الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 التطبيقات:
 11- وهذا تطبيق وقع في الخارج مورده نحن وشخص آخر اسمه اسمي: وهو ورد إلى صاحب مكتبة اسمه «بصيرتي» في مدينة قم مبلغاً من المال من دمشق مكتوب على الظرف إلى سماحة الشيخ حسن الجواهري، وقد كان في قم شخصان بهذا الاسم أنا، وابن عم والدي الذي اسمه أيضاً الشيخ حسن الجواهري، وقد سألني صاحب المكتبة «حيث وقع بين محذورين» فقال لي : هل تتربّص وتنتظر حوالة من سوريا قد أوعدك بها شخص؟ فقلت: لا، وقد وجّه نفس السؤال إلى من هو سمّي، فقال: لا ، وبعد سؤاله طلبتُ منه حقيقة من الأمر، وسبب سؤاله هذا السؤال فقال : ورد مبلغ من المال مكتوب على ظرفه إلى سماحة الشيخ حسن الجواهري، ولا أدري أهو لك أو لابن عم والدك؟!!
 فوقعتُ بين محذورين، فهو إما لك فيجب إعطاؤه لك ويحرم إعطاؤه لسميّك، او هو لسميّك فيجب إعطاؤه لسميّك ويحرم إعطاؤه لك ، فانا بين محذورين ولا ادري ماذا أعمل؟! فقلت له: الأمر مشكل حقّاً فأعطاه لي: وقال: «تعرف تكليفك»، فأخذت المبلغ وذكرت الأمر للشيخ ابن عم والدي فأشكل الأمر علينا، ثم اتفقنا على قسمة المال نصفين والتزمنا إن تبيّن ان المال لأحدنا يعطيه الأخر النصف الآخر.
 وهذه واقعة واحدة دار الأمر فيها بين المحذورين «الوجوب والحرمة» ولا يمكن فيها الاحتياط ولا يوجد فيها استصحاب.
 12- وأيضاً من التطبيقات الفقهية: ما لو أوصى شخص له زوجتان وولدان من كل زوجة ولد اسمه محمّد وقد أوصى بإعطاء ثلث ماله أو قسماً من الثلث لولده محمّد أو لا ندري انه أراد محمّد بن فاطمة أو محمّد بن طاهرة، فالوصي يدور أمره بين الوجوب والحرمة ولا يمكن الاحتياط ولا يمكن الاستصحاب فيتحيّر في الإعطاء لأحد المحمّدين.
 13- لو سجّل جماعة كبيرة العدد لأداء فريضة الحج الواجبة وعملت قرعة لكل من أدّى مبلغا من المال، وكتب في كل رقعة اسم الشخص المشترك فكتبت رقعة شخص اسمه: محمّد باقر الحلو، وكان اسم مشابه لهذا الاسم قد اشترك في القرعة وخرجت رقعة محمّد باقر الحلو، فهنا هل تعطى الأولوية للأول أو للثاني؟ أي هل خرجت قرعة محمّد باقر الحلو التي للأول او خرجت قرعة محمّد باقر الحلو للثاني؟ فيدور الأمر بين المحذورين بالنسبة لأمير الحاج ولا يمكن الاحتياط لان العدد محدود ولا استصحاب فالحكم هو التخيير للاضطرار ولابديّة احدهما.
 إشكال على الأمثلة الثلاثة الفقهية: أما المثالان الأولان ، فلماذا لم نقل فيهما بقاعدة العدل والإنصاف فننصّف المال نصفين وننصّف ثلث الميت نصفين بين المحمدين؟ ولماذا لم نقل في المثال الثالث بالقرعة فإنها لكل أمر مشكل كما قيل وهو أمر عقلي ومنصوص أيضاً؟
 الجواب: ان قاعدة دوران الأمر بين المحذورين يختلف موردها عن قاعدة العدل والإنصاف وعن القرعة وتوضيح ذلك:
 أولاً: ان عنوان قاعدة العدل والإنصاف كما تبين لنا من مراجعتها قد تعنون بعناوين مختلفة هي:
 أ) قاعدة التنصيف عند تعارض البينتين.
 ب) القضاء نصفين (نصفان).
 ج) الحكم نصفين (نصفان).
 د) القضاء بالسوية.
 هـ) القضاء بالقسمة.
 وأنت ترى ان هذه العناوين مع العنوان الام (قاعدة العدل والإنصاف) هو خاص في التنازع ، وأيضاً إنّ أدلة هذه القاعدة خاصة بالتنازع والمخاصمات مثل ما ورد عن النبيّ : إن رجلين تنازعا دابةً ليس لأحدهما بينة فجعلها النبيّ بينهما( [1] ). ومثل ما ورد تحكيم بن طرفة: أن رجلين ادّعيا بعيراً فأقام كل واحد منهما بينة، فجعله أمير المؤمنين بينهما( [2] ). وكذا بناء العقلاء الذي يدلّ على هذه القاعدة فإنها قاعدة عقلائية أمضاها الشارع في جملة من الموارد مثل التداعي والتنازع.
 وأما إذا كان الأمر يدور بين الوجوب والحرمة ولا تنازع في البين كما في المثال الأول (مثال الهدية) لشخص له في الخارج مسمّيان، ومثال الوصية بالثلث إلى ولده محمّد وله محمدان فالذي وصلت له الأمانة والوصي يكون أمره دائراً بين المحذورين ولا يمكنه الاحتياط ولا الاستصحاب فهو حكمه التخيير العقلي التكويني بملاك الاضطرار.
