الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة حجية الشهرة الفتوائية:
 ومنها: عموم تعليل آية البناء( [1] ). وهو أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ، فيفهم من التعليل ان الإصابة التي تكون من الجهالة هي المانع من قبول خبر الفاسق بلا تبينّ، وحينئذٍ يتبين أن كل ما يؤمن معه من الإصابة التي تكون من الجهالة فهو حجة يجب الأخذ به، والشهرة هي تؤمّن من الإصابة التي تكون من الجهالة فهي حجة.
 ويرد على هذا: لو سلمنا ان جملة ان تصيبوا قوما بجهالة واردة مورد التعليل لعدم قبول خبر الفاسق بلا تبيّن فان الاستدلال المتقدم ليس تمسكاً بهذا العموم، بل هو الاستدلال بعموم نقيض التعليل، ولا دلالة في الآية على نقيض التعليل بالضرورة، لأن هذه الآية مثل نهي الطبيب عن بعض الطعام لأنه حامِض، فان هذا التعليل لا يدلّ على ان كلّ ما ليس بحامِض يجوز أو يجب أكله، فهنا كذلك فان حرمة العمل بنبأ الفاسق بدون تبيّن لأنه يستلزم إصابة القوم بجهالة لا تدلّ على وجوب الأخذ بكل ما يؤمن فيه ذلك، فان الأمن من إصابة القوم بجهالة تعني عدم المانع من الحجيّة، وعدم المانع لا يكفي في حجيّة الشيء ما لم يوجد مقتضي الحجية، فالشهرة وإن لم تكن موجبة لإصابة القوم بجهالة الا أن مقتضي حجيتها مفقود فلا تكون حجة.
 ومنها: روى زرارة مرفوعاً قال: جعلت فداك يأتي عنكم الخبر ان والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل؟ قال: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر( [2] ).
 وتقريب الاستدلال بذلك: أنّ مورد الحديث وإن كان هو الخبرين المتعارضين لكنّ المورد لا يخصّص الوارد فمقتضى اطلاق قوله: خذْ بما اشتهر بين أصحابك يعم المشهور بالفتوى لأنّ (ما) موصول، والموصول من الأسماء المبهمة التي تحتاج إلى تعيين، والذي يعينها هو صلتها، وصلتها هو (اشتهر)، واشتهر تشمل كل مشهور حتى الفتوى.
 ويرد على هذا: ان الموصول كما يعرف بالصلة كذلك يعرف بقرائن أُخرى محفوفة بالموصول، وهنا السؤال المتقدم على الموصول واقع عن نفس الخبر، والجواب جواب له، كما لو سألك شخص: أي أخوتك أحبُّ إليك، فقلت من كان أكبر منيّ، فالحكم في الجواب لا يشمل كل من كان اكبر منه وأن لم يكن أخاً له.
 فحينئذٍ تكون الشهرة في خصوص الخبر مرجحة له على غيره من الخبر غير المشهور فظاهر الحديث أنّه في مقام تعين الحجة عند تعارض الحجتين حيث قال: بأيّهما آخذ، لا أنّه يؤسّس أصل الحجية فلا يشمل الفتويين المتعارضين التي أحدهما مشهورة، ونحن نشكّ في أصل حجيّتها، كما لنا أن نقول: إنّ «ما» الموصوله هي من المبهمات التي يصلح المورد من انعقاد الاطلاق لها في غير موردها، وموردها هو تعين الحجة عند تعارض الحجتين، على ان المرفوعة من أضعف الروايات.
 ومنها: ما رواه عمر بن حنظلة: في جواب يأتي عنكم الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل؟ قال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا (في ذلك الذي حكما به) المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لاريب فيه( [3] ).
 وتقريب الاستدلال بها يتوقّف على أمرين:
 الأوّل: أنّ المراد من بالمجمع عليه في الرواية هو الشهرة، ويدل على هذا جعل المجمع في قبال الشاذ، بينما أنّ المجمع عليه الحقيقي لا يوجد في قباله شاذ، كما أنّ جملة ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور تكون دليلاً أيضاً إذ أطلقت الشاذ على غير المشهور، فيكون ما يقابل الشاذ هو المشهور لا المجمع عليه.
 الثاني: إنّ جملة «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» هو تعليل عام يشمل الشهرة الفتوائية وإن كان مورد الحديث هو الشهرة الروائية، لأنّ المورد لا يخصّص الوارد.
 أقول ويرد عليها:
 أوّلاً: قد نقول إنّ المراد من المجمع عليه هو الواضح لا المشهور الذي هو مصطلح عندنا في قبال المجمع عليه، وإطلاق الشاذ على غير المشهور يعني أنّه غير واضح.
 ثانياً: إنّ قوله «إنّ المجمع عليه لا ريب فيه» هو علة، ولكنّه علة لترجح أمر على أمر بعد الفراغ عن حجيّة أحدهما، فيكون المشهور من الرواية لا ريب فيه بالنسبة إلى الرواية الثانية غير المشهور، فالتعدّي استناداً إلى العلّة يكون إلى كلّ مورد علمنا بحجية أحدى الأمارتين وكانت أحدهما أقل ريباً من الأخرى.
 ولذلك قال بعض في باب الخبرين المتعارضين بكفاية مطلق الترجيحات ممّا يجعل احتمال الصدق في احدهما أقوى من الآخر، وأمّا الشهرة الفتوائية فإنّ الكلام عن أصل حجيّتها يكون أجنبياً عن مفاد الحديث، حيث لم يثبت لنا في المرتبة السابقة حجية أحدى الفتويين حتّى تكون الشهرة موجبة لتعيينها، وغاية ما يستفاد من التعليل أن الشهرة الفتوائية استنادا إلى رواية تكون مرجحة على الرواية الأُخرى التي لاشهرة عليها.
 التطبيقات:
 1ـ قال الإمام الخميني في تهذيب الأصول:

