الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 التطبيقات:
 ان التطبيقات التي ذكرت للبراءة العقلية هي بنفسها تكون تطبيقات للبراءة الشرعية الا أن دليلها هناك حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ودليلها هنا هو الاذن من الشارع في ترك التحفظ تجاه التكليف المشكوك فراجع.
 الاستثناءات:
 كما أنّ الاستثناءات المتقدمة هي استثناءات من البراءة الشرعية، ومع هذا نؤكّد الاستثناءات فنقول مختصراً:
 1 ـ لا تجري البراءة الشرعية في صورة وجود البيان ورفع الشك ولو تعبداً، لأن موضوع البراءة الشرعية هو الشك وعدم العلم. فحينئذٍ كل ما يكون بيانا يتقدم على أصالة البراءة بالورود أو الحكومة كما تقدم في البراءة العقلية فلا نعيد( [1] )، وهذا يشمل وجود أصل حاكم على البراءة أو وجود أمارة دالة على الحكم، فكلاهما يتقدمان على البراءة، ومثال الاستصحاب الحاكم على البراءة فيما إذا شككنا حليّة لحم أو حرمته للشكّ في التذكية «بعد زهاق روحه» فاستصحاب عدم التذكية حاكم على البراءة لحليّة اللحم.
 2 ـ لا تجري أصالة البراءة في الشك في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي، كما تقدم ذلك في البراءة العقلية، فراجع.
 3ـ لا تجري البراءة الشرعية «حديث الرفع» في الاحكام الوضعية، أي لا تجري البراءة الشرعية فيما إذا الأثر مترتب على شيء من دون اسناد إلى المكلّف كالنجاسة والجنابة، فإنّهما يترتبان على ملاقاة النجس لثوب الإنسان وخروج المني من المكلّف من دون اسناد إلى المكلّف، فإذا كان لم يعلم بالنجاسة فلا لم ترتفع الجنابة، لأنّ الرفع إنّما يصحّ إذا الآثار على شيء باعتبار الإسناد إلى ذلك الشخص، وآثار الجنابة والنجاسة ليست كذلك، ولهذا نقول إنّ هذا الاستثناء منقطع، لأنّ الذي لا يعلم هو فعل التنجيس والإجناب، والأثر مترتب على ذات النجاسة وذات الجنابة وهذا ليس موضوع الحكم، وما كان موضوعاً للحكم هو نفس ملاقاة النجاسة وخروج المني وحينئذ تترتب أحكامهما ولا يشملهما حديث الرفع, وهذا الاستثناء الثالث نذكره في استثناءات البراءة العقلية، فلاحظ.
 4ـ يجب الاحتياط على الحاكم والوالي وأشباههما ممّا يؤتمن على أموال الناس ودمائهم من قبل المسلمين ممّن يكون في معرض التملّق والارتشاء، فقد أوجب الشارع عليه إمّا العلم بطيب ما يُحسن إليه أو التوقّف عند الشك بذلك، فلا يتناول ما يهدى إليه من الموضوعات التي يشكّ في كونها رشوة أو تملّقاً كما ورد في رواية عثمان بن حنيف.
 5ـ كلّ مورد لم يعلم عدم اهتمام الشارع به بالترخيص عند الشكّ في حكمه أو كلّ مورد عُلم اهتمام الشارع به عند الشكّ في حكمه الشرعي كالأعراض والأموال والنفوس والدماء، فعند الشكّ في حكمه الشرعي لابدّ من الاحتياط ولا تجري البراءة الشرعية والعقلية أيضاً، ولعلّ الاستثناء الرابع داخل في هذا الخامس، فلاحظ.
 6ـ لا تجري البراءة الشرعية إذا شكّ في العذر المانع من التكليف، فعند الشكّ في وجود المانع من التكليف لابدّ من الاحتياط، نعم إذا أحرزنا المانع فحينئذ نرفع اليد عن التكليف، وهذا الاستثناء راجع إلى وجود حاكم على البراءة وهو استصحاب عدم المانع الذي هو داخل في الاستثناء الأوّل «أي جزء من الاستثناء الأوّل» فراجع.
