الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 2) إنّ هذا مثل الاضطرار إلى أحد الطرفين بعينه فلا يكون العلم الإجمالي منجزَّا وذلك: لعدم قدرة المكلف على الإتيان بالعمل القربي، لأن القربة إلى الفعل تتوقف على ارجحيّة الفعل من الترك، ولا ارجحيّة لأنّ كلّاً من الطرفين محتمل، وحينئذٍ نقطع بسقوط الوجوب العبادي على تقدير ثبوته، لعدم القدرة على امتثاله، وحينئذٍ تصبح الحرمة مشكوكة بالشك البدوي فننفيها بالبراءة وهكذا الحال لو كان كلا الطرفين تعبديّا( [1] ).
 أقول: وهذا الإشكال الثاني قد أخرج موردنا من تحت دوران الأمر بين المحذورين في كل الأمثلة التي ذكرت لهذه الصورة وهو يجري في كل مثال يكون أحد الطرفين عباديا، وكذا في كلّ مثال ذكرناه لكون الطرفين تعبّديّين
 ولكن هذا الاشكال الثاني غير صحيح لإمكان حلّه في الفقه، وذلك لأن المرأة التي يدور أمرها بين وجوب الدخول إلى المسجد للطواف لعمرة التمتع وبين حرمة الدخول لكونها حائضاً يوجد عندها في الحقيقة داعيان متصوران:
 الأول: هو احتمال الوجوب الذي يدعو إلى الفعل.
 والثاني: احتمال الحرمة الداعي إلى الترك، وكل من الداعيين علة تامة في نفسه للتحريك لكنه مبتلي بالمزاحمة، فإذا وجد عند المكلف داعي نفساني «دنيوي» لترجيح الفعل على الترك لكونه قربيّاً وعبادة كان هذا المقدار من الداعي «الدنيوي» للترجيح كاف في قصد القربة المعتبر في العبادات لأن أصل الداعي القربي موجود في الدخول لأجل الطواف الا انه قد ابتلي بالمزاحمة فالنقص في القربة لم ينشأ من عدم وجود داعي قربي بل جاء من المزاحمة، فيكفي وجود الداعي النفساني للترجيح لحصول القربة، وهذا هو عبارة عن توسعة في دائرة القربة المعتبرة في العبادات هنا، وعلى هذا سيكون المثال موردا لدوران الامر بين المحذورين.
 وعلى هذا نقول: ان هذا العلم الإجمالي يقتضي حرمة المخالفة القطعية، لأنّ المخالفة القطعية ممكنة ولكن بما أننا مضطرون إلى ارتكاب احد الطرفين لا بعينه فلا يكون منجّزاً لوجوب الموافقة القطعية وحينئذٍ اما ان نفعل الدخول أو عدم الدخول، وهذا يسِّوغ لنا الحكم بالتخيير مع وجود العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمة وهو معنى التخيير العقلي أو التكويني( [2] ).
 فان لم تجر البراءة في الطرفين فنحن مضطرون إلى ارتكاب أحد الطرفين، أوجرت في الطرفين ولكن جريانها هل بملاك عدم البيان أو بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز عقلا من تحصيل الموافقة القطعية؟
 الجواب: جريان البراءة بملاك الاضطرار وهو التخيير العقلي، فلاحظ.


[1] ـ راجع للتوسع مباحث في علم الأُصول 5: 160 ـ 161.
[2] ـ والمراد بالتخيير التكويني هنا أو التخيير العقلي هو الموافقة الاحتمالية، وهذه الموافقة إنّما تحصل بالنسبة للصلاة فيما لو أتت المرأة بهذه الصلاة برجاء الأمر بها، لا بقصد الأمر الجزمي، لكون قصد الأمر الجزمي لها بالصلاة تشريع محرّم قطعاً، فلا تكون الموافقة الاحتمالية حاصلة بها جزماً، بل تكون المخالفة القطعية حاصلة به لأنّ التشريع المحرّم هو عبارة عن اسناد ما لم يعلم أنّه من الله تعالى إلى الله سبحانه، وهو هنا حاصل فهو محرّم، فإذا كان الطرف الثاني وهو الترك أيضاً محرّماً فقد حصلت المخالفة القطعية التي يمكن أن يتحرّز عنها، فلاحظ.