الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 3) ما رواه زكريا بن يحيى عن الإمام الصادق () أنه قال: «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»( [1] ).
 «فان الوضع عن المكلف تعبير آخر عن الرفع عنه، فتكون دلالة هذه الرواية على وزان دلالة الحديث السابق، ويستفاد منها نفي وجوب التحفظ والاحتياط»( [2] )، وهذا الحديث تام من حيث السند [3]
  [4] .
 وقد يعترض على هذا الاستدلال: بان يقال: ان مفاد الحديث فيما إذا كان أخفاء التكليف بتعيين من الله تعالى فيكون المعنى: ما لم يبينه الله وأخفاه عن عباده فهو محجوب عنهم وليسوا مسؤولين عنه، وهذا أجنبي عن البراءة.
 والجواب: ان الحجب إذا أضيف إلى الله بما هو مشرّع فالأشكال وارد، ولكن الحجب إذا أضيف إلى الله بما هو خالق فيصدق الحجب حتى إذا شرّع الحكم ولكن لم يصل إلينا، لأن الاحتجاب منه بما هو خالق كل شيء، فحتى الشبهات الموضوعية يكون هو الحاجب لها بما هو خالق، وحينئذ تكون نسبة الحجب اليه إذا فرض كون عدم وصول الحكم بسبب طبيعي غير عدم بيان الشارع وذلك من قبيل احتراق الكتب أو غرقها صدفة أو تلفها ممّا يتفق بالأسباب التكوينية الطبيعية، كما ينسب نزول المطر إلى الله تعالى مع أنّه ليس فعلاً مباشراً له، بل ترتب حسب النظام الطبيعي الذي وضعه الله لهذا العالم.
 ولهذا فإنّ الحديث يشمل الشبهات الموضوعية أيضاً، لأنّ الله هو الذي جعلنا نشك في أنّ هذا السائل الذي أمامنا هو خلّ أو خمر؟ فلاحظ.
 وهذا هو المتعين لأن أرادة حجب الله للتكليف بما هو مشرِّع بعيدة في نفسها لأن ما يخفيه الله من تكاليفه لا يتوهم انه في معرض مسؤولية العباد، ويكون عبارة عن الاخبار عن ثبوت أحد الضدين بانتفاء الآخر وهو مستهجن عرفا. اذن الحديث يدلّ على البراءة الشرعية.
 أقول: يأتي الأشكال السيال وهو إذا بين الله الحكم للأُمة وخفي عن بعضهم فلا يصدق أنه حجب الله علمه عن العباد وهذا هو المفيد في البراءة الشرعية.
 4) ما رواه عبد الأعلى عن الإمام الصادق () قال: «سألت أبا عبدالله (الإمام الصادق ) من لا يعرف شيئاً هل عليه شيء؟ قال: لا»( [5] ).
 وتقريب الاستدلال: «إن الظاهر من الشيء الأول في كلام السائل هو مطلق ما لا يعرفه من الأحكام، ومن الشيء الثاني الكلفة والعقوبة من قبل الحكم الذي لا يعرفه، فيستفاد من نفي العقوبة عليه في جواب الإمام () بقوله لا، عدم وجوب الاحتياط عليه»( [6] ). والرواية معتبرة سنداً.
 وهذه الرواية تدل على البراءة فيما إذا علم آخرون الحكم ولا يعلم به آخرون فتدل على البراءة الشرعية.
 وهذه الرواية تنفع فيما إذا تعارضت أدلة الاحتياط مع أدلة البراءة وتساقطا فتكون مرجعاً لنا على البراءة الشرعية، فعدم العمل نتيجة عدم المعرفة (من الحكم الواقعي والظاهري بما فيه الاحتياط).
 5) صحيحة عبد الصمد بن بشير عن الصادق () الواردة في الحج وقد ورد فيها «أي رجل ركب امرأ بجهالة فلا شيء عليه»( [7] ).
 ويصدق عنوان الجهالة على عدم العلم التصديقي بعد الفحص، حيث تكون الجهالة قصورية. كذا يصدق أيضاً على الغفلة والجهالة التصورية، والشيء المنفي مطلق يشمل العقاب والمؤاخذة فتنتج هذه الرواية البراءة مع عدم العلم القصوري، ويبقى الجهل التقصيري كما لو ترك الفحص لما دلّ على ثبوت العقاب فيه.
 وهذه الرواية كسابقتها: تدلّ على رفع المؤاخذة لو كان ركب العمل بجهالة قصورية، وهو لا يحصل الا إذا فرض عدم العلم بالحكم الظاهري حتى الاحتياط فتنفع في صورة ما إذا تعارضت أدلة البراءة مع أدلة الاحتياط وتساقطا. فتتحكم البراءة.


[1] ـ وسائل الشيعة باب 12 من صفات القاضي ح 28.
[2] ـ دروس في علم الأصول 1: 380 وراجع نهاية الأفكار 3: 226.
[3] تمامية السند تكون بناء على ما ذكره في الكافي (ج1 كتاب التوحيد باب حجج الله على خلقه ح3/164) فإنّ الكليني ينقل الحديث مباشرة عن محمد بن يحيى، أمّا صاحب الوسائل فقد جاء في نقله: «الصدوق عن أحمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى...»، وهذا السند يكون معتبراً إذا بنيانا على توثيق أحمد بن محمد بن يحيى كما تقدم.
[4] وأمّا زكريا بن يحيى فهو إمّا الواسطي أو التميمي وقد وثّقهما النجاشي وذكر لكلّ واحد منهما كتاباً وذكر لنفسه سنداً إلى كلّ من الكتابين، فلاحظ.
[5] ـ الكافي 1: 164 باب حجج الله على خلقه ح 2.
[6] ـ نهاية الأفكار 3: 229. وراجع فوائد الأصول 2: 42.
[7] ـ وسائل الشيعة / باب 45 من تروك الإحرام / ح 3.