الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة مثبتات الإمارة حجّة
 الألفاظ الأخرى للقاعدة: حجيّة المدلول الالتزامي للإمارة
 توضيح القاعدة: إذا كان عندنا موضوع له أثر شرعي فلابدّ من ترتيب أثره عليه من إحراز ذلك الموضوع بالقطع أو بامارة شرعية أو بأصل عملي.
 فان أحرز الموضوع بالقطع فلا اشكال في لزوم ترتيب آثار نفس ذلك الموضوع وآثار لوازمه، مثلاً حياة زيد ملزوم وتحركه وتنفّسه وتغذيه ونبات لحيته هي لوازم عقلية وعاديّة، ولا اشكال في أن القطع بشيء يستلزم القطع بتحقق جميع لوازمه، فإذا كانت لتلك اللوازم آثار شرعية فلا اشكال في ترتّب تلك الآثار الشرعية عند القطع بأصل الشيء لأن اللوازم أيضاً تكون محرزة بالوجدان كنفس الشيء.
 وأما لو لم يحصل القطع وكانت حياة زيد مثلاً مشكوكة، فمن الواضح أن لوازمها أيضاً سوف تكون مشكوكة، فإذا فرضنا قيام إمارة معتبرة على حياة زيد كإخبار البينة مثلاً، فلا اشكال أيضاً في لزوم ترتيب آثار نفس الحياة من حرمة التصرف في ماله وحرمة تزويج زوجته وتوريثه ونحو ذلك، لأن ذلك مقتضى دليل اعتبار البينة، وأما الآثار الشرعية المترتبة على لوازم الحياة كما إذا كان ناذراً للتصدق بدينار إذا نبتت لحيته، فالمشهور أيضاً وجوب ترتب تلك الآثار بمجرد قيام البيّنة على حياة زيد وهذا هو معنى ما يقال: «إن مثبتات الامارات حجة» ومرادهم إن الامارة تُثبت لوازم ما أدت إليه أيضاً، فيجب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على اللوازم أيضاً.
 أما الأُصول العملية: الجارية في الموضوع (عند عدم الامارة) كالاستصحاب لحياة زيد، فالمشهور أنه لا يثبت به الا آثار نفس الحياة دون آثار لوازم الحياة، فلو أريد ترتيب تلك الآثار فلابدّ من اجراء استصحاب آخر بالنسبة إلى نفس اللوازم لو كانت لها حالة سابقة وجودية، فاستصحاب حياة زيد ينفع لإثبات حرمة التصرف في ماله لأن هذا الحكم ثابت لحياة زيد، أما وجوب التصدق بالدينار الذي كان موضوعه نبات لحية زيد فإثباته يحتاج إلى اجراء الاستصحاب في نفس نبات اللحية لو كان لها حالة سابقة، وهذا معنى ما اشتهر «أن الأصل المثبت غير حجة» فمرادهم أن الأصل الذي يراد به إثبات لوازم الأصل ليترتب عليها آثارها لا تكون حجة( [1] ).
 مستند القاعدة: بما أن العلم بالشيء وجداناً يستتبع العلم بلوازمه مع الالتفات إليها، كذلك العلم بالشيء تعبداً يستتبع العلم بلوازمه مع الالتفات إليها فإذا قامت الامارة على شيء فمعنى ذلك إن الشيء موجود واقعاً ومحرَزاً بالتعبد، فإذا ترتب أثر شرعي على أحد لوازمه فلابدّ من ترتيب أثره( [2] ).
 وبعبارة أخرى: إن الطرق والامارات (كالخبر والبيّنة) كما إنها تحكي وتخبر عن نفس مؤدياتها كذلك تحكي وتخبر عن لوازمها، فإن الخبر بطلوع الشمس مثلاً كما أنه يخبر ويحكي عن طلوعها كذلك يحكي وتخبر عن وجود النهار، فأدلة حجيّة الخبر كما تدل على لزوم تصديقه بالإضافة إلى مؤداه كذلك تدلّ على لزوم تصديقه بالإضافة إلى لوازم مؤداه، لأن الإخبار عن الشيء اخبار عن لوازمه فتشمله أدلة حجيّة الخبر.
 أما الأُصول العملية: فإن أدلة حجيتها إنّما تدلّ على لزوم التبعد بنفس مؤدياتها من دون أن تكون ناظرة إلى لزوم التعبد بلوازم المؤديات، ضرورة أن أدلة حجيّة الاستصحاب مثلاً إنّما تدلّ على لزوم التعبد بنفس المتيقن السابق بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار، وأما لزوم التعبّد به حتى بلحاظ الآثار المترتبة عليه بواسطة اللوازم العقلية أو العاديّة فلا دلالة لها عليه أصلاً( [3] ).
 فالأصل العملي يقول: هذه وظيفتك عند الشك وليست ناظرة إلى إحراز الموضوع وجداناً أو تعبداً فلا يترتب على الأصل الا الأثر الذي يكون له فقط، ولا تحرز بالأصل اللوازم العقلية أو العاديّة للموضوع الذي جرى فيه الأصل فلا تترتب آثارها عليه.


[1] ـ راجع دروس في علم الأُصول 1: 433، الأُصول العامة للفقه المقارن: 464.
[2] ـ راجع أجود التقريرات 2: 416.
[3] ـ راجع الكفاية: 415، فوائد الأُصول 4: 487.