الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 2 ـ السيرة العقلائية [1] : ثم إن العقلاء لا يتقيدون في مقام الإفادة والمحاورة بالتنصيص والصراحة في مقام التعبير جزماً بل يعملون بالظهور على وفق طبعهم العقلائي، ويتضح تقريب هذا الأمر بأمرين:
 الأمر الأول: سيرتهم على الأخذ بالظهورات في معاشهم وأوضاعهم الخارجية اليومية، وهذه سيرة عقلائية في غرض تكويني.
 فمثلاً من يراجع المهندس أو الصديق أو من هو طرف له في معاملة ما، أو يراجع أي شخص في أي حاجة من حاجاته فانه يبني على ظاهر الكلام ولا يقتصر عمل الناس على النصوص الصريحة فقط. وعلى هذا قام أساس معاش الناس واغراضهم فيكون الظهور حجة فيما بينهم.
 وهذه السيرة وإن كانت في غرض تكويني الا أنها كعادة جارية تؤثر في الاغراض التشريعية، فلو لم يكن الشارع راضياً بها لنبّه على ذلك وردعهم عن استخدام نفس السيرة في مجال الشرعيات [2]
  [3] .
 الأمر الثاني: سيرتهم على الأخذ بالظهورات في عالم المولويات العرفية والاغراض التشريعية لهم، فانهم يُلزمون كلّا ً من الآمر والمأمور بالظهور ويرونه حجّة، بمعنى أنكلّ عاقل إذا سألته عن عبد طبّق أعماله كلّها على طبق ظواهر كلام مولاه لأجاب: أنّه عبد مطيع ومخلص لسيده وهو بعيد عن التقصير بشأن المولى، وهذا يعني أنّ كلّ عاقل لو تقمّص قميص المولوية لجعل ظاهر كلامه حجة على عبده، ولا يوسّع مولوية المولى إلى حدّ احتياط العبد بلحاظ الاحتمالات المخالفة للظهور.وأما اثبات إمضائها من قبل الشارع، فانه يُستكشف من عدم ردعه عنها، أما للزوم نقض الغرض لو لم يكن موافقاً عليها ولم يردع، وهذا صحيح في السيرة العقلائية الممتدة إلى مجال الاغراض التشريعية، أو للظهور الحالي في إمضائه وتقريره بما أنّه ذو مذهب وصاحب أغراض، فإن نفس تصدي الشارع لتفهيم مرامه بالظهورات ظاهر في البناء على حجيّة السيرة في العمل بالظهورات عند فهم المراد. الا أن هذا الظهور الحالي لا يمكن جعله دليلاً على امضاء السيرة العقلائية في المقام لأن الكلام في حجيّة الظهور.نعم يبقى امضاء هذه السيرة بعدم الردع «للزوم نقض الغرض»، ويثبت عدم الردع بعدم وصوله كما تقدم.
 وقد يقال: إن الردع عن هذه السيرة موجود وهو عمومات النهي عن العمل بالظن، أو اطلاق أدلة الأُصول والقواعد الشرعية المقررة لموارد عدم العلم الشامل للظن كحديث الرفع.
 والجواب:
 1 ـ إن هذه العمومات والمطلقات لا تصلح للردع عن السيرة العقلائية على العمل بالظواهر، لأن السيرة شديدة الترسّخ ومستحكمة في أذهان العقلاء والمتشرعة في عالم المولويات العرفية والأغراض التشريعية حتى أنه لم يتزعزع شيء منها بعد ورود هذه العمومات والمطلقات، وقد قلنا أن الردع لابد أن يكون متناسباً مع المردوع عنه، ففي باب القياس جاءت التصريحات الرادعة الشديدة عن الأئمة في مقام الردع عنه مع أن الحاجة الفقهية إليه أقل بمراتب من الحاجة إلى الظهور والتعامل معه فقهيّاً.
 2 ـ على أن رادعية هذه العمومات والاطلاقات للنهي عن العمل بالسيرة بالظواهر مستحيلة، لأن الرادع عن الظهور هو ظهور فيلزم من حجيته عدم حجيته، وكل ما يلزم من وجوده عدمه محال.
 3 ـ وجود طوائف من الروايات دلّت على حجيّة الظواهر:
 الطائفة الأولى: الروايات الآمرة بالتمسك في الكتاب والسنّة بما هما من مقولة اللفظ والكلام والدلالة أو المعنى. مثل حديث الثقلين المشهور بين الفريقين، فالعمل بظاهر الآية أو الحديث مصداق عرفاً لما هو مأمور به في تلك الأدلة فيكون واجباً، وهو معنى الحجية.
 الطائفة الثانية: روايات عرض ما تعارض من الروايات على كتاب الله. أو روايات دلّت على تحكيم دلالات القرآن الكريم ابتداءً كمعتبرة عبد الأعلى مولى آل سام: «هذا واشباهه يعرف من كتاب الله»( [4] ).
 الطائفة الثالثة: ما دلّ على عرض الشرط في المعاملات ونحوها على كتاب الله على حجيّة الظواهر القرآنية.
 الطائفة الرابعة: ما دلّ على عرض الروايات المروية عنهم على الكتاب الكريم... وهنا لا يحتمل العرض على الآيات القرآنية الصريحة لأن الكذب عليهم عادة لا يكون بما يخالف النصوص الصريحة، بل بما يخالف الظاهر.
 ثم نثبت حجيّة إطلاق أو عموم هذه الطوائف بالسيرة العقلائية وإلغاء خصوصية حجيّة ظهور الكتاب والسنّة.
 أو نقول: أن مجموع ما ورد من الأئمة في التعويل والإحالة على كتاب الله وسنة الرسول إذا كان صريحاً في الاستدلال بالظهور (لا ظاهراً) كان ذلك بنفسه دليلاً قطعيّاً على حجيّة الظهور شرعاً بقطع النظر عن السيرة العقلائية.


[1] إنّ السيرة المتشرعية إذا كانت تطبيقاً للسيرة العقلائية مع الغفلة عن احتمال عدم الامضاء، فتكون السيرة العقلائية هي الأساس الأوّل في عمل المتشرعة، ثمّ بعد ذلك كان عملهم وسيرتهم عن وعي والتفات برضا الشارع ولو بعد ردعهم في المرحلة الأولى وهو السيرة العقلائية، إذن هذه السيرة العقلائية تحتاج إلى إثبات عدم الردع، أمّا بعد ذلك فصارت سيرة متشرعية لا تحتاج إلى إثبات عدم الردع.
[2] أقول: قد يقال في إبطال هذا الأمر: إنّ هذا العمل الذي قام عليه أسا معاش الناس ليس له ربط بعالم الحجية،لأنّ العقل لا يجعل حجية لكلام المهندس أو الصديق أو مَن هو طرف له في المعاملة حتّى يعمل بها، بل العاقل يعمل على ظاهر كلام الغير الذي يتعامل معه من باب أنّ الغرض للعاقل المتعامل إذا كان لا يحركه أكثر من العمل بالظاهر فهو لا يسدّ باب الاحتمالات الضعيفة ويعمل بالظاهر بلا حاجة إلى جعل حجية له، أمّا إذا كان الغرض للعاقل مهمّ جداً بحيث يحركه لسدّ باب الاحتمال الضعيف فهو لا يعمل بالظواهر، بل بالاحتياط.
[3] إذن عمل العاقل على وفق الظواهر ليس من باب جعل الحجية أصلاً.
[4] ـ وسائل الشيعة باب 29 من أبواب الوضوء.