الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 ثم أن هناك من أسقط حجيّة الظهور القرآني بالمرّة، إذ منع من انعقاد ظهور للآيات القرآنية لأن الآيات قصد منها أن تكون مبهمة مجملة لا يتيسير فهمها الا بالرجوع إلى الأئمة ولو بنكتة ربط الأمة بهم، أو لأن الكتاب يشتمل على مطالب دقيقة تفوق مستوى الإنسان العادي فيتعذّر فهمه على غير الأوصياء .
 وهذا الكلام باطل:
 1ـ لأن القرآن كتاب هداية للناس يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويريد أن يثبت الله به حقانيّة المرسِل والمرسَل به ورسالته، وهذا الا يحصل بكونه كتاباً مجملاً مبهماً.
 2 ـ على أن آيات الأحكام التشريعية لا معنى للغزّ فيها والإبهام، لأن المراد العمل على وفقها فلابدّ أن تكون واضحة جليّة. نعم هنا أجمال عرضي في القرآن كما هو موجود في السنّة إذ يعلم اجمالاً بعدم ارادة بعض الظواهر القرآنية والنبوية لمخصص أو قرينة ويقع الانحلال لهذا العلم بالفحص عن المخصصات والقرائن فينحل هذا العلم الإجمالي. وهذا لا يثبت عدم حجيّة الظواهر القرآنية.
 الظهور الحجة هو الظهور الموضوعي لا الذاتي
 المراد بالظهور الذاتي: هو الظهور الشخصي الذي ينسبق إلى ذهن كل شخص شخص، وكل شخص قد يتأثر بظروف أو سنخ ثقافة معيّنة أو مهنة معيّنة فيحصل في ذهنه اُنس مخصوص بمعنى مخصوص لايفهمه العرف العام من اللفظ. مثل لفظ الإمام عند الشيعة فانه مختصّ بالمعصوم .
 والمراد بالظهور الموضوعي: هو الظهور النوعي الذي يشترك في فهمه ابناء العرف والمحاورة الذين تمت عرفيتهم. وهذا الظهور الموضوعي هو الظهور عند النوع من أبناء اللغة كلفظ الإمام عند عامة الناس فانه ظاهر في من يؤتم به في فعل ما. ومن هنا يعقل الشك فيه لكونه حقيقة موضوعية ثابتة قد لا يحرزها الإنسان، كما إذا شك في ظهور كلمة الإمام في العدالة (بقيد العدالة) حيث يكون قدوة فيؤتم به [1]
  [2] .
 ثم إن الظهور الذاتي قد يطابق الظهور الموضوعي عند الإنسان العرفي غير المتأثر بظروف خاصة، ولكن قد يخطئ الظهور الذاتي الشخصي الظهورَ الموضوعي لعدم استيعاب الشخص مثلاً تمام نكات اللغة وقوانين المحاورة أو لتأثره بشؤونه الشخصية في مقام انسباق ذهنه إلى المعنى من اللفظ. وهنا نقول:
 1 ـ لا اشكال في أن موضوع أصالة الظهور هو الظهور الموضوعي فقط لأن حجية الظهور بملاك الطريقية وظهور حال المتكلّم في متابعة قوانين لغته وعرفه العام لا الخاص، إذ من الواضح أنّ المتكلّم يحاول التكلم باللغة المشتركة لا بلغة شخص من السامعين.
 2 ـ وحينئذ يقال: كيف يُحرز هذا الظهور الموضوعي لأن ما بيد كل انسان وجدانا هو الظهور الذاتي الذي ليس موضوعاً لحجيّة الظهور؟
 والجواب: يمكن احرازه بالوجدان وبالتحليل وذلك بملاحظة ما ينسبق من اللفظ إلى الذهن من قبل اشخاص متعددين تختلف ظروفهم الشخصية بحيث يطمئن أن ذلك الانسباق إلى المعنى الواحد من اللفظ عند الجميع يكون بنكتة مشتركة وهي قوانين المحاورة العامة لا لقرائن شخصية حيث انهم مختلفون في ملابساتهم الشخصية.


[1] وبتعبير البعض: إنّ الظهور الموضوعي هو ظهور واحد دائماً، قد يعرفه شخص ويجهله شخص آخر، ومن المعقول وقوع الشك فيه، فهو ظهور واقعي لا يختلف من شخص لآخر، ثابت بثبوت تلك اللغة العرفية وقوانينها التي تقتضي دائماً معنى معيّناً أو أحد معاني متعددة عند الإجمال من دون أن يختلف الحال باختلاف الأشخاص.
[2] أمّا الظهور الذاتي: فهو يختلف من شخص لآخر في أبناء اللغة الواحدة لأنّه عبارة عمّا ينسبق إليه ذهن السامع، ومن المعلوم أنّ ذهن السامع مليء ومشحون بمختلف الخصوصيات، وتختلف من شخص لآخر، فالظهور الذاتي كالماء الذي يجري في أوعية مختلفة فيكتسب الوانها، إذن الظهور الذاتي هو عبارة عن اللغة زائد المؤثّرات الشخصية.