 القاعدة: أصالة التخيير
 الألفاظ الأُخرى للقاعدة:
 التخيير العقلي
 دوران الأمر بين المحذورين
 التخيير التكويني
 قاعدة التخيير
 التوضيح: ليس المقصود بالبحث هنا: هو الحكم التخييري الشرعي أو العقلي، فان الحكم التخييري شرعياً كان كما في باب الخصال فيمن أفطر في شهر رمضان متعمدا مثلاً: أو عقلياً كما في المتزاحمين، إنّما يكون في مورد يكون المكلّف قادراً على المخالفة بترك كلا طرفي التخيير فكان الأمر التخييري باعثا على الآتيان بأحدهما وعدم تركهما معاً.
 بل المقصود من التخيير هنا هو التخيير بين النقيضين فانه بعد عدم خلوّ المكلّف تكوينا عن الفعل أو الترك لا مجال للأمر التخييري بينهما وإعمال المولوية فيه لكونه لغواً محضاً، فينحصر التخيير في المقام حينئذٍ بالعقلي المحض بمناط الاضطرار( [2] ) (كما سيتضح).
 كما أنّ الكلام يكون فيما إذا لم يكن العلم الإجمالي الدائر بين الوجوب والحرمة منحلّاً من جهة أصل من الأصول يعيّن أحد الأمرين، كما إذا كان الوجوب بحسب الحدوث معلوماً ودار الأمر بين بقائه وبين حرمته، فالاستصحاب القاضي ببقاء الوجوب موجب لانحلال العلم الإجمالي، وهذا خارج عن محلّ الكلام( [3] ).
 اذن المقصود بحثه في هذا العنوان هو دوران الأمربين المحذورين (الوجوب والحرمة) ( [4] ). الذي لارجحان لأحدهما على الآخر، وهذا الدوران قد يفرض فيما إذا كان الوجوب والحرمة في التوصليات مع وحدة الواقعة.
 وقد يفرض فيما إذا كان في التعبديات أو كان أحدهما تعبديا، مع وحدة الواقعة.
 وقد يفرض البحث أيضاً فيما إذا تعددت الواقعة (بلا فرق بين التعبديات والتوصليات) فهنا مقامات:
 المقام الأول: إذا فرضنا دوران الامربين الوجوب والحرمة وكلاهما توصليان مع وحدة الواقعة: كما إذا حلف مثلاً على سفر معين أو على تركه، ولم يكن أحد الحكمين بخصوصه مورداً للاستصحاب إذ عليه يجب العمل بالاستصحاب وينحلّ العلم الإجمالي لا محالة( [5] )، ولم يمكن الاحتياط لأجل عدم التمكن من الموافقة والمخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال لأن الأمر دائر بين المحذورين. ومثاله الاخر: المرأة المردّد وطؤها في يوم معيّن بين الوجوب والحرمة لأجل الحلف المردّد تعلقه بالفعل أو الترك.


[1] ـ راجع مصباح الأصول 2: 309.
[2] ـ نهاية الأفكار 3: 293.
[3] ـ غاية المأمول في علم الأصول2: 313.
[4] ـ اما إذا دار الامربين الوجوب والحرمة والإباحة، فلا تدخل في مسألتنا بل لا اشكال في جريان البراءة فيه لعدم العلم بالإلزام، فتجري أدلة البراءة العقلية والنقلية، إذ الإلزام غير معلوم ولا بيان به أيضاً، ولا مخالف حتى من الإخباريين لأنهم يخالفون في الشبهة التحريمية أو الوجوبية حيث يمكن الاحتياط، لا في مثل المقام. راجع غاية المأمول في علم الأُصول / ج 2 / 313.
[5] ـ راجع مصباح الأُصول 2: 328.