الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: القاعدة: حجيّة الإجماع
 أقول: هناك نقاش صغروي في الإجماع المحصّل وهو: إنّنا لسنا قادرين على الاطلاع على آراء جميع العلماء القدماء في زمن ما بعد الغيبة، بل وكذا بالنسبة إلى آراء جميع العلماء في أي عصر من العصور، ولا يوجد عندنا قطع بعدم وجود فقيه في ذلك العصر يخالف الرأي الذي نريد اثبات الإجماع المحصّل عليه باستثناء الضرورات والمسلمات الفقهية، فكم من فقيه لم تكتب فتواه، أو كتبة فتواه ولم تصل إلينا لتلف كتابه، نعم غاية ما نحصل عليه هو أنّ اراء العلماء التي وصلت إلينا أورثت لنا القطع بأنّ العلماء الآخرين الذين كانوا واقعين في خطّهم وتلامذتهم الذين تربّوا على أيديهم أيضاً يرتأون ذلك الرأي، ولكن كيف تعلم آراء العلماء الذين كانوا من خطّ آخر وعاصروا الخطّ الذي سرنا عليه ولهم تحقيقات واتباع ولكنهم انقرضوا وانتهت مدرستهم وبقي الخطّ العام؟!
 وجواب هذا النقاش الصغروي هو: إنّنا لم نؤمن بالإجماع المحصّل على أساس دخول الإمام أو ما يسمى بالإجماع المستند إلى قاعدة اللطف، بل آمنا بالإجماع على أساس حساب الاحتمالات الكاشف عن الحكم الشرعي أو الدليل على الحكم الشرعي على إجماله «من قول المعصوم أو فعله أو تقريره» بواسطة احساسنا بالارتكاز المتشرعي لأصحاب الأئمة الكاشف عن الحجة، أو استبعاد خطأ الجميع وهذا قد يحصّل العلم بالحكم الشرعي أو بوجود كاشف عن الحكم الشرعي من آراء الجماعة التي وصلت إلينا فتواهم وإن كان هناك خلاف من بعض حيث لا يكون هذا الخلاف موجباً للطعن في حساب الاحتمال.
 نعم إذا كان هناك خلاف من قبل أقطاب الأمّة كالمفيد أو الصدوق أو الكليني وأمثالهم فإنّ هذا الخلاف يطعن في أساس المرتكزات الشرعية والمتشرعية لأصحاب الأئمّة (ع) فيزول الكاشف عن المرتكزات الشرعية وتنتفي الحجية كما ينتفي القطع بالحكم الشرعي.
 البحث الثاني: حجية الإجماع المنقول:
 إذا قلنا: 1 ـ بحجية خبر الواحد الثقة إذا كان خبراً حسيّاً.
 2 ـ وعند الشك في أن الخبر حسي أو حدسي، يبنى على كونه حسيّاً.
 وحينئذ في نقل الإجماع نقول: إنّ المخبر عن الإجماع يكون ارتكازه الذي جعله ينقل الإجماع على الفتوى قائماً على الحسّ أو يكون قد احسّ بوجود ارتكاز على الفتوى فيكون خبراً حسّياً أو على الأقل خبراً قريباً من الحسّ.
 وحينئذٍ إذا نقل بالإجماع فتاوى الفقهاء بصورة حسيّة أو قريبة من الحس، فهل هذا يكفي لاستكشاف رأي المعصوم ()؟ إذا كان كافياً فهو حجة والا فلا.
 قد يقال: أن المخبر إذا كان ثقة وكان خبره حسيّاً أو قريباً من الحس وكان ناقلاً لفتاوى الجيل الأول الذي تكون كاشفة عن ارتكاز قبلهم يدل على دلالات السنة إجمالاً فيكون حجة.
 ولكن: الكلام كله في صحة دعوة الإجماع، حيث ثبت وقوع تسامح نوعي من قبل الأقدمين من علمائنا في ادعاء الإجماع أو نقله فلا ثقة بدعوى الإجماع المنقول.
 وقد ذكر الشيخ الأنصاري في رسائله تلك المسامحات وهي ترجع إلى ثلاثة:
 الأولى: المسامحة في معقد الإجماع كأن يقع الإجماع على كبرى الناقل ينقله على شيء يراه نتيجة لتلك الكبرى، كما إذا حصل الإجماع على أكرام كلّ سيد إلّا أنّ الناقل ينقله على إكرام امهات السادات لأنّه يرى أنّ إكرام أمّهات السادات نتيجة إكرام السادات، بينما إكرام أمّهات السادات محل خلاف ولم يقم عليه الإجماع.
 الثانية: المسامحة في حدود الإجماع، فالناقل إذا حصل له القطع بالحكم نتيجة حصوله على مقدار من الأقوال، فسمّى ذلك إجماعاً، بينما هذا العدد لا يؤدّي بحساب الاحتمال إلى صحة الحكم الشرعي الذي أفتوا به.
 الثالثة: المسامحة في أصل الإجماع، إذ يرى الناقل مثلاً أنّ مدرك الحكم في غاية الوضوح فلا يحتمل مخالفة أحد في ذلك فيسمّي ذلك إجماعاً وينقله بينما مدرك الحكم مثلاً هو قاعدة عقلية بديهية.
 ثمّ إنّ نسبة هذه المسامحات إذا كانت كثيرة فيكون عندنا اطمئنان بوقوع المسامحة في الإجماعات القليلة الباقية وكلّ إجماع من هذه الإجماعات القليلة يحتمل فيه وقوع المسامحة ويحتمل عدم وقوعها فتتعارض وتتساقط، أو نقول: إنّ أصالة عدم الغفلة والمسامحة في النقل قد زالت لكثرة وقوع الغفلة والخطأ في نقل الإجماع، ولهذا يسقط البناء العقلائي على حجية ظهور الكلام في نقل الإجماع بدون مسامحة أو غفلة أو خطأ.
 نعم لو نقل بإجماعه المسبب (وهو قول المعصوم) فهذا النقل ليس حسيّاً فلا يشمله دليل حجية خبر الثقة( [1] ).


[1] ـ راجع فوائد الأُصول 3: 149.