ذهب بعض الفقهاء إلى حجيّة الشهرة الفتوائية الدائرة بين القدماء «إذا كان موجبا للحدس القطعي على وجود نصّ معتبر دائر بينهم أو معروفية الحكم من لدن عصر الأئمة ()»( [4] ).
 2ـ قال السيد اليزدي في العروة الوثقى:

«إذا تزوّج صغيرة دواما أو متعة ودخل بها قبل إكمال تسع سنين فافضاها حرمت عليه أبدا على المشهور» ولا دليل هنا لأن مرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله () قال: إذا خطب الرجل المرأة، فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فُرِّق بينهما ولم تحلّ له أبدا»( [5] ).
 فهي دالة على التحريم بمجرد الدخول وإن لم يفضها فهي ليست في موردنا، اذن موردنا لا نصّ فيه.
 وقد أفتى السيد الخميني بذلك فقال: «ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شيء غير الإثم على الأقوى وإن أفضاها بان جعل مسكلي البول والحيض واحداً أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدأ لكن على الاحوط في الصورة الثانية. وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى»( [6] ).
 ولكن شكك صاحب الجواهر في وجود الإجماع أو الشهرة [7] من المتقدمين حيث إن المفيد وابن الجنيد والصدوق لم يتعرضوا للتحريم، بل قالوا عليه الديّة والقيام بها حتى يفرّق بينهما الموت.
 وبهذا نعرف ان التحريم المؤبد ليس عليه شهرة من القدماء حيث لم يُتعرض له لا أنه تعرض له فذهب المشهور إليه وخالفه غير المشهور.
 ولهذا لم يكن هذا الحكم المشهور حجة.
 وقال صاحب العروة أيضاً: وقيل بخروجها عن الزوجية. ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة ثم قال وعدم حرمتها عليه( [8] ).
 وكأنه لا يرى حجيّة الشهرة الفتوائية.


[1] ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ سورة الحجرات آية 5.
[2] ـ مستدرك الوسائل باب 9 من صفات القاضي : ح 2.
[3] ـ وسائل الشيعة باب 9 من صفات القاضي/ ح 1.
[4] ـ يراجع تهذيب الأُصول، للسبحاني 2 : 169.
[5] ـ وسائل الشيعة: باب 34 مما يحرم بالمصاهرة / ح 2.
[6] ـ تحرير الوسيلة ج 2 : 241 مسألة (12).
[7] إنّ صاحب الجواهر يهتمّ اهتماماً بالغاً بالإجماعات المنقولة فضلاً عن المحصّله وكذا يهتمّ بالشهرة لأنّها مواقف معلنة من الأصحاب، فهو يرى حجيّة الإجماع المنقول فضلاً عن المحصّل، وأمّا الشهرة فهو يرى أنّه تؤثّر على فهم النصّ أو على الأخذ به وهو معنى انّ الشهرة الفتوائية تسند النصّ الضعيف إذا استند إليها، والظاهر أنّه قد يصل الأمر إلى اعتباره حجيّة الشهرة الفتوائية ولكن بعد التحقّق من صدورها في الخارج بعد ادعائها، فصاحب الجواهر شكّك في الشهرة الفتوائية وحصولها على هذا الحكم، ولكنّ السيد الخميني يرى حصولها وأفتى على وفقها لأّنّه يرى حجيّتها، وأمّا صاحب العروة فهو لا يرى حجّية الشهرة الفتوائية، فلاحظ.
[8] ـ العروة الوثقى أحكام النكاح فصل 2 : مسألة (2).