 نعم إذا تنازع المسمّيان بهذا الاسم وفهما بالواقعة ، وكذا إذا تنازع المحمدان بعد فهمهما بالقضية فهنا صار تنازع وخصام بين فردين على مستحقّ الهدية والثلث فتاتي قاعدة العدل والإنصاف فتنصّف الهدية «المال المهدي» والثلث بينهما.
 ويستثنى من قاعدة التنصيف والشركة عند التنازع ، ما إذا كانت الشركة أو التنصيف ممتنعاً كما إذا تداعى رجلان زوجة فيحكم حينئذٍ بالقرعة فيها وكذا إذا تداعيا ابناً ( [3] ). فلاحظ.
 أما القرعة : فقد ذكرت رواياتها في كتب الحديث في أبواب متعددة ولكن حاول الحرّ العاملي جمع رواياتها في كتاب القضاء باب (12) من أبواب كيفيّة الحكمة وأحكام الدعوى.
 وموردها هو : أن يشكل الأمر في مورد من الموارد ولم يمكن تشخصه من خلال إمارة أو أصل عملي فصار في تعينيه إلى الاقتراع. ومثال القرعة ، بل احد أدلتها هي القرعة التي وقعت على يونس، حيث لا توجد إمارة على تعيين من يلتقمه الحوت ولا أصل حتّى لا تخيير، إذ من الذي يتخير؟!
 ومثال آخر ، بل دليل على القرعة أيضاً ما حصل في قضية «حنّة» أم مريم بنت عمران التي نذرت أن يكون مولودها الذي في بطنها بعد أن ظنت( [4] ) انه ذكر لخدمة بيت المقدس.«لان الله أوحى إلى عمران ان يهبه ولداً يشفي المرضى الذين لا يمكن علاجهم ويحيي الموتى بإذن الله» ولكن حين وضعت حنّة تبين ان المولود أنثى وسمتها مريم ، وحاولت حملها إلى بيت المقدس، فاخذ علماء بني إسرائيل بالتنافس والنزاع في الفوز بتربيتها لكونها من أسرة آل عمران المعروفة واتفقوا على الاقتراع إذا لقوا أقلامهم، «أي السهام أو الأقلام التي كانوا يكتبون بها الكتاب المقدّس» في النهر وغطس جميع الأقلام وغرقت إلا قلم زكريا فانه طفا، وهذان موردان لحجيّة القرعة.
 وأما أخبار القرعة: فهي لا يبعد تواترها المعنوي ولكن لم يرد في الروايات المعتبرة التعبير بأنها لكل أمر مشكل ، بل هذا هو من لسان الفقهاء ، نعم ورد أنها «لكل أمر مجهول ففيه القرعة» كما في صحيحة محمّد بن حكيم( [5] ) فهي واردة في الأحكام المجهولة التي لا يمكن فيها الاشتراك كما في صحيحة إبراهيم بن عمر عن الصادق×: حيث سؤل عن رجل قال: أول مملوك املكه فهو حرّ فورث ثلاثة؟ قال: يقرع بينهم فمن أصابه القرعة اعتق، قال: والقرعة سنّة( [6] ).
 إذن القرعة لكل أمر مشكل «سواء كان له واقع وأبهم أو لم يكن له واقع» وهنا ممّا تقدم نتمكن ان ندعي أن القرعة في صورة التنازع إذ لا يمكن الاحتياط ولا الاستصحاب إلا ان أدلتها مطلقة لكل أمر مجهول فهي تشمل ما لم يكن المورد تنازعاً ولكنه مجهول إلا أنها لا تشمل موردنا وذلك لان القرعة كما قالوا: هي في صورة عدم وجود إمارة أو أصل ، لان موضوعها هو الأمر المجهول ومع وجود إمارة في مورد الجهالة أو أصل عملي يحدد الوظيفة العملية والموقف الشرعي لا تبقى جهالة في المورد وليرجع إلى القرعة، وحينئذٍ إذا كان المورد فيه أصالة التخيير فلا يرجع إلى القرعة لعدم الجهالة عند تحديد الوظيفة العملية.
 وقد يعبّر عن هذا بانّ القرعة هي آخر الأصول العملية ، فإذا كان أصل التخيير في المورد فلا يصل الأمر إلى القرعة التي تحدد الوظيفة العملية، فلاحظ.
 إذن القرعة موردها بعد أصالة التخيير وأصالة التخيير موردها يختلف عن قاعدة العدل والإنصاف الخاصة بصورة التنازع والمخاصمة.
 فتبين: ان الأمثلة الثلاثة المتقدمة الفقهية هي أمثلة لدوران الأمر بين المحذورين فان لم يمكن الاحتياط ولا الاستصحاب فيتخيّر من دار أمره بينهما حيث لا نزاع، أما إذا صار نزاع ومخاصمة في الأمر فهو مورد لقاعدة العدل والإنصاف والشراكة إلا في الموارد المتنازع عليها ولا يمكن فيها الشراكة.
 أما القرعة فهي في صورة عدم إمكان جريان أصالة التخيير ؛ لان أصالة التخيير إذا جرت فليس هناك جهالة في الموقف الشرعي.


[1] () انظر الجواهر/ 40/ 402 و413.
[2] () المصدر السابق.
[3] () جواهر الكلام 40/ 433.
[4] () أو اعتقدت.
[5] () وسائل الشيعة باب 13 من كيفية الحكم ح11.
[6] () المصدر نفسه ح2.