الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 قد يقال: إنّ المرأة إذا شكّت في انتهاء حيضها فحالتها السابقة في الحيضيّة، فتستصحب الحيض، لأنّ الاستصحاب كما يجري في الأمور القارّة كذلك يجري في الأمور التدريجيّة التي لها وحدة عرفيّة، والأمر هنا تدريجي لأنّ الحيض عبارة عن سيلان الدم وهو أمر تدريجي قد علمنا بخروج مقدار منه ونشكّ في خروج مقدار آخر، وبما أنّه أمر واحد بالنظر العرفي لا مانع من استصحاب الحيض، وهنا ينحل العلم الإجمالي ويتعيّن كونها حائضاً وبهذا يخرج المثال عن كون شكّاً بين الوجوب والحرمة.
 والجواب: إنّ الاستصحاب لا يجري في المقام وذلك، لأنّ الحيض بحسب الحدوث يشترط فيه الرؤية والخروج، أمّا بحسب البقاء فلا يشترط في الخروج والرؤية، بل وجوده في المحلّ والمجرى كاف في تحقّق الحيض، فلا تجب عليها الصلاة ولا تحلّ لها بقيّة المحرمات إلّا بنقائها ظاهراً وباطناً.
 وهنا إذا شكّت المرأة بعد انقطاع الدم ظاهراً، هل الدم موجود في المحلّ أو في المجرى فهنا قد أوجب عليها الشارع الاستبراء وهو استعلام الحال بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هُنيئة فإذا خرجت نقية اغتسلت وصلّت وإذا خرجت ملطّخة ولو بصفرة صبرت حتّى تنقى أو تنقضي عشرة أيام.
 وهذا الاستبراء دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع) : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتدخل قطنة فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل» ـ الوسائل باب17 من أبواب الحيض ح1 ـ وهي دالة على أنّ الحائض ليس لها أن تترك الغسل باستصحاب عدم النقاء عند الشكّ فيه لأنّها أمرت بالاستبراء، ولكن هذا الوجوب ليس وجوباً نفسيّاً ولا وجوباً شرطياً بحيث لو لم تستبرأ بطل غسلها، وذلك لأنّ موثّقة سماعة بيّنت أنّ الاستبراء هو لمعرفة حال هذه المرأة لا أنّه قيد معتبر في الغسل، فمضمون موثقة سماعة عن الإمام الصادق (ع) : «قلت له المرأة ترى الطهر وترى الصفرة او الشيء فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال: فإذا كان كذلك فلتقم فتلصق بطنها بالحائط ثمّ ترفع رجلها اليمنى وتستدخل القطنة» ـ وسائل الشيعة باب 17 من أبواب الحيض، ح4 ـ دلّت على أنّ الاستبراء هو لمعرفة حالها واستخبار أنّها طاهر أم حائض وليس واجباً نفسياً ولا شرطياً، بل هو واجب عقلي أرشدت إليه الروايات.
 إذن الروايات التي أرشدت إلى حكم العقل دلّت على عدم جريان الاستصحاب في هذا المورد، ومع عدم جريانه يأتي العلم الإجمالي بأنّ هذه المرأة إمّا هي حائض أو هي طاهر ولكلّ منهما أحكام إلزامية وليس لها أن تغتسل وتصلّي لاحتمال كونها حائضاً وليس لها أن تترك الصلاة والغسل لاحتمال كونها طاهراً، فعندها علم إجمالي بتوجّه أحكام إلزاميّة في حقّها ولابدّ لها الخروج من عهدتها.
 ولكن لا تتمكّن من الاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهر لدوران الأمر بين المحذورين فالزوج إذا طلب منها التمكين للجماع وجب عليه إن كانت طاهر ويحرم عليها إن كانت حائض، وكذلك في الصلاة بناء على حرمة الصلاة عليها فهي إمّا واجبة إن كانت طاهرة أو حرام إن كانت حائضاً.
 إذن يجب الاستبراء عقلا لمعرفة حالها وإن كانت الشبهة موضوعية ولا يجب فيها الفحص لتنجّز الحكم في حقّها وتمكّنها من الامتثال بالفحص، ومع الفحص لا إشكال في لزوم الخروج عن عهدة ما توجّه إليها من الأحكام الإلزاميّة.
 ولكن إذا لم تتمكّن من الاستبراء لعدم قدرتها عليه للشلل في يديها أو لظلمة أو لأيّ شيء آخر كعدم وجود قطنة أو ماشابهها من الأجسام فهل يجري الاستصحاب في حقّها أو لابدّ أن تتحفّظ؟
 الجواب: عدم جريان الاستصحاب للدلالة الموثّقة على أنّ المرجع هو الاختبار «الاستبراء» دون الاستصحاب، ولا وجه للقول بأنّها تستبرأ عند التمكّن وتستصحب الحيض عند عدم التمكّن من الاستبراء وذلك لأنّ الاستبراء ليس واجباً تكليفيّاً حتّى يتقيّد بصورة التمكّن والقدرة، بل هو واجب عقلي لا يفرّق فيه بين صورتي التمكّن وعدمهن فإن لم يجري الاستصحاب في حقّها ولم تتمكّن من الاستبراء ـ والمفروض عدم إمكان الاحتياط ـ فبناء على حرمة صلاة الحائض ذاتاً ولحرمة وطئها فيدور أمرها بين المحذورين الوجوب إذا كانت طاهر والحرمة إذا كانت حائض، فصار مثالاً لدوران الأمر بين المحذورين وأحدهما تعبّدي في مورد الصلاة والدخول في المسجد الحرام للعبادة والطواف، والآخر وهو الوطء فهو مثال لدوران الأمر بين الوجوب والحرمة وكلاهما توصّلي، فلاحظ.