الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية
 
 مستند القاعدة: هناك عدّة محاولات للاستدلال على هذه القاعدة، وأهمها ما يلي:
 1 ـ حاول المحقق النائيني البرهنة على القاعدة فقال ما ملحضه: «ان التكليف إنّما يكون محركاً للعبد بوجوده الواصل لا الواقعي كما هو الحال في سائر الاغراض الأُخرى، فالأسد مثلا إنّما يحرّك الإنسان نحو الفرار بوجوده المعلوم لا بوجوده الواقعي، وعليه فلا مقتضي للتحرك مع عدم العلم، ومن الواضح أنّ العقاب على عدم التحرك مع أنه لا مقتضى للتحرك قبيح»( [1] ).
 وقد عدّ النائيني هذه القاعدة من القضايا التي قياساتها معها.
 أقول: أ ـ أن وصول التكليف لا يكون محركاً لأنه يوجد موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة ليس الا، أما الذي يحرك العبد نحو التكليف إنّما هو الخوف من عقاب الله والطمع في الجنّة، وعلى هذا سيكون القول بان وصول التكليف يحرك العبد هو كلام غير دقيق أو مجازي.
 ب ـ ثم إنّ عدم اقتضاء الحكم للتكليف بوجوده الاحتمالي والظنيّ وأنّ المحرّك هو التكليف بوجوده المعلوم هو فرع عدم شمول حقّ طاعة الله تعالى للتكاليف الاحتمالية، وهذا هو الذي يدّعيه من يقول بمسلك حقّ الطاعة كما سيأتي.
 2 ـ وقال المحقق النائيني أيضاً ما ملحضه: «ان الاستشهاد بالأعراف العقلائية واستقباح معاقبة الآمر - في المجتمعات العقلائية - مأموره على مخالفة تكليف غير واصل»( [2] ). وهو برهان على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
 أقول: هذا الدليل يحتاج إلى التعدي من المولويات العرفية العقلائية إلى مولوية الله تعالى بان نقول: ان الله سيد العقلاء ورئيسهم فما يصدق عليهم يصدق عليه.
 ولكن مع هذا نقول:
 1ـ ان اختصاص حق الطاعة لغير الله تعالى بالتكاليف القطعية يجب ان يكون بحسب ادراك العقل العملي المحض لا بحسب الجعل العقلائي، لأنه إذا ثبت اختصاص حق الطاعة لغير الله بالتكاليف القطعية بالجعل العقلائي، فالتعدي منهم إلى طاعة الله تعالى لأنه سيد هم يثبت البراءة الشرعية ولا يثبت البراءة العقلية، لأنّ البراءة العقلية يجب ان يدركها العقلي العملي لا الجعل العقلائي؟.
 2 ـ وإذا سلمنا اختصاص حق طاعة غير الله تعالى بالتكاليف القطعية هو من مدركات العقل العملي، فبما ان الله سيد العقلاء، وهو يقتضي ان يكون شريكا معهم، فهذا يعني أنه كما ان العقلاء يدركون بعقلهم العملي اختصاص حق الطاعة للموالي بالتكاليف القطعية، فالله تعالى يدرك اختصاص حق طاعتهم بذلك وهذا غير اختصاص حق طاعة الله تعالى بالتكاليف القطعية لاحتمال اختلاف شروط طاعة الله عن طاعة غيره من الموالي.
 3 ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني وخلاصته: «ان كل أحكام العقل العملي مردّها إلى حكمه الرئيسي الأولي بقبح الظلم وحسن العدل. ونحن نلاحظ أنّ مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن رسم العبودية وهو ظلم من العبد لمولاه، فيستحق منه الذمّ والعقاب. وأنّ مخالفة ما لم تقم عليه الحجّة ليست من افراد الظلم، إذ ليس من زيّ العبودية أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع وفي نفس الأمر، فلا يكون ذلك ظلما للمولى، وعليه فلا موجب للعقاب، بل يقبح، وبذلك يثبت قبح العقاب بلا بيان»( [3] ).
 ويرد عليه: ان تعليل نفي الظلم على مخالفة التكليف الاحتمالي بأنه لم تقم عليه الحجة متوقف على دعوى عدم حجيّة الاحتمال، وهذا يعني نفي حق الطاعة في التكاليف الاحتمالية، وهو مخالف لمن يدعي ثبوت حق الطاعة في التكاليف الاحتمالية.
 هذه هي أهم الأدلة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
 
 مسلك حق الطاعة:
 وهناك في قبال البراءة العقلية مسلك آخر وهو أصالة الاشتغال التي يُعبّر عنها بمسلك حقّ الطاعة وأختاره المحقق الشهيد الصدر ().
 وتوضيحه:
 1 ـ ان الإنسان يدرك بعقله ان لله سبحانه حقّ الطاعة على عبيده، وعلى أساس حق الطاعة هذا يحكم العقل على الإنسان بوجوب إطاعة الشارع لكي يؤدي إليه حقه، فنحن اذن نطيع الله تعالى ونمتثل أحكام الشريعة، لأن العقل يفرض علينا ذلك، لا لأن الشارع أمرنا بإطاعته والا لا عدنا السؤال مرة أُخرى: «ولماذا نمتثل أمر الشارع لنا بإطاعة أوامره؟ وما هو المصدر الذي يفرض علينا امتثاله؟» وهكذا حتى نصل إلى حكم العقل بوجوب الإطاعة القائم على أساس ما يدركه من حقّ الطاعة لله سبحانه على الإنسان( [4] ).
 2 ـ وإذا كان العقل هو الذي يُفرض إطاعة الشارع على أساس ادراكه لحقّ الطاعة فيجب الرجوع إلى العقل في حالة الشك في حكم من أحكام الشرع لكي نعرف الوظيفة العملية تجاه هذا الحكم المجهول، فيتحتم علينا عندئذٍ أن ندرس حقّ الطاعة الذي يدركه العقل وحدوده، فهل هو حقّ الله سبحانه في نطاق التكاليف المعلومة فقط بمعنى أنّ الله سبحانه ليس له حقّ الطاعة على الإنسان الا في التكاليف التي يعلم بها، واما التكاليف التي يشك فيها ولا علم له بها فلا يمتّد إليها حقّ الطاعة، أو أنّ حق الطاعة كما يدركه العقل في نطاق التكاليف المعلومة يدركه أيضاً في نطاق التكاليف المحتملة بمعنى أن من حقّ الله على الإنسان أن يطيعه في التكاليف المعلومة والمحتملة، فإذا علم بتكليف كان من حقّ الله عليه أن يمتثله، وإذا احتمل تكليفا كان من حقّ الله أن يحتاط، فيترك ما يحتمل حرمته أو يفعل ما يحتمل وجوبه؟


[1] ـ دروس في علم الأصول 2: 371 وراجع فرائد الأصول 3: 365.
[2] ـ دروس في علم الأصول 2: 371، وراجع فرائد الأُصول 3 : 365.
[3] ـ دروس في علم الأصول(الحلقة الثالثة) القسم الثاني/ 318.
[4] ـ ان حق الطاعة يدركه العقل اما بملاك شكر المنعم أو ملاك الخالقية أو بملاك المالكية.