الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: القاعدة: حجيّة الإجماع

 كان الكلام في قاعدة اللطف: وهي عبارة عن الأدلة الدالة على ضرورة إرسال الرسل قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ... وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [1]
 وقال تعالى: وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَر مِّن شَيْء قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [2] .
 التوضيح: إن الله أرسل الرسل مبشرين بثواب الله ومنذرين من عذابه، أرسلهم الله لإتمام الحجة على الناس ببيان ما ينفعهم وما يضرّهم في أُخراهم ودنياهم والعلّة من هذا الإرسال والتبشير هو لئلا يكون للناس على الله حجة بعد إرسال الرسل، ويفهم من هذا أنه لولا هذا الإرسال والتبشير فيكون للناس على الله حجة بعد علمهم برسالات الله تعالى، اذن الإرسال والتبشير للناس ضروري على الله لأنه لا يريد أن يكون محجوجاً للناس فأن العقل لوحده لا يغني عن بعثة الأنبياء بالشرائع الإلهية. فهذه الآية تدل على قاعدة اللطف التي هي الوجوب على الله تعالى.
 وأما الآية الثانية: فهي تدل على جرأة بعض الناس «وهم بعض اليهود» على الله تعالى وعدم تقديرهم له حقّ قدره حيث نفوا إنزال الوحي والكتاب منه تعالى على بشر فان من لوازم الإلوهية وخصائص الربوبية أن يُنزّل الوحي والكتاب لغرض هداية الناس والفوز بسعادة الدنيا والآخرة، وأن هذه الهداية لا ينالها الإنسان بما عنده من عقل ونزوع إلى الاجتماع، فكان لزاماً على الله أن يهديه بإنزال الوحي من عنده. فلاحظ.
 ويمكن أن يقال: إنّ هذه الايات القرآنية هي ارشاد إلى حكم العقل العملي وقد استدل بهذه القاعدة على موارد كثيرة كاثبات لزوم بعث الرسول وانزال الكتب على المولى لهداية الناس، ومنها ما نحن فيه من حجية الاجماع بدعوى أنّه يقبح على الله تعالى القاء الناس ي اشتباه وضلال وجعلهم يجمعون على خلاف الحقّ وجعلهم وتفويت مصلحة الواقع عليهم.
 وقد ذكر السيد الشهيد الصدر (قده) تطوير هذه الفكرة في الاجماع بعد الشيخ الطوسي فقال: بأنّ وظيفة أمام العصر (عج) وكذا آبائه الطاهرين هي إبلاغ الأحكام الشرعية إلى الناس على نحو الوجوب الكفائي، وحينئذ إذا وقع خلاف الحقّ وجب على الإمام إيصال الحكم إلى الناس ولو بالقاء الخلاف فيما بينهم بأسلوب لا ينافي التستّر والغيبة المطلقة، فإذا أجمعت الطائفة على قول يكشف أنّه هو الحقّ وإلّا لزم خفاء الحقيقة بصورة كلية وهو خلاف اللطف [3] .
 أقول: إنّ قاعدة اللطف استدل بها العلماء ومنهم الشيخ الطوسي على أنّ الإمام يجب عليه أن يلقي الخلاف بين أفراد الأمة إذا أجمعت على أمر خطأ، فإنّ هذه الفكرة تطورت بعد الشيخ الطوسي، فإنّ الشيخ الطوسي يريد أن يكشف من الإجماع رضا الإمام «قولا أو تقريراً أو فعلاً» وإلّا فيجب عليه المخالفة بصورة ما.
 ويرد على هذا الدليل:
 1 ـ إن المصالح الحقيقية التكوينية «الثابتة قبل الحكم في متعلقات الأحكام» فلا يلزم حفظها من قبل الشارع المقدس بل لم تجر العادة، بحفظها بتدخل من الله مباشرة، بل أوكل حفظها إلى خبرة البشر وبصيرتهم المتطورة من خلال التجارب، ولهذا لم يلزم على الله سبحانه أن يبعث أطباء كما بعث أنبياء، ولذا فقد رأينا مضي آلاف السنين على عمر الإنسان وهو لا يعرف دواء مرض السّل كما أنّه لم يتوصّل إلى معرفة دواء نقص المناعة «الايدز» ومرض السرطان حتّى الآن.
 أما المصالح الحقيقية التي تحصل في طول التشريع الربّاني وهي مصالح عبودية الله وطاعته والتكامل المعنوي التي يكون حفظ هذه المصالح منحصر بالله سبحانه وتعالى بما هو مشرِّع وواضع الثواب والعقاب، فهو صحيح كبروياً ولذا طُبّقت هذه القاعدة لإثبات أصل النبوة العامة، ولكن في مقامنا لا مورد لهذه القاعدة حيث إن هذه المصالح الحقيقية محفوظة في الاحكام الظاهرية (إن لم تحصل على الاحكام الواقعية) فما اجمع عليه الفقهاء إن كان خلاف الحكم الواقعي فلا يكون هذا خارجاً عن الشرع، بل يكون منسجماً مع الشرع وعلى طبق قواعد الشرع وأصوله ووظائفه الظاهرية، فيكون التابع للإجماع متعّبداً بالدليل الكاشف عن رأي المعصوم ويكون مطيعاً وسائراً في جادّة الشرع متكاملاً من الناحية المعنوية.
 2 ـ وعلى فرض أن هذه القاعدة تشمل موردنا، فالواجب على الله هو أن ينصب من يكون في نفسه طريقاً إلى الحقائق، ولا يجب عليه أن يرفع الموانع عن الوصول إلى الحقائق مطلقاً وإن كان المانع من الوصول إلى الحقائق هو فعل العباد وعصيانهم، وقد نصب الله الإمام () كطريق يوصل إلى الحقائق، وقد أدّى كلّ إمام (ع) وظيفته على أحسن وجه حتّى صاحب العصر (عج) إذ نصب له أربعة وكلاء بينه وبين الشيعة ليوصل لهم ما يحتاجون إليه من الأحكام، وأمّا غيبة الإمام فقد كانت من جهة منع العباد، فلا قصور من ناحية المولى.


[1] النساء: 163 ـ 165.
[2] الأنعام: 91.
[3] مباحث الأصول2: من القسم الثاني: 282.