الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 ومن جملة الروايات الصحيحة الدالة على حجيّة خبر الثقة ولو بإشارتها إلى السيرة العقلائية على الأخذ بخبر الثقة صحيحة عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله () أنه ليس كلّ ساعة ألقاك يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه؟ قال (): فما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي فانه قد سمع من أبي وكان عنده مرضياً وجيهاً( [1] ). ان التعبير فيها «فما يمنعك...» يُشعر بمفروغية كبرى كلية مركوزة يراد تنبيه السائل إليها وهي حجيّة خبر الثقة والإرجاع إليه في الروايات لأن بن أبي يعفور كان من العلماء الذي يرجع إليهم في الحلال والحرام، ولكنه يسأل عن عدم وجود الروايات كلها عنده فأرجعه إلى من سمع الأحاديث عن أبيه، على أن المراد من الوجاهة هو الوجاهة الدينية المساوقة مع الوثاقة في النقل.ومن جملة الروايات صحيحة يونس بن يعقوب قال: كنّا عند أبي عبدالله () فقال: أما لكم من مفزع أما لكم من مستراح تستريحون إليه ما يمنعكم من الحرث بن المغيرة البصري( [2] ). فالظاهر أن الإمام () يشير إلى الارتكاز الموجود عند العقلاء في أخذ الاخبار من الثقات.أقول: هناك طوائف كثيرة من الروايات دالة على حجية خبر الثقة منها: ما دلّ على وجوب الرجوع إلى الرواة كقوله (): «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»( [3] ).ومنها: الاخبار الواردة في اجازة الرجوع إلى كتب بني فضّال( [4] ).ومنها: الروايات الواردة في احتجاجات الأئمة مع قضاة العامة وسؤالهم عما يفتون ويقضون به فان الكثير منها يظهر أن عملهم كان بالخبر وبالقياس فردعهم الأئمة عن القياس دون الخبر.ومنها: بناء الصحابة حينما ابتعدوا عن الإمام واحتاجوا إلى مسألة على إرسال أحدهم إلى الإمام ليسأل المسألة ويخبرهم بفتوى الإمام ()، وحتى بناء الأئمة على تبليغ مسألة وأمر على إرسال ثقة لذلك الأمر ليبلغه( [5] ) ومن جميع ما تقدم يفهم أن حجيّة الخبر أمر مفروغ عنه عند المتشرعة.إذن الرجوع إلى رواة الحديث لا يبعد أن يكون متواتراً تواتراً إجمالياً بصدور رواية واحدة من الإمام (ع) أريد منها الحجية لاستبعاد عدم كونها مسوقة مساق غير مسوقة مساق الحجية، ولتكن هي الأخص من الجميع وهي الصحيح الأعلائي الذي دلّ عليه خبر الثقة كما تقدم.وأما السيرة: وهي بروحها استدلال بالسنّة أي أن السنّة مستكشفة بالدليل القطعي المتمثل بعمل المتشرعة والأصحاب أو بسيرة العقلاء [6] .أما سيرة العقلاء: فلا اشكال في وجود سيرة عند العقلاء على الاكتفاء بخبر الثقة في أعمالهم اليومية وجعله حجة في مجال الإدانة وتحميل المسؤولية [7] ، فالعقلاء بانون على العمل بخبر الثقة في أمورهم اليومية يمشون حسب سجيتهم وعادتهم على هذا الطريق في أوامر الشارع أيضاً ما لم ينبّهوا على خلاف ذلك من قبل الشارع، فلو كان الشارع لا يرضى بذلك كان عليه أن يردع عن هذه الطريقة التي قد تشمل اغراضه الشرعية فيستكشف من عدم الردع الإمضاء، كما أن عدم الردع يمكن إحرازه من عدم وصول ردع الينا مع وجود مقتضيات الوصول التي تقتضي نقل ما يخالف العادات إذا ردع عنها.وأما سيرة المتشرعة: فلا اشكال في أن الرواة من أصحاب الأئمة كانوا يواجهون الروايات الكثيرة في أكثر المسائل الفقهية، لأنها هي أساس الفقه عند جميع المسلمين، وكانوا يعملون بخبر الثقة (غير المدلّس والوضاع والكذاب والمجهول) وإن لم يحصل منه العلم أو الاطمئنان، ولم يصل الينا أيّ رواية على المنع من العمل بخبر الثقة، بل الوارد مناسب مع الحجيّة أو دالّ عليها، ولو كان المنع عن هذه الطريقة موجوداً لكان قويّاً يزداد على النهي عن القياس والاستحسان لأن جميع المسلمين كانوا يعملون بخبر الثقة بخلاف العمل بالقياس فهو مورد عمل قسم من المسلمين، اذن لا منع عن هذه الطريقة فيُستكشف إمضاء المعصوم لهذه السيرة فتكون حجة.ولا يقال أن هذه السيرة قد ردع عنها بالنهي عن اتباع الظنّ وغير العلم لان السيرة موجودة على العمل بخبر الثقة مع وجود هذه النواهي مما يعني أن هذه النواهي ليست لها صلاحية الردع للسيرة لأنها سيرة راسخة يحتاج الردع عنها إلى ردع شديد وأكيد ومكثّف أكثر من الردع عن العمل بالقياس الذي يعمل به بعض المسلمين، فلا يكفي الردع بمجرد وجود إطلاق أو عموم. على أن الآيات الناهية عن العمل بالظن تخصص بما دلّ الدليل على حجيّة الظن والعمل بخبر الثقة مما قام عليه الدليل كالعمل بالظواهر فتخصص الأدلة الناهية عن العمل بالظن بغير خبر الثقة والظواهر كما تقدم.


[1] ـ جامع أحاديث الشيعة 1: باب حجيّة اخبار الثقات ح1 وح19.
[2] ـ جامع أحاديث الشيعة 1: باب حجية اخبار الثقات ح21.
[3] ـ وسائل الشيعة باب 11 من صفات القاضي ح9.
[4] ـ فرائد الأُصول 3: 189 ـ 190.
[5] ـ هناك روايات كثيرة تحذّر من الكذابين عليهم () فلو لم يكن الاخذ باخبار الآحاد حجّة وأمراً معروفاً بين المسلمين لما كان مجال للكذب عليهم () ولما كان خوف من الكذب عليهم لأنه لا أثر للكذب عليهم لو كان خبر الواحد غير مقبول عند المسلمين.
[6] هذا إذا بحثناها منفصلة عن حكم العقل النظري وإلّا فنقول: إنّ السيرة راجعة إلى العقل النظري القائل باستحالة وجودها في عصر المعصوم وعدم الردع من الإمام (ع) مع عدم مطابقتها لرأيه ورأي الإسلام».
[7] فالتاجر يعتمد في تجاره على قول مَن هو ثقة بحسب عالم التجارة، والعامل يعتمد في عمله على قول مَن هو ثقة بحسب عمله، ومن ينتظر مجيء صديق له من السفر ويقصد زيارته لدى رجوعه يعتمد على إخبار الثقة بمجيئه ومن يخاف من شخص إذا دخل البلد ويريد أن يهرب منه يعتمد على إخبار الثقة بوصوله إلى البلد الذي دخله ذلك الشخص و... .