الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 والنكتة لهذه السيرة هو ندرة وقوع النقل والتغير وبطئه بحيث أنّ كل إنسان عرفي بحسب خبرته لا يرى تغييراً محسوساً في اللغة لأن عمر اللغة أطول من عمر كل فرد، فكل فرد يرى أن التغيير حادثة على خلاف الطبع والعادة، فمن يحتمل النقل والتغيير يجري أصالة الظهور. وبعبارة أخرى: أن الظهورات المتبدّلة في اللغة تكون نسبتها إلى الظهورات غير المتبدلة قليلة جداً فتبقى أصالة عدم التغيّر في اللغة على حالها [1] .
 والدليل على صحة هذه الدعوى وقلّة تبدل ظهور الألفاظ هو: أننا نرى عند مراجعة نصوص القرآن والسنة أنّ المعاني متسقة ومقبولة بينما لو كان قد وقع التطوّر الكثير في الظهورات لكّنا نبتلي بعدم الاتساق وعدم القبول في معاني القرآن والسنّة. وقد سمى هذه الحالة الشهيد الصدر بقاعدة الثبات في الظهورات لأن القاعدة تشمل الأوضاع اللغوية والظهورات السياقية التركيبية غير الوضعية أيضاً [2] .
 ملاحظة: لا تجري أصالة عدم النقل في موردين:
 الأول: إذا علمنا بالنقل: إذا علم بالنقل وشك في التقدم والتأخر، فإن أصالة الثبات أو عدم التغيّر القائمة عليها السيرة إنّما تجري لاستبعاد التغيّر في اللغة، أما إذا فرض وقوعه فلا يفرق بين وقوعه في الماضي أو هذا الشهر مثلاً.
 الثاني: إذا توفّر مقتضي النقل: إذا كان الشك في مؤثرية الموجود في النقل، كما إذا شاع استعمال لفظ الصلاة في المعنى الشرعي كثيراً لكثرة ابتلاء المتشرعة بذلك، فاحتمل أنّ هذا الشيوع قد بلغ مرتبة نقل اللفظ عن معناه اللغوي وتعيّن المعنى الشرعي، فهنا لا تجري أصالة عدم النقل لقصور السيرة عن الشمول، لأن السيرة العقلائية على عدم النقل قائمة على استبعاد النقل، أما إذا توفر مقتضي النقل بالنحو المذكور فلا استبعاد فلا تجري أصالة عدم النقل.
 حجية قول اللغوي في اثبات المعنى: فقد لا ينعقد ظهور للكلام من جهة عدم المعرفة بأوضاع مفردات الكلام فهل يسوغ الرجوع إلى قول اللغوي لتعيين الأوضاع أم لا؟
 ذهب المشهور بين المتقدمين إلى الحجية ونسب إلى السيد المرتضى دعوى الإجماع عليه بينما مشهور المتأخرين من علماء الأُصول ذهبوا إلى عدم الحجية.


[1] أقول: إنّ اللغة والمعاني المقابلة للألفاظ ثابتة نسبياً، بمعنى دوام الظهور الوضعي والسياقي للألفاظ والجعل لفترة معتدّة من الزمن ولكن اللغة هي في تطور دائم أيضاً لا أنّها تتحرك في تطورها حركة طبيعية، لأنّ اللغة هي لإفادة المقصود وهي تعبير عن الأفكار والحاجات، فهي ليس لها الموضوعية، وحينئذ إذا كان ما نقصد به من الأفكار والحاجات متطوراً فمن الطبيعي أنّ تتطوّر اللغة تنبعا لتطوره، إذن اللغة تتأثر بكلّ العوامل المؤثّرة في الأفكار والحاجيات تارة في وضع كلمة جديدة أو في نشوء سياق جديد وأخرى في معنى الكلمة السابقة أو السياق القديم، وكلامنا الآن منصبّ في الثاني، مثلاً كلمة «الاشتراكية» في زماننا تعطي معنى لم تكن تعطيه سابقاً.
[2] أقول: إنّ أصالة عدم النقل في اللغة يختصّ بالظواهر الأفرادية، فالكلمة إذا احتمل نقلها من معنى إلى معنى آخر فالأصل يقوم بعدم النقل في الألفاظ، أما أصالة الثبات في اللغة فهو يشمل ظواهر الكلمات الفردية وظواهر الجل التركيبية من باب تغيّر السياق، أي قد يتغيّر الظهور التصديقي من دون تغيّر في الوضع والظهور التصوري، وحينئذ سيكون من الأفضل التعبير أمّا بأصالة عدم التغيّر في اللغة أو بأصالة ثبات اللغة الذي هو مناسب لنفي تطوّر المعنى الفردي للكلمة، ونفي تطوّر المعنى التركيبي، فلاحظ.