدي () إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور كإناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع( [2] ).
 2ـ وقال المحقق الهمداني (): لو اشتبه الإناء النجس ذاتا أو بالعرض بالطاهر وجب الامتناع منهما، ويدلّ عليه مضافاً إلى النصّ والإجماع قضاء العقل بحرمة المعصية ووجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم بالإجمال المردد بين الإنائين فيجب التحرّز عن كلٍّ من المحتملين تحرّزاً عن العقاب المحتمل( [3] ).
 3 ـ قال السيد الطباطبائي اليزدي () في المجنب بالمنيّ: إذا بال ولم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنّي يحكم عليها بأنها بول، فلا يجب عليه الغسل، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فأنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإجمالي( [4] ).
 أقول: في صورة ما إذا لم يستبرأ يكون العلم الاجمالي منحّلاً باستصحاب البول.


[1] ـ السيد الخوئي/ منهاج الصالحين ج 1 / 20.
[2] ـ العروة الوثقى 1 / 108 و 109 / المسألة الأولى من الماء المشكوك.
[3] ـ مصباح الفقيه: 1: 243 و 244.
[4] ـ العروة الوثقى: 1: 341 ، المسألة الثامنة من الاستبراء.