الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 
 ومنها: الشبهة البدوية بواسطة المؤمّن. ومنها: ما إذا صلى ظهراً وعصراً وشك بعدهما في كونهما كانا بطهارة أم لا؟ فقاعدة الفراغ ترخصّ في المخالفة الاحتمالية، إذ يحتمل عدم الطهارة. اذن لا مانع من جريان الأُصول في بعض أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة.
 ولكن الكلام: هو هل أن دليل الأُصول شامل لمِا نحن فيه؟
 والجواب: ان البراءة العقلية ليست شاملة للمقام لأن البيان تمّ بوجود علم إجمالي بالنجاسة مثلاً، فالبيان بالنجاسة تام لكنه اشتبه مصداقه الخارجي مع إمكان تركهما معاً، فلو أرتكب احدهما فصادف كونه النجس مثلاً كان مستحقا للعقاب قطعا.
 وكذا لا تشمل أدلة البراءة الشرعية ما نحن فيه لاننا نعلم الحكم بالنجاسة ولكن لا نعلم مصداقه فإذا أجرى رفع ما لا يعلمون في أحد الاطراف كان مستحقا للعقاب قطعاً وما ذاك الا لأن جريان البراءة في أحد الأطراف لا بعينه لا يصح: لأنه ترجيح بلا مرجح، لأن نسبة دليل الأصل إلى كل من الطرفين على نحو واحد وجريان الأصل في البعض المردد غير معقول إذ لا معنى للفرد المردد( [1] ).
 أقول: قد يقال إننا من إجراء الأصل في احد الطرفين المعلوم بالإجمال معيّناً ولا يلزم الترجيح بلا مرجّح، كما إذا فرضنا أنّ التكليف الإلزامي في أحد الطرفين مضنون، فنظنّ أنّ الواجب في الجمعة هو صلاة الجمعة مثلاً ونحتمل أنّ الواجب في يوم الجمعة هو الظهر، وهنا لا نحتمل جريان الترخيص في جانب المضنون دون الموهوم، ولكن نحتمل عدم جريان الأصل في جانب المضنون وجريانه في جانب الموهوم، وبما أنّه لا يجري كلا الأصلين في المقام فنستنتج أنّ المضنون لا يجري فيه الأصل والمحتمل يحتمل دخوله تحت الأصل فيتمسّك بإطلاق الأصل فيه.
 وكما أنّه لو كان أحد طرفي العلم الإجمالي المعيّن أهم من الطرف الآخر فهنا نقطع بعدم جريان الأصل في الطرف الأهم ولكن يجري في الطرف الآخر المهم من دون حصول المحذور من أنّ جريان الأصل في أحد الطرفين ترجيح من دون مرجّح.
 ولكن مع هذا لا يمكن جريان الأصل الترخيصي في أحد أطراف العلم الإجمالي لأنّ رفع ما لا يعلمون لا يشمل ما نحن فيه بل هو كما تقدّم ضيّق ولا يؤمّن إلّا في حالة التردد بين احتمال الالزام مع احتمال الترخيص «الشكّ البدوي» أمّا هنا الذي هو قطع بالإلزام الاجمالي في مقابل الترخيص الاحتمالي فبا نقتضي لشمول رفع ما لا يعلمون لع للقطع بالالزام.
 تتميم: يوجد مانع شرعي من جريان الأُصول في موارد العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين، وهو يدل على ان الشارع قد أوجب الاحتياط التام فيها، وهذا المانع هو الروايات المتعددة الواردة في موارد العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين.
 منها: ما رواه الصدوق والشيخ الطوسي () عن صفوان بن يحيى أنه كتب إلى أبي الحسن يسأله عن الرجل معه ثوبان: فأصاب أحد هما بول ولم يدر أيّهما هو؟ وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع قال () يصلي فيهما جميعاً( [2] ).
 فانّه لو كان أصل الطهارة الذي هو بمنزلة أصالة البراءة جاريا في احد الثوبين أو في كليهما لجاز الاكتفاء بالصلاة في أحدهما، فإيجابه للصلاة في كليهما شاهد على تنجّز التكليف بنجاسة الثوب الملاقي في الواقع للبول. وهناك اخبار أُخر( [3] ).
 ومنها: ذكر السيد الشهيد هذا المثال فقال: ورد لزوم الاجتناب عن الأغنام التي نعلم بكون بعضها موطوء( [4]
  [5]
  [6] ).
 ومنها: ما ورد من الأمر بإراقة المائين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما( [7] ). ولا يجوز شربهما ويتيمّم إذا لم يوجد غيرهما.
 ومنها: روايات كثيرة تقول أنّ الثوب إذا أصابه خمر فإن علمت موضعه فاغسله وإن لم تعلم موضعه فاغسله كلّه.
 وعندما لا نعلم موضعه مع علمنا بإصابة الثوب يعني هذا وجود علم إجمالي بأنّ الخمر أصاب هذا الموضع أو ذاك الموضع، فالروايات أمرت بغسل الثوب كلّه، وبعضها قالت بغسل الموضع الذي وقع فيه الخمر مع عدم تعيّنه فقالت اغسل الجهة التي أصابها الخمر.
 وكذا روايات تقول: إذا تنجّس موضع من الثوب معيّن فاغسله، فإن اشتبه عيك الموضع فاغسل كلّ الثوب، أو اغسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه( [8] ).
 فان هذه الروايات ـ بعد ظهور أنها ليست في مقام تخصيص في الحكم الواقعي ـ تدلّ على عدم جريان الأصل الترخيصي في أحد الطرفين ولو مشروطا بترك الآخر، وإلا لم يجز اراقتهما والتيمم، وجاز شرب أحدهما، أو جاز أكل احد الأغنام.
 وبعد إلغاء خصوصية الموارد المعلومة بالإجمال يستفاد منها كبرى كلية تقول: بعدم جريان الأُصول المرخصة في شيء من اطراف العلم الإجمالي عند تساويها بالنسبة إلى أدلة الترخيص، فتكون مخصصه لإطلاق أدلة الأُصول العامة لو تمّ هذا الإطلاق( [9] ).
 نعم: لو فرض عدم جريان الأصل المرخصّ في احد الاطراف، أو قام أصل إلزامي (استصحاب) حاكم على الترخيص أو قامت أمارة على طهارة أحد الأنائين بالخصوص أمكن إجراء الأصل الترخيصي في الطرف الآخر، وهذا خارج، عن منصرف تلك الاخبار.


[1] ـ راجع دروس في علم الأُصول 2: 366.
[2] ـ وسائل الشيعة /باب 64 من النجاسات / ح 1.
[3] ـ راجع المصدر نفسه، باب 8 الماء المطلق، ح 2 و 14، وباب 7 من النجاسات، وباب 38 من النجاسات / ح2.
[4] ـ هذا المثال ذكره السيد الهاشمي في بحوث في علم الأُصول 5 / 195. ولكن رواية التقسيم في خصوص هذا المثال تخرجه عن موردنا للنص الخاص.
[5] أقول: يوجد نصّ خاص هنا يقول: إذا اشتبهت الشاة الموطوءة في عدد محصور قسمّ نصفين وأُقرع بينهما، ثم يخرج ما فيه المحرّم فيقسم كذلك ويقرع وهكذا حتى تبقى واحدة فيعمل بها ما عمل بالمعلومة ابتداءً (يحرم لحمها ولبنها ونسلها بعد الوطء ان كان المقصود منه اللحم واللبن فتذبح وتحرق بالنار) والرواية هي معتبرة محمد بن عيسى عن الرجل () انه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاه؟ قال () إن عرفها ذبحها واحرقها وان لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها، وعلى هذا فلا أمر بالاجتناب عن جميع الشياة، بل سيكون هذا مثالاً لجريان الأصول في بعض أطراف العلم الاجمالي بالحرمة لأن القرعة هي آخر الأصول العملية وهي تعني في النتيجة الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي، فلاحظ..
[6] وتوجد رواية ثانية يرويها صاحب تحف العقول عن أبي الحسن الثالث () الا ان السند غير تام، راجع وسائل الشيعة باب30 من الأطعمة والأشرية المحرّمة ح1و4.
[7] ـ وسائل الشيعة باب 8 من الماء المطلق ح2 و14.
[8] ـ الوسائل: باب 7 من النجاسات ح1-7، وح10، وباب 38 من النجاسات ح2و3.
[9] ـ أي لو تمّ اطلاق رفع ما لا يعلمون لصورة العلم الإجمالي بتكليف دائر بين المتباينين، فإنّ هذه الأخبار التي دلّت لعى جريان الاحتياط في موردنا تدلّ باللازام على عدم جريان البراءة في أحد الطرفين حتّى لو كان أحدهما مظنون والآخر محتمل أو لو كان أحدهما احتماله مهمّاً جدّاً دون الآخر، فلاحظ.