الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 تقدم أن معنى بناء العقلاء على أصالة الظهور هو اعتبارهم الظهور حجة (كالنص) بإلغاء احتمال الخلاف سواء كان احتمال الخلاف من جهة الغفلة أو الهزل أو من ناحية احتمال القرينة التي خفيت علينا. فكل هذه الاحتمالات ملغيّة بنظر العقلاء، فالمنفي في الحقيقة عند العقلاء هو الاحتمال، أما القرينة الواقعية التي لم تصل الينا فلا أثر لها في نظر العقلاء ولا تضرّ في الظهور حتى نحتاج إلى نفيها إلى الأصل، فإن معنى أصالة عدم القرينة معناه البناء على نفي وجود القرينة لا البناء على نفي احتمالها، وبهذا يتضح عدم وجود أصل للعقلاء يسمى (أصالة عدم القرينة) حتى يقال برجوعه إلى أصالة الظهور أو برجوع أصالة الظهور إليه كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية، ولا حاجة إلى جريانه أولاً ثم الرجوع إلى أصالة الظهور في حالة الشك في احتمال وجود القرينة التي خفيت علينا كما ذهب إليه الشهيد الصدر بل يكون نفي احتمال الغفلة والهزل الذين يمنعان من الظهور ونفي احتمال القرينة [1] على التخصيص مثلاً التي خفيت علينا هو معنى أصالة الظهور وليس شيئاً آخر. فأصالة الظهور: نفي احتمال الغفلة أو الخطأ أو تعمد الأيهام أو نصب القرينة على الخلاف أو غيرها فكل هذه الاحتمالات ملغيّة في نظر العقلاء ومعنى الغائها هو اعتبار الظهور حجة.
 فالأصل هو أنّ المتكلم يريد المعنى الحقيق لما تكلّم به «لا المجاز» والأصل أن يكون ما تكلّم به مراداً جداً لا هزلاً، فالعقلاء يلغون احتمال القرينة واحتمال خلاف الظاهر، وهذا هو عبارة عن أصالة الظهور، فلا يوجد إلّا أصل واحد وهو أصالة الظهور، ولا يوجد أصل عقلائي آخر يسمّى بأصالة عدم القرينة، هذا كله ما تقدم بيانه بالأمس.
 
 دائرة حجيّة الظواهر
 1 ـ لا يفرّق في حجيّة الظهور بين ظواهر الحديث وظواهر الكتاب الكريم وغيرها بين من قصد افهامه وغيره وذلك لتمامية حجيّة الظهور في حقّهما:
 لأنّ المتكلم عندما خرج عن دائرة السكوت إلى الكلام فهو في مقام البيان ونسبة كونه في مقام البيان إلى المخاطب وغيره على حدّ سواء.
 كما أن إرادة خلاف الظاهر بنصب قرينة منفصلة علية، يدفعها أنه في مقام بيان تمام مرامه بشخص الكلام، وهذا أيضاً لا يختلف الحال فيه بين المخاطب وغيره.
 كذا إذا أراد خلاف الظاهر بنصب قرينة متصلة عليه وقد غفل عنها، فانه يدفعها أصالة عدم الغفلة لكل مَنْ كان في محضر الإحساس بذلك الكلام سواء كان المخاطب أو غيره.
 كما إننا لو احتملنا أن المتكلم أراد خلاف الظاهر وقد اعتمد طريقة مخصوصة في المحاورة بينه وبين مخاطبه، فأن هذا الاحتمال يردّه ظهور حال المتكلم على أنه يجري وفق لغة العرف والمحاورة عندما يتكلم باللغة. نعم يحتمل وجود قرينة متصلة لم تصل الينا من جهة الضياع، وهذا احتمال لا يمكن التمسك بالظهور لنفيّه حتى للمقصود بالإفهام.
 وبهذا اتضح عدم الفرق بين المقصود بالإفهام وغيره لأن أدلة حجيّة الظاهر تشمل المخاطبين وغيرهم بلا فرق.
 2 ـ كما لا فرق بين الظهور الذي يُظنّ بخلافه وما لا يظنّ بخلافه، لأن العقلاء لا يفرقون في مجال الاغراض التشريعية (باب الحجة والتنجيز والتعذير بين الموالي والعبيد) بين ما يظنّ بخلافه وعدمه، نعم قد يتجه الفرق بين الظهور الذي يظنّ بخلافه من عدمه بلحاظ المصالح الشخصية فيكون ما يظنّ بخلافه غير حجة عليه فلا يعمل على وفقه، لأن الاغراض الشخصية يكون الكشف الشخصي هو المعتبر ولا كشف شخصي إذا كان عنده ظنّ بخلاف الظهور. وكذا إذا كنّا في مقام إدراك الواقع وتحصيله مثل الطبيب الذي يأمر المريض بشرب الدواء المعيّن، فهنا لابدّ من حصول الظن بل الاطمئنان بكون كلامه موافقاً لمراده، أو لا أقل من انتفاء الظن بالخلاف.


[1] فإنّ احتمال القرينة على التخصيص يوجب الفحص عن القرينة على التخصيص بقدر الإمكان، ولا يمنع من أصالة الظهور إذا لم نظفر بالقرينة بعد الفحص.