الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية
 تقدم أنّه إذا كان حقّ الطاعة لله علينا أمراً مسلماً:
 ولكن لا نعرف حدوده، ألا يجوز لنا ان نقتصر على الأقل وهو ما علمنا حكم الله تعالى والباقي المشكوك غير مسؤولين عنه؟
 نعم من علم أن حقّ الله تعالى عليه واسع يجب عليه الاحتياط في محتمل التكليف فضلا عن مظنونه ومقطوعة.
 ومن علم ان حقّ الله تعالى عليه ليس بواسع، بل هو في حدود العلم بالتكليف فهو يجري البراءة في مظنون التكليف ومحتملة.
 ومن شك في حدود حقّ الطاعة فلا يدري أهو واسع أو ضيّق فيجوز له ان يعتمد على الأقل من حقّ الطاعة فلاحظ وتأمل.
 على إننا في غنى هذه القاعدة لوجود الترخيص الشرعي وهو رفع ما لا يعلمون، فحتّى لو كان حقّ الطاعة يشمل محتمل التكليف إلّا أنّ البراءة الشرعية تقول بعدم وجوب حقّ الطاعة العقلي.
 ومع هذا كلّه فإنّنا نقول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولم نقبل حقّ الطاعة وذلك:
 1ـ لأنّنا لا نتعقّل أن يكون المولى العادي لا يعاقب عبده على تكليف لم يصل إليه، أمّا الله العادل الرحيم بعباده فإنّه يعاقبهم على تكليف لم يصل إليهم، ولكنّه محتمل من دون أن نثبت دليل على ذلك.
 2ـ إنّ القاعدة الشرعية وهي البراءة الشرعية تدعم قاعدة البراءة العقلية، ولم نجد مثالا لمخالفة الشارع الاحتياط العقلي إلّا في مسألة الشاة الموطوءة ممّا يبعّد أن يجيز الشارع أمراً على خلاف حكمه العقلي لو كان.
 3ـ سوف يأتي في تطبيقات البراءة العقلية ما يكون دليلاً لكونها قاعدة عقلية عمل بها الاصحاب قبل الوحيد البهبهاني (قده) ممّا يُدعم عقليتها وكونها من حكم العقل العملي فانتظر.
 4ـ أنّ أدلة البراءة العقلية التي ساقها المحقّق النائيني والمحقّق الأصفهاني قد قلنا سابقا بأنّها إنّما تكون صحيحة إذا أبطلنا حقّ الطاعة أو عدم ثبوت حق الطاعة، وعندما جاء مبحث حقّ الطاعة لم يقم السيد الشهيد عليه أي دليل، بل ادعى القطع به، وحينئذ تتفعّل ادلة قبح العقاب بلا بيان التي أهمّها ثلاثة وهي:
 أ ـ إنّ التحرّك إنّما يكون من الخوف من العقاب، ولا خوف من العقاب إذ لم يكن بيان من المولى.
 بـ أنّ المولى « سواء كان عرفياً أو حقيقياً وهو الله تعالى» يقبح أن يعاقب على احتمال التكليف إذا لم يعمل على وفق الاحتمال.
 ج ـ ما ذكره المحقّق الأصفهاني من قبح عقاب المولى للعبد إذا لم يعمل على احتمال التكليف لأنّه ظلم وهو بعيد عن ساحة الظلم.
 ما هي النسبة بين قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل؟
 ذهب المشهور إلى «أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ترفع موضوع حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، إذ مع حكم العقل بقبح العقاب مع عدم وصول التكليف إلى العبد لا يبقى احتمال الضرر ليجب دفعه بحكم العقل»( [1] ).
 «وأُشكل عليه: بإمكان العكس، بأن تكون قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل رافعةً لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذ مع حكم العقل بوجوب التحفظ على الحكم الواقعي حذراً من الوقوع في الضرر المحتمل كان هذا بيانا، فتسقط قاعدة قبح العقاب بلا بيان بارتفاع موضوعها، وهو عدم البيان.
 وبالجملة: كل من القاعدتين كبروي لا يتكفل لإحراز موضوعه، بل لابدّ من إحرازه من الخارج لا من نفس القاعدة، كما هو واضح، وكلّ منهما صالح لرفع موضوع الآخر، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر»( [2] ).
 والجواب: 1) ان الدليلين القطعيين سنداً ودلالة وجهة يستحيل وقوع المعارضة بينهما لاستلزامه التناقض المستحيل تحققه، وبما انّ القاعدتين عبارة عن حكمين عقليين، فيستحيل وقوع المعارضة بينهما لاستلزامه حكم العقل بثبوت المتناقضين (العقاب وعدمه) في مورد واحد وهو محال.
 2) وعلى هذا، يقال في جواب الإشكال: بأنّ مورد كلّ من القاعدتين مختلف عن الآخر فلا معارضة بينهما وذلك «لأن مورد وجوب دفع الضرر المحتمل (العقاب الأخروي المحتمل) فرع وصول التكليف تفصيلا أو اجمالا بنفسه أو بطريقة كما في أطراف العلم الإجمالي، والشبهة قبل الفحص وموارد وجوب الاحتياط الشرعي كما في الفروج والدماء فان أدلة الاحتياط فيها توجب احتمال العقاب في محتمل التحريم ومورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي الشبهة بعد الفحص واليأس عن الحجّة على التكليف، فلا توارد بين القاعدتين في مورد واحد أصلاً»( [3] ).


[1] ـ مصباح الأصول 2: 283 ـ 284.
[2] ـ مصباح الأصول 2: 283 ـ 284.
[3] ـ مصباح الأصول 2: 287، الكفاية: